بايدن يدين الهجوم «الرهيب» على رئيس الوزراء السلوفاكي    المدربات السعوديات يكتسبن الخبرة الإفريقية    الأهلي يتمسك بذهب السيدات    أميرالقصيم يكرّم 26 فائزة بجائزة شقائق الرجال    عدد الفلسطينيين منذ نكبة 1948 تضاعف 10 مرات    ‬بدء وصول قادة الدول العربية إلى المنامة    «أمن الدولة» تطلق منظومة «تقصّي».. لتلقي وتحليل بلاغات الاشتباه المالي وتمويل الإرهاب    الأحزاب المصرية: تصريحات متطرفي إسرائيل محاولة يائسة لتضليل العالم    غوارديولا: لولا تصدي أورتيغا لكان أرسنال بطلا للبريميرليغ    4 أحزمة ملاكمة تنتظر من يحملها على أرض "المملكة أرينا"    القبض على مقيم لارتكابه أفعال خادشة للحياء    وصول الطائرة السعودية ال 50 لإغاثة أهالي غزة    رئيس سدايا: السعودية مثال دولي في الذكاء الاصطناعي المسؤول والأخلاقي    تطوير سياسات استدامة مخزون استراتيجي من السلع الأساسية ودعم استقرار أسعارها    محافظ القطيف: رؤية القيادة الرشيدة وضعت التعليم على سلم الأولويات    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء سنغافورة بمناسبة أدائه اليمين الدستورية    أوامر ملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    «البلسم» تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح و«قسطرة»    تشغيل 4 رحلات أسبوعياً للخطوط الجوية البريطانية من هيثرو إلى جدة    زين السعودية تعلن عن استثمارات بقيمة 1.6 مليار ريال لتوسعة شبكتها للجيل الخامس 5G    «الموارد»: تمكين 22 ألف مستفيد من «الضمان» في سوق العمل خلال الربع الأول من 2024    مدير تعليم الأحساء يكرم الطالبة الفائزة ببرونزية المعرض الدولي للاختراعات    ارتفاع النفط واستقرار الذهب    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    ضبط 264 طن مأكولات بحرية منتهية الصلاحية    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «الصحة» تدعو الراغبين في الحج إلى أخذ واستكمال جرعات التطعيمات    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    فيغا يعود للتدريبات الجماعية للأهلي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    أمير حائل يكرم عدداً من الطلاب الحاصلين على الجائزة الوطنية بمبادرة «منافس»    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    طموحنا عنان السماء    الأمن والاستقرار    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة خاصة إلى عالم المخدرات في البقاع . العميد عصام أبو ذكي : بعض أصحاب القرار سرب للتجار أننا جادون في مكافحة المخدرات فعمدوا إلى تخزينها ، المقدم زعروري: كل تاجر فاتح دولة على حسابه في الفيللا التي شيدها وجهزها بكل ما يلزم
نشر في الحياة يوم 13 - 07 - 1992

إذا كانت حرب لبنان بدأت عام 1975 برصاصات رشاشة على باص فلسطيني كان يعبر منطقة عين الرمانة، إحدى ضواحي بيروت، فان تطورها وتوسيع انتشارها وديمومتها كان خلفها مستفيدون في كل الحقول وأهمها في حقل زراعة وتهريب المخدرات.
الدولة حاولت أخيرا القيام بحملة واسعة لمنع هذه الزراعة، وعلى الرغم من إعلانها عن إتلاف موسم هذا العام، فان أحدا لا يستطيع "ضمان" موسم السنوات المقبلة.
"الوسط" قامت بجولة خاصة في "منطقة المخدرات" وزارت المواقع التي كانت تزرع فيها المخدرات على أنواعها في سهل البقاع اللبناني، وقابلت المسؤولين عن "الحرب الأخيرة" التي أعلنتها الدولة اللبنانية على هذه الزراعة، كما عقدت ندوة مع بعض زارعي المخدرات الصغار هناك، وكانت النتيجة التحقيق الآتي:
يعتبر سهل البقاع اللبناني من الأسماء الجغرافية الرائجة عالميا وهو يأتي في المرتبة الثانية بعد بيروت التي أطلقت "نجوميتها" منذ العام 1975 تلك الحرب الطويلة، أما شهرة البقاع فتعود إلى جودة الحشيشة التي تكسو سهوله! وقد تكون مقولة "لبنان أرض اللبن والعسل" أو "سويسرا الشرق" أقل انتشارا من "لبنان أرض الحشيشة باب أول"! و"العصور الذهبية" التي شهدها لبنان سياحيا واقتصاديا كثيرا ما أنيطت بزراعة الحشيشة وقد يخطئ البعض إذا اعتقد يوما أن ذلك الازدهار يعود فقط الى جمال البحر والجبل وروعة الطقس وشمس الشموس... وضيافة اللبناني وكرمه وشطارته! فكل هذا مقبلات و"مازات" للأكلة الرئيسية: الحشيشة اللبنانية ! ويذكر جيل الستينات كيف كانت منطقة بعلبك تعج بالأجانب سياحا و"هيبيين" يجولون في قراها وينزلون ضيوفا مكرمين في بيوت المزارعين يرتشفون "الزهرة" أي الحشيشة باب أول، أو علميا تلك الطبقة من البودرة البنية التي "تقحط" عن جدران الغرفة وقد تجمعت من جراء حفلة "التخبيط" الأولى لأوراق نبتة الحشيشة المجففة. وغالبا ما كانت "الهدية" أو المفاجأة السارة للضيف أو الصديق الأجنبي النزول عند رغبته الملحة واصطحابه إلى بعلبك لتذوق سيكارة حشيش!
"التسطيل"
فالحشيشة في لبنان كالأسطورة عتيقة الوجود وجزء لا يتجزأ من لون البلد ولغته. اصطلاحاتها التقنية دخلت لغة الناس فيستعملونها في المجاز كقول أحد لسارح أو مأخوذ بفكرة: ما بك هل أنت "مسطل"؟ و"التسطيل" تعريف لحالة الهدوء والاسترخاء التي تنتج عن تدخين الحشيشة.
ورغم منافسة "الجوزة" المصرية بقيت الحشيشة اللبنانية تاج الاسواق المحلية والعالمية وجودة المخدرات العشبية باختلاف المخدرات المركبة كيماويا كالكوكايين وحبوب الAmphitamnin وال LSD وغيرها.
وكالغذاء لم تنقطع الحشيشة في لبنان، لا في الحرب ولا في السلم بل ارتفعت أسهمها خلال الحرب ونشطت حركة تداولها وتعاطيها بين المحاربين على الجبهات والهاربين منها أينما كانوا وشطحت تجارتها تغزو الأسواق العالمية.
هذه الصناعة الممنوعة المرغوبة التي ازدهرت على الحدود الفاصلة بين الشرعية واللاشرعية منذ أن دخلت بذور زراعتها الأراضي اللبنانية آتية من الهند سنة 1918 بدأت تفقد عزها في بداية الحرب إذ نزحت من تركيا عام 1975 بذور الأفيون لتحتل آلاف الدونم في البقاع وتترعرع إلى جانب العشبة - الأم، الحشيشة.
واكتسحت مشاتل الحشيش وأكواز الأفيون أكثر من 80 في المئة من مجمل الأراضي الزراعية في منطقة البقاع التي أطلق عليها الرومان لقب "إهراءات روما للحبوب والقمح".
حرب على الحشيشة
كان هذا قبل أن تبدأ "حملة إغلاق مناجم الذهب الأخضر". اسم أطلقه قائد الشرطة القضائية العميد عصام أبو زكي على "الحرب" التي تشن اليوم على زراعة الحشيشة والأفيون في سهل البقاع. وقد أسفرت الحملة التي دعمتها - لحسن الحظ - الثلوج غير الطبيعية لشتاء قلما عرف لبنان مثيلا له عن إتلاف اكثر من 70 في المئة من المساحات المزروعة بالمخدرات... ومن الأيادي العاملة فيها! وتمكنت الحملة من أن تقضي على الزراعة ولكن من دون أن تقضي على الإنتاج! اقتلعت غرائز الحشيشة والأفيون من جذورها في الأرض ولكن مصانع التحويل أو ما يسمى ب"مطابخ" الهيرويين والكوكايين ظلت شغالة وفاض إنتاجها متسللا عبر الطريق البرية إلى مدن الاستيراد في العالم. لغز أو معادلة مركبة على الطريقة اللبنانية أو نموذج إضافي لغرابة تضاف إلى لائحة العجائب والغرائب في لبنان؟
الواضح أن المزارعين في البقاع باتوا "صنفا" من الأصناف البشرية الموشكة على الانقراض إذ تم نفض حقول الحشيش والأفيون الطاغية على الزراعة البقاعية دون الإتيان ببديل زراعي آخر فالتحق المزارع بصفوف المهربين و"مطابخ" الهيرويين والكوكايين مطاردا لقمة العيش كيفا "زقت" من أمامه. أقفلت مناجم الذهب الأخضر محليا فانفتح باب الاستيراد على مصراعيه وتفشى التصنيع "بأرضه" ومن ثم التصدير وانتفاخ جيوب تجرا المخدرات في البقاع!
أما كيف انتهت مكافحة زراعة المخدرات إلى عملية تكثيف صناعتها، إذ صنع لبنان منذ مطلع هذا العام نسبة مرتفعة من الهيرويين عادلت ما أنتجه في العامين 90 و 91 معا، ثم كيف تحول من جرائها المزارع إلى متاجر خلع عباءة الأرض وأمسك بحقيبة "سامسونايت" للتجارة والتهريب وبقي التاجر سلطانا "يربخ" على مخزوناته، ويخطط لنجاحات "ضروبه" الآتية، فهي من الأمور التي غالبا ما تحدث في لبنان والمعتاد عليها قلما يستغرب... ولكنه يريد دائما أن يعرف الخبايا ومستجدات الأمور. ماذا وراء حملة "إغلاق مناجم الذهب الأخضر" وماذا كسبت أو بالأحرى من الكاسب الفعلي؟ وبعد تلك الحملة ما مصير المزارع والزراعة في البقاع أفيونا كانت أم بطاطا ومشمشا، وأخيرا هل تتميز هذه الحملة عن سابقاتها إذا أقدمت الدولة في الخمسينات على الانطلاق بحملة إتلاف فحدثت صدامات بين الدرك والأهالي المزارعين سقط نتيجتها عدد من الجرحى والقتلى. واستمرت زراعة الحشيشة. وفي العام 1978 بعد طغيان زراعة الأفيون قامت الدولة مجددا بحملة إتلاف واسعة حاولت فيها محاصرة وضرب تلك المخدرة الدخيلة على البلد من تركيا، ولكن زراعة الأفيون تصاعدت وتوسعت من 40 دونما في عامي 1975 و 1976 إلى 60 ألف دونم في الثمانينات.
جولة ميدانية خاصة
في جولة ميدانية حثيثة في منطقة البقاع، تمكنت "الوسط" من جمع بعض خيوط الشوط الجديد في مكافحة "الذهب الأخضر". وتنقلت بين أجواء المعنيين والعاملين في هذا القطاع من أجهزة رسمية محلية وغربية إلى مزارعين وتجار وخبراء تحاول فرد لفائف قصة المخدرات كما تجري اليوم ميدانيا على الأراضي اللبنانية. فكان لا بد من الإقامة يومين في ثكنة السيار حيث مركز قيادة الشرطة القضائية المنوط بها مهمة المكافحة، ومراجعة تاريخ الحملات والبدء من الأول منذ المرسوم الإشتراعي رقم 20 الذي صدر بتاريخ 15/5/1955 والذي أقرت مادته رقم 134 على إنشاء الشرطة القضائية التي تألفت من فرقة الأدلة الجنائية وفرقة التحري وفرقة القمار والمخدرات ليصار في العام 1960 إلى إصدار المرسوم التنظيمي رقم 3844 والمعدل بمرسوم آخر رقم 2350 صادر في 10/12/71 حيث تنص المادة 54 على "أن تشمل الصلاحية الإقليمية لقسم المكافحة جميع الأراضي اللبنانية، ويعهد إليه على الأخص بتتبع وقمع المخدرات وجرائم الأخلاق وتزوير العملة". ويعلق المقدم زعروري قائلا: لقد أنشأت الدولة اللبنانية جهاز المكافحة 1955 قبل ست سنوات من تأسيس هذه الأجهزة المختصة الذي أقرته الاتفاقية العالمية التي صدرت بشأن المخدرات عام 1961!" قلنا المهم هو الإنجازات! في الملفات يبدأ التوثيق من 1989 فهناك أوراق وملفات فقدت أثناء حملات "التنظيف" التي كانت تقوم بها الميليشيات أثناء إقامتها في "ملاك" الدولة خلال "احتلالات" الحرب.
حصيلة مكافحة العام 1989: 424 كلغ حشيش، 15 كلغ هيرويين، 107 كلغ أفيون، 4 كلغ كوكايين و1804 أقراص و358 موقوفا بين متعاطي وتاجر. وفي العام 1990 صودر 588 كلغ حشيشة و8 كلغ زيت حشيش، 32 كلغ هيرويين و16 كلغ كوكايين وقبض على 378 موقوفا.
وقد تصاعدت الحملة في العام الماضي 1991 إذ صودر 2415 كلغ حشيش و100 كلغ هيرويين و13 كلغ كوكايين و120 قرصا وقبض على 575 موقوفا.
أما انجح المطاردات فكانت عملية الكبرا في 25/12/91 وتم فيها مصادرة 20 كلغ هيرويين ونصف طن حشيش وبعد شهرين كانت عملية أخرى في الصرفند صودر خلالها طن حشيشة ثم جرت عملية السكوربيو التي كشفت 500 كلغ حشيشة وأسلحة.
أم عملية "ماغنوم" الأخيرة في 18/5/92 فقد كانت حصة الأسد إذ وصلت معلومات إلى قيادة الشرطة القضائية عن قدوم أحد "المافيويين البارزين" آت من أميركا الجنوبية. أوقف المهرب في باريس وتم إلقاء القبض على 150 عنصرا من الشبكة في أميركا.
العمليات المراقبة
هذه العمليات من طراز يطلق عليه اسم "التسليم المراقب" ويعتمد على تنسيق دقيق وثيق وسري بين مختلف الأجهزة المختصة في الدول الواقعة على خريطة التهريب الجارية والمرصودة. ويشرح المقدم زعروري نمط تلك العمليات التي تعتمد على "مخبر يكون داخلا على خط إحدى الشبكات يرتب تهريبة مع الشبكة المرصودة ويدفع رئيسها إلى تكليفه بإيصال البضاعة إلى أميركا مثلا. نتصل بالأجهزة المعنية في أميركا ونعلمها بسفر المخبر - العميل لتسليم المخدرات للشبكة العاملة عندهم. وبعدها ننسق مع السلطات القضائية والجمركية لتسهيل مهمة المخبر الذي يراقب منذ وصوله إلى مطار أميركا أو البلد الذي يجري فيه التسليم، وهكذا تتبع السلطات هناك تحركات العصابة ومن جهتنا نستحصل على المعلومات المتعلقة بالجهة التي سلمته البضاعة عندنا فنلاحقها".
في العام 1991 نفذت الشرطة القضائية 13 عملية "تسليم مراقب" من أهم أسباب نجاحها أنها درست بكافة تفاصيلها وبشكل سري وتم التحقق من صحة الإخبارية الأساسية التي أمسكت بطرف الخيط الأول.
والواضح في أروقة قيادة الشرطة القضائية أن فارس عمليات "التسليم المراقب" هو العميد عصام أبو زكي الذي ردد ضباطه أنه "يطلع على رأس كل عمليات المطاردة وجميعها يتم بحضوره الشخصي ووفقا لتعليماته".
ويبدو أن ضباط العميد أبو زكي ليسوا الوحيدين في تقدير أعماله وإنجازاته في مكافحة المخدرات. الرئيس بوش أثنى هو أيضا على نشاط لبنان المكثف والناجع في ملاحقته لشبكات تهريب المخدرات ورسالة من مدير عام التمييز موريس خوام موجهة إلى قائد الشرطة القضائية ومعلقة على باب مكتبه جاء فيها: "منذ عدة أيام أدلى الرئيس الأميركي جورج بوش بتصريح نوه فيه بالجهود التي يبذلها لبنان في مكافحة جرائم المخدرات. وانتهز هذه الفرصة لأنوه بدوري بالجهود التي تبذلها الشرطة القضائية بكافة عناصرها رئيسا وضباطا وأفرادا في مكافحتهم للجرائم بصورة عامة ول"جرائم" المخدرات بصورة خاصة."
فالمعنويات مرتفعة حتى بين بعض المخبرين الذين التقيتهم هناك وتحدثت إليهم لاحقا بعد التأكيد لهم وللقيادة بعدم تسجيل أصواتهم أو ذكر أسمائهم أو أوصافهم في المقال.
العميد يتكلم
أما العميد فيعلل قراره بالمشاركة الميدانية من منظار خبير مسؤول، عتيق في ممارسة تلك المهام أو كما يسميها "الحملات العسكرية" فيذكر أيام مطاردة أحمد القدور في طرابلس والتي دامت 16 يوما ومطاردة أخرى في بعلبك ومخزون التجارب في الحرب اللبنانية و"تسييج أبواب ثكنة الحلو بالجنازير في وجه الإسرائيليين والبقاء فيها مع الضباط فعند سقوطها تكون أبوابها قد هدمت بالمركافة ولا تسلم الثكنة تسليما للأعداء". وقال معلقا: هناك كرامة "بالدق"، كرامة لوظيفتك ولشخصك. أي تلكؤ أو عرجة يمكن أن تقضي على نفسك. هذا وقد صار عندنا ممارسة وخبرة في كيفية مطاردة المطلوبين في أجواء مشحونة. أما وجودي الميداني فهو من منطلق المسؤولية فان قتل لا سمح الله أحد العناصر أو ما نجحت العملية تأكدي أن لا أحد يلام إلا أنا. بالنسبة الي المطاردة خبرة ولذة".
منذ مدة والعميد أبو زكي في ضوضاء الاجتماعات مع الوفد الفرنسي برئاسة ميشال ريشاردو مسؤول المكتب المركزي لمكافحة المخدرات وقبلها كان يرافق الألمان الذين حضروا أيضا للتنسيق في المكافحة الدولية وكان هذا في عز أزمة الرهائن الأجانب المحتجزين في لبنان. مشاركته في مؤتمرات الانتربول الدولي فتحت الطريق للمشاركة اللبنانية الفعالة في جبهة التصدي لشبكات الاتجار بالمخدرات ولإقامة علاقات تعاون مع الأجهزة الدولية. وسارعت الشرطة القضائية بإثبات وجودها وتسجيل الإصابة تلو الأخرى بهدف إلحاق لبنان بقافلة الدول المتقدمة وضمه بطبيعة الحال إلى قطاع ميزانيتها وبرامج مساعداتها وتقديم البرهان النافذ بان الدولة اللبنانية قد استعادت عافيتها وأنه بمستطاع المجتمع العالمي الاعتماد عليها وعلى أجهزتها لتطبيق أولى لاءات "النظام الجديد": لا للإرهاب لا للمخدرات لا لقمع حقوق الإنسان. وبدأت حملة "إغلاق مناجم الذهب الأخضر" بالتنسيق والتعاون مع القوات السورية، جالت الدوريات وأعطيت التعليمات لجميع المزارعين بوقف الزرع وإتلاف محاصيل الأفيون المتبقية من غضب الثلوج والعواصف في الشتاء. أبيد القليل المتبقي. سقطت إصابتان: الزراعة... والمزارع وربح التاجر! ما معناه أن دورة الإنتاج تابعت دورتها رغم انقطاع المادة.
"كل تاجر له دولته"
كيف ذلك سألنا المرجع المختص فشرح قائد الشرطة القضائية بعضا من خلفيات الحملة وتحدث عن " أصحاب معامل التحويل الذين استعانوا بالكميات الهائلة من الأفيون التي سبقوا واشتروها وجمعوها طيلة الأعوام الماضية بعد أن سرب لهم من بعض أصحاب القرار في لبنان أن الدولة جادة ومصممة على حظر ومكافحة المخدرات. معلوم! اشتروا كميات هائلة قبل أن تنطلق الحملة بمدة" فاشترى التجار الأفيون من أفغانستان وباكستان و"الباز" الخلطة الأساسية لصنع الكوكايين من تركيا وإيران واصطحبوا معهم بعض "المعلمين" الباكستانيين والأتراك لتدريب البقاعيين على التصنيع ولم يبالوا بموسم يتم اجهاضه. خزنوا الكميات في مخابئ ربما تكون في دهاليز تحت الأرض. قال لي المقدم زعروري: "من الصعب جدا معرفة أماكن التخزين إذ أن كل تاجر فاتح دولة على حسابه في الفيللا التي شيدها وجهزها بكل ما يلزم من أجهزة وموتورات للإنارة والمياه فباستطاعته أن يبني عمارة كاملة تحت تلك الفيللا ولا مجال للتحقق من أي تخزين إلا بالتعاون مع مخبرين من الداخل" وهكذا انفتح باب لم يكن في الحسبان: الاستيراد.
وكما وجد التجار والمهربون وأصحاب مطابخ الأفيون مصادر أخرى للأفيون الخام لم يجد المزارعون أمامهم إلا خيارا واحدا: البطالة أو تعاطي التصنيع - والذي لا يمكنه أن يستقطب اليد العاملة التي كانت تستوعبها زراعة الأفيون الخام وتجريح "أكوازه" لتجميع السائل في داخله وهي المادة الأولى في صناعة أنواع الهيرويين.
ويتابع العميد أبو زكي تقييمه لمستقبل مشروع الحملة قائلا: "مصادر كبار التجار والمهربين ترجح أن قطاع المخدرات اللبناني سيعيد نشاطه السابق في السنوات القليلة المقبلة وبزخم أقوى مما كان عليه. وفي هذا الصدد لدى البعض منهم وجهة نظر تقول أن الدولة سرعان ما ستدرك خطأها الكبير وتتراجع عن قرارها بحظر زراعة المخدرات إذ انهم يعتبرونها عملية انتحار اقتصادي كبيرة لأن المخدرات كانت مصدرا لإدخال العملة الصعبة إلى البلد. وانطلاقا من هذا المفهوم تستمر شبكات التجار والمهربين بدفع عمليات الإنتاج إلى الأمام ليس لإغراق البلد بالعملة الصعبة بل لتجميع الأموال الطائلة لجيوبهم".
ويشير العميد أبو زكي إلى عملية ارتفاع أسعار المخدرات: "الاستيراد من الخارج يكلفه فعوض عنه بزيادة ثمن كيلغ الأفيون من 60 أو 80 ألف ليرة إلى مليون ليرة. وارتفع كلغ الهيرويين محليا من 4 أو 6 ملايين إلى 30 و 40 مليون ليرة لبنانية".
طرق التهريب
عن الطرق التي تسلكها عمليات التهريب يصرح قائد الشرطة القضائية بأن "بروز المعطيات الأخيرة على الساحة اللبنانية وتسلم الدولة لكل المرافئ البحرية وبعض النقاط الحدودية التي كان مهربو المخدرات يستعملونها في عملياتهم أثرت على الوضع. كانت نسبة المخدرات التي يتم تهريبها من البحر 75 في المئة من مجمل العمليات. و20 في المئة عبر البر و5 في المئة في الجو. اما اليوم فالتهريب البري يصل إلى 60 في المئة والبحري انخفض إلى 35 في المئة".
ويختم العميد أبو زكي حديثه قبل استقبال مسيو ريشاردو زميله في المكافحة الفرنسية بالتركيز على المزارع الذي "إن شاء الله تجد له الدولة بديلا زراعيا ينطلق منه. المقلق في الوضع انه اعتاد على غنى معين واليوم انخفض مورده. فاشترى سيارة ولكن بق له أن يشتري بنزينها من هنا كما ذكرت الخوف من انزلاقه في مسالك التهريب للمحافظة على مستوى معيشي محدد. وهو لا يستطيع العيش إن لم يصنع فالتصنيع ليس محميا ونحن نعتبر أن المصنعين والمهربين هم أعداء المجتمع وبالتالي أصبحوا حكما أعدائنا. نحن وإياهم في الساحة، واحد منا سيبقى وأعتقد أن الدولة كما في كل البلدان، هي التي تبقى والشرطة هي الموجودة دائما".
مع بعض المخبرين
مصادر المعلومات التي تنير بها الشرطة القضائية مخطط المطاردات محصورة بحليفين: الأجهزة الأجنبية ومجموعة من المخبرين يدفعهم إلى التعاون مع السلطة طموحات مادية أو انتقامات شخصية من تجار المخدرات إما بدافع أخلاقي وطني أو لثأر شخصي من أحد رؤوس "المافيا". أحيانا كثيرة يكون المخبرون أنفسهم من ضحايا الإدمان على المخدرات. أنطونيو وهو اسم مستعار لمخبر ظريف قرر أن يجازف بحياته للتخلص من "بعض الشباب الذين يتعاطون المخدرات ويقومون بالسرقات وعمليات الإجرام ولا يبالون بأحد". ويعتقد أنطونيو بأن "المجرم الحقيقي هو الذي يشك الحقن ويربي حوله جيلا من المدنين ينتهي بأن يكون مجرما بحق نفسه. فالمخدرات وليس فقط في لبنان بل في العالم كله تخرب البيوت فالشباب يتعلم على الإبر بسبب التاجر". ولما يتحدث انطونيو عن عالم "المافياويين" لا يفارقك الشعور بأنك تشاهد فيلما أميركيا، فتاجر المخدرات يقول أنطونيو يسكن فيللا وقصورا مؤلفة من دورين: الأسفل صالونات والأعلى للمنامة وهو يقيم الموائد وغالبا ما يجري تحرياته ويتفرس بالعنصر المنضم حديثا على مائدة "المازة" ويجر الرفيق الجديد في سكرة قد يفلت فيها مواصفات هويته ومهمته إذا كان مخبرا لا سمح الله".
هذا ما حدث لأنطونيو ولكن يبدو أن الرجل متمرس بكافة أنواع الإدمان فصمد على السكرة وعلى احتمال الإفلات بالكلام والبوح بسرية المهمة الصعبة. ويذكر مايكل، اسم مستعار لمخبر آخر، أن صديقا له "كان مخبرا وانكشف أمره فخطفه أعضاء العصابة وأعادوه بعد 89 يوما فاقدا ذاكرته واتزان عقله ليجد منزله مهدما وعائلته مهجرة من المنطقة وأملاكه مصادرة".
الدافع بالنسبة لمايك كما أنطونيو "عاطفي وإنساني" فالثاني لا ينسى مشهد رجل كان "يشم ويضرب حقن الهيرويين في مطعم جبيل وفجأة يشهر مسدسه ليقتل صديقه دون أي سبب، ولما بادره هذا الأخير بالقول: ولو! أنا صديق العمر وكل يوم نترافق أتقتلني؟ فما كان من الرجل إلا وقال "ولكن طلعت مسدسي ولا أعيده دون أن أطلق الرصاص. وأدار مسدسه باتجاه زوجته وأرداها قتيلة".
ادوار المخبر متعددة الوجوه ومن المستحسن ان يتقن التمثيل ويجيد فن الديبلوماسية اذ انه يقوم بدور التحري وشريك الشلة ومنفذ عملية التهريب لفضح السكة والمخطط والشبكة وقد تطول مدة التعامل مع المافيا 9 أشهر وأكثر فالصبر والنفس الطويل من المواصفات الحيوية المطلوب من المخبر ان يتحلى بها.
آثار "النعمة"
على الطريق إلى قريتي العين والنبي عثمان نقطع بلدة مقنيه التي تشهد حركة عمران ناشطة: قصور جديدة وأخرى يعاد ديكورها وتصميمها وثالثة قيد التنفيذ: "تفقص" بين البيوت البقاعية المتواضعة وكأنها تمتشق إلى الفضاء أبراج أبهة وجاها تبدو مهما امتشقت وتجملت نافرة وشاذة عن الأجواء المحيطة. كل قصر محاط بألف أو ألفي دونم شجرها مالكوها غابات ومساحات لحدائق ما ان يسترق نظرك من أحد مداخلها حتى ترى الطراز الإيطالي والتصميم البريطاني لفن الحدائق. سيارات الرينج روفر والمرسيدس تتوزع بين مراجيح الحديقة على الحصى المزركش أو على الحشائش. قال لي أحد المزارعين أن هؤلاء التجار الأثرياء "يجددون سياراتهم كل سنة تبقى مرسيدس العام الماضي مصفوفة قرب المرسيدس الجديدة" أما البئر الارتوازية فمنظر شائع داخل هذه الأسوار وليالي هارون الرشيد تعمر في الجلسات المسائية. "لقد غير تاجر تصميم منزله ما يقارب ال15 مرة وادعى الزواج من نساء عديدات كان يعقد قرانه على الواحدة منهن لتمرير تهريبة" قالها مزارع متحدث وقد قرف هذه البدعة وأصحابها.
مما لا شك فيه أن طفرة الإثراء هذه انعكست على التركيبة الاجتماعية للقرية البقاعية. وهناك حد فاصل بين المزارعين والتجار، فالعالمان مختلفان وان التقيا في مصلحة العمل. الجميع يعرف من هو التاجر ومن هو سمساره والأكثرية باتت من مزارعي المخدرات منهم من اختص في زراعتها منذ أجيال ومنهم من دخلها مرغما لا بطلا. والقصة أساسها لقمة الخبز "والعوايل".
منذ أن ضاقت الحياة الاقتصادية وضاقت معها النفوس وأبواب المعدة لم يكن هناك من منفذ إلا الالتحاق بقافلة مزارعي الأفيون الذي كان أول زارعيه واحد من آل حمية جلب معه البذور واليد العالمة من تركيا بين عامي 1975 و 1976 وقام بتجربته الأفيونية على مساحة 40 دونما. نجحت الأفيونة ولاءمها طقس البقاع الجاف والحديدي وتوسعت الزراعة لتغمر 700 دونم عام 1977 و60 ألف دونم في أواخر الثمانينات. وكان أيامها مدخول لبنان من المخدرات 500 إلى 600 مليون ليرة.
هذا ما يؤيده مدير المشروع الأخضر السابق في المنطقة السيد عبدالله سليمان البئر العميق والشاهد لمسار زراعة المخدرات في السهل منذ أن "أدخل شخص من آل الخوري نبتة الحشيشة إلى زحلة عن طريق الشام وكان يومها صاحب بار ليلي في العاصمة السورية" ويتابع المهندس قائلا: "في البدء زرعت الحشيشة كمصدات للريح تحمي مساكب الخضار وبعد أن تعلم الأهالي على زراعة ال40 دونما وسلموا المحصول لصاحبه أدركوا أن الذين كانوا يعتبرونه قنبا وعلفا للخيل يدر موارد لم يحلموا بها من قبل، فتوسعوا بالزراعة ونقلوها إلى مساحات المنطقة الشمالية حيث دخل على الخط أحد الإقطاعيين السياسيين المشهورين في هذا المضمار فصارت المحاصيل في البدء تقسيم مناصفة بين المزارعين وذلك الإقطاعي السياسي. ولما قررت الدولة أن تعالج مسألة الحشيشة بتوفير إنتاج زراعي بديل بعد أن أقلعت عن المجازفة بحرب دامية مع الأهالي كالتي حصلت في الخمسينات، استدعاني محمود البنا الذي كان وقتئذ مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي وتشاورنا في مشروع دوار الشمس لكنني لم أقبل بمنتوج واحد بديل ترتجل زراعته الدولة ارتجالا وتناقض فيه أبسط مبادئ الاقتصاد الصحيح وتمنع في الوقت ذاته زراعة الحشيشة قبل أن يقتنع المزارعون بجدوى البديل المستحدث ومردوده".
وهكذا ارتبطت زراعة المخدرات ارتباطا عضويا بأزمة الزراعة في المنطقة ومؤثراتها الاقتصادية والاجتماعية فحضر وفد من الأمم المتحدة لتقييم تلك الأزمة، وطرحت الحلول ووافق رئيس البعثة مستر سمكنز على حلول مدير المشروع الخضر الذي قضى بتقطيع المساحات إلى مناطق مختلفة المزروعات من بصل وبطاطا ومشمش ودوار الشمس إلى جانب الاستمرار بزراعة الحشيشة إلى أن تغلب عليها المحاولات الزراعية الجديدة التي بدأت تعطي مؤشرات إيجابية وصار الدونم ينتج 100 كلغ بطاطا في الأراضي البعلية و400 في المساحات المروية.
وأتت ظروف الحرب لتقضي على المشروع وينتقل رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى دمشق بعد أن تعرض لاعتداء من قبل مسلحين.
وتابع السيد عبدالله سليمان مسيرته الزراعية في العام 1978 لما دعاه اللواء احمد الحاج مدير الأمن الداخلي آنذاك بعد حملة إتلاف الأفيونة وعاد مشروع البدائل يطفو على صفحة الاجتماعات الدولية في جنيف حيث كان مقر مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات أو "الأونتك" ولكن حرب الشرقية أعاقت الانطلاق بمشروع البدائل الزراعية وتطوير إنتاجها.
"القوة ليست الحل"
وما زال المهندس البقاعي مقتنعا حتى الآن بأن "استعمال القوة وفرض الأمور على المزارعين هي الطريقة غير المرغوب فيها، وان إيجاد خطة وبرنامج عمل يتيحان المجال أمام تطوير محاصيل زراعية بديلة واقناع المزارعين بل الإثبات لهم بطاقتها الإنتاجية ووفرة مداخيلها.ذلك أن حشر المزارعين في الزاوية قد يدفعهم إلى حدود اليأس والاستسلام لردود فعله. إذا أن المنطقة تمر اليوم بأزمة اقتصادية وزراعية في غاية الحدة زد عما خلفته ثلوج الشتاء من خراب في المحاصيل والمزروعات".
الأزمة الزراعية حديث الفلاحين والأهالي. الأسباب جلية: عدم حماية الإنتاج المحلي من طوفان البضائع المستورد ومن ارتفاع الدولار والتلاعب به واستبداد فئة التجار بشروط الصفقة الزراعية فيقول أحد المزارعين في "الديوانية" التي عقدتها "الوسط" في منزل أحدهم - وقد اشترط المجتمعون عدم التصوير وذكر الأسماء كشرط للأداء بآرائهم - "أن التاجر يشتري منا الفاكهة والخضار بالليرة اللبنانية ويدفع ثمنها بعد ستة أشهر ويحسم على مزاجه 5 في المئة وإلا لا يشتري. كما يتلاعب بنا مع سمساره في السوق الذي يزيد خفض الأسعار. وعلينا أن نشتري الكيماويات والسواد والمازوت لموتور الري بالدولار الأميركي ونتدبر أمرنا".
ويعلق آخر: "ألا تعتقدين أن هذا السيناريو له طعم التآمر علينا وعلى الزراعة في المنطقة؟".
ويخطر على بالي تعليق أحد تجار الحشيشة في بيروت الذي صاح في وجهي: لا شك أن تجارة الحشيش ما زالت أشرف من تجارة الأسلحة و"النوويات" وليحصد الغرب ما ادخله ووظف زراعته في بلادنا. لن نكن نعرف الحشيشة وكانت بالنسبة إلينا بمثابة علف. هم الذين علمونا على زراعتها. زرعناها وكسبنا وما زلنا لا نتعاطاها. ربما جيل الحرب بدأ ينزلق فيها اليوم". وينهض من مكانه ليقول: "تفتشين عن باطن الأمور لتجدي بان الإقرار بإتلاف المخدرات ليس نابعا لا من قرار أخلاقي ولا اجتماعي ولا اقتصادي انه صفقة لا تبتعد كثيرا عن المواقع السياسية. نوع من الفواتير الدولية".
تلقيت منه نظرة القاصد بتمرير معنى خفي والواثق بأننا نفكر بالاتجاه نفسه. ولكن بالحقيقة كان فكري ما زال معلقا بعيون مزارع عتيق يقول مقهورا للحال الراهنة: "أتعلمين أنه لو لم أخبئ بعض الأفيون على كعب شجرة مشمش والجرافة متلهية بعملية الإتلاف لبدأ ربما أولادي بالسرقة وحرمتي بالتسول".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.