اعتبر إمام جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في الرياض حي السويدي فهد الغراب إمامة الناس مكرمة ربانية، ولم يفضّل جعل الإمامة وظيفة،"جعل الإمامة وظيفة أمر في غاية الصعوبة"، معللاً ذلك بأن الناس ستفقد كثيراً من العلماء والمشائخ والقضاة على رغم أنهم أولى الناس بالإمامة. وطالب أئمة المساجد في حوار مع"الحياة"أن يتقبلوا النقد بصدر رحب وأن يستقبلوا الناس بوجه بشوش وسنّ ضحوك، وأشار إلى أن تلبية جميع رغبات جماعة المسجد أمر محال، مؤكداً أن تَوافق الإمام والمؤذن من آكد الضروريات وأهم المهمات، في حين لو حصل خلاف بينهما فالكل خاسر الإمام والمؤذن وجماعة المسجد. وأكد الغراب أنه واجه إغراءات عدة، عرضت عليه للنقل من جنوب العاصمة المتواضع إلى شمالها الراقي، لكنه قاومها، بسبب حالة الحب الشديدة بينه وبين جماعة مسجده. في ما يأتي نص الحوار معه. حدثنا عن بداياتك في إمامة المصلين، ومنذ متى وأنت تصلي بالناس؟ - كانت البداية في عام 1407 ه في مسجد آل جابر في البديعة بالقرب من بيت سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أصلي بالناس، إلى أن انتقلت إلى جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في سلطانة في شعبان عام 1411ه وإلى الآن. كيف عرفك الناس؟ - من خلال إمامتي بالناس، وكانت لي علاقات سابقة من خلال عملي في التدريس، والعلاقة الطيبة مع الزملاء والطلاب. كيف تقيم علاقة أئمة المساجد بجماعة المصلين؟ - القبول والمحبة يقذفها الله في قلوب الناس لمن يشاء من عباده، ويغذّيها الاحترام والتقدير من الإمام لجماعة المسجد، توقير الكبير، والعطف على الصغير، والصدق في النصح، والشفقة على العاصي، وإرادة الخير للناس، وصدق اللهجة، وكما قالوا: ماخرج من القلب وقر في القلب. ما ثمرة توافق الإمام والمؤذن من وجهة نظرك، وفي حال الخلاف بينهما من الخاسر؟ - من أهم المهمات، وآكد الضروريات، توافق الإمام مع المؤذن، فلايشعر الجماعة بقلق، أو يتأخرون يوما ًعن موعد الصلاة، أو يتأخر المؤذن عن الأذان، إذا غاب هذا ناب عنه ذاك، في تبادل للأدوار سلس لايشعر معه الجماعة باضطراب. ومن الضروري أن يكون المؤذن قادراً على تعويض الإمام حال غيابة، والإمام يسدّ محلّ المؤذن في عدم حضوره. أما لو حصل خلاف بينهما فالكل خاسر، الإمام والمؤذن وجماعة المسجد. ما رأيك في من يتنقّل كل يوم عند إمام حسن الصوت، ويذهب بعض يومه في الطرقات؟ - سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عمن يذهب إلى إمام معين ويترك إمام الحي الذي هو فيه؟ فقال رحمه الله لابأس بذلك إذا كان ذلك أدعى لحضور قلبه وتأثره بالقرآن، شريطة أن لاتفوته صلاة العشاء. كيف تتعامل مع انتقادات الناس وهل تلبّي طلباتهم مثلاً بتقصير الصلاة أو تطويلها، وغير ذلك؟ - لا بدّ أن يعلم الإمام أن الذين يحضرون لصلاة التراويح هم خلاصة المجتمع وهم أولى بالإكرام، وأجدر بالاحترام، ولذلك فعلى الإمام أن يتقبل النقد والطلب بصدر رحب، ولايلزمه تحقيق جميع الرغبات، ولكن عليه أن يستقبل الناس بوجه بشوش، وسنّ ضحوك، أما تلبية جميع الرغبات فهذا محال ، فمن الصعب أن يتوافق جميع الجماعة على قدر معين من القراءة والقيام مثلاً، ولكن في التنوّع الحاصل في مساجد الرياض فسحة ، فإمام يطوّل وثانٍ يتوسّط وثالث يقصّر، وللناس الحق في قصد من يرى أنه يرتاح في الصلاة معه. هل للشريط الإسلامي دور في انتشار صوتك؟ وهل القنوات القرآنية الحالية تؤدي دور الشريط القرآني في السابق؟ - لا أدعي أن صوتي منتشر، ولكن في ما سبق كانت هناك بعض الأشرطة التي سجلت لي في صلاة التراويح والقيام، أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه، وربما كان لها دور في معرفة بعض الناس لي. أما القنوات فإنها تقصد قراء معروفين سلفاً، والناس يقصدونهم من قبل وجود هذه القنوات، لكن أصبح انتشارهم أكثر بعد الخروج في هذه القنوات. لماذا يلهث الناس وراء الأئمة حسني الصوت، ومن المعلوم أن القرآن واحد؟ - لرغبتهم في الخير وحرصهم على الخشوع والسعي لتدبّر الآيات، فجمال الصوت نعمة من رب العالمين لمن وهبه الله ذلك، وصرفه في طاعة الله محاذراً الرياء ومجاهداً نفسه لئلا يدخله العُجْب والحرص على ثناء الناس، والقرآن واحد لكن جمال الصوت وحسن القراءة له دور في اجتذاب القلوب، وتشنيف الآذان، والتمعن في الألفاظ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءة أبي موسى الأشعري وقال له لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود. فلاشك أن الصوت الحسن له أثر في النفوس. ما نصيحتك للأئمة الشباب المبتدئين، وكيف يطوّر المبتدئ صوته إذا كان جميلاً؟ - أولا: عليه أن يجاهد نفسه ويذكّرها بإخلاص العمل لله. ثانيا: لايكن همّه كم صلى معي من الصفوف، ولكن كم أثر في قلبي القرآن. ويستطيع تطوير قراءته بلزوم أحد المشايخ المتقنين والأخذ عنهم. هل يعاني الأئمة الذين يتمتعون بصوت حسن من شدّة وزارة الشؤون الإسلامية معهم؟ - أبداً وأنا أحدثك عن تجربتي الخاصة، لم يسبق لي على مدى 22 سنة أن تعرض لي أحد المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية بسوء، بل أجد منهم كل تقدير واحترام، وعلى رأس الجميع معالي شيخنا الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وفقه الله. مسجدك الحالي تحيط به السيارات من كل جانب، ويمتلئ قبل أذان العشاء في بعض الأحيان، كيف تقاوم بريق الشهرة، ومجاهدة النفس على الإخلاص؟ - أعتقد أن جامع شيخ الإسلام ابن تيمية، لم يشتهر بصلاة التراويح فقط، فالناس تقصده لأمور عدة منها التكييف الجيد والنظافة المستمرة والعناية بالصوتيات، والإضاءة، ووجود مصلى كبير جداً للنساء، ووجود مواقف للسيارات، والتنظيم الجيد خارج الجامع، فنحن في كل عام نوظّف مجموعة من الشباب للعناية بمواقف السيارات وحراستها، وتنظيم الباعة خارج المسجد، وحراسة مصلى النساء، والحدّ من عبث صغار السن ،أضف إلى ذلك أن الجامع معروف بالدورات العلمية والمحاضرات والدروس، وبمكتبة الإمام ابن القيم العامة الملحقة بالجامع، فمن ترى من الناس لم يحضر فقط للصلاة ولكن لوجود مناشط عدة فهناك المحاضرات والدروس وغيرها من الوسائل المعينة على الحضور.ونسأل الله الثبات على الدين وحسن الاتباع لسيد المرسلين. هل تأتيك عروض للانتقال إلى مساجد في شمال الرياض، كما هو الحال مع غالبية القراء الذين كانوا في غرب الرياضوجنوبها؟ - نعم أتتني عروض عدة من شمال الرياض وشرقها، وأنا بهذه المناسبة أشكر من أحسن الظن بي، ولكني أشترط على العارض شرطاً قاسياً، وهو أن ينقل جميع جماعة جامع شيخ الإسلام ابن تيمية إلى المسجد الجديد الذي يرغب أن انتقل إليه، وهذا من باب الدعابة طبعاً، وذلك لحبي الكبير لجماعة مسجدي، فكبيرهم في مقام والدي، وشابهم في مقام أخي وصاحبي، وصغيرهم في مقام ولدي، ولذلك فمن الصعب علي أن أتخلى عن أهلي. بعض الأئمة يشغل أكثر من ثلاث وظائف، هل ترى أن الإمامة وظيفة تحتاج إلى التفرّغ الكلي لها حقاً؟ - الإمامة مكرمة ربانية لمن وفقه الله لذلك، وأخلص فيها النية لله عز وجل وحرص على متابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وأرى أن جعل الإمامة وظيفة أمر في غاية الصعوبة، لأننا في هذه الحال سنفقد الكثير من العلماء والمشائخ والقضاة، هم أولى الناس بالإمامة. هل تتغيب في رمضان؟ وما رأيك في الأئمة الذين يوكّلون آخرين على مساجدهم بحجة الذهاب لآداء العمرة؟ - كل إمام يحرص على ألا يتغيب عن مسجده في كل الأوقات وخصوصاً في رمضان فهي الحاجة الحقيقية للإمام، ووزارة الشؤون الإسلامية حريصة كل الحرص على هذا الأمر وتصدر التعاميم المتتابعة الناهية عن ترك المسجد في رمضان، ومن كانت لديه ظروف خاصة فوكّل من يرتضيه جماعة المسجد وأخذ الإذن من الجهات المتخصصة في الوزارة فقد أدى ماعليه. بعض الأئمة يقرأ نص وجه في صلاة التراويح، بحجة جلب أكبر عدد ممكن من المصلين، ما رأيك في ذلك؟ - أمور الفتوى لها أهلها، لكن الذي أعرفه أن الإنسان إذا صلى صلاة فأقام ركوعها وسجودها واطمأن فيها ولو قرأ قدراً يسيراً من القرآن فهو أعرف بحال جماعته، ولا أظن أن إماماً يفعل ذلك من أجل جلب الناس، ولكن قل ظروف الإمام الصحية قد لاتساعده على الإطالة، أو أراد مراعاة ظروف الناس، وإعانتهم على الصلاة، فربما كانوا عمالاً في سوق أو موظفين مرتبطين بأعمال، فأراد أن يخفف حتى يؤدي الناس الصلاة. ولله الحمد اختلاف التنوّع موجود ومساجد الرياض بحمد الله كثيرة وكل يقصد المسجد الذي يجد قلبه وخشوعه فيه. * ما منهجك في صلاة التراويح؟ أقرأ في كل يوم نصف جزء، بمعدل ثمن في كل تسليمة، وأصلي في ال20 الأولى 11 ركعة وفي ال10 الأواخر 13 ركعة، ونسأل الله العفو والقبول.