قيادة تنسج التحالفات    السعودية وقطر.. موقف موحّد أمام التحديات    مشروع الدولتين بين نيويورك والدوحة    الميركاتو الإنجليزي.. إنفاق قياسي وصفقات فلكية لهيمنة البريميرليغ على كرة القدم    ذوو الاحتياجات الخاصة.. اهتمام ودعم متواصل    ماذا ستفعل في يوم الدوام الأخير؟    الخريّف ووزير خارجية مصر يبحثان تعزيز الروابط الاقتصادية    الخلود يكسب ضمك بثنائية في دوري روشن للمحترفين    جلسات منتدى حوار الأمن والتاريخ... إرث راسخ ورؤية مستدامة للأمن والتنمية    "وزارة الرياضة" تطلق إستراتيجية دعم الأندية في عامها السابع    تصنيف فيفا للمنتخبات 2025.. الأخضر السعودي يحافظ على مركزه    هويلوند يملأ فراغ لوكاكو بينما يسعى نابولي لمواصلة بدايته المثالية    موقف نونيز من التواجد في الكلاسيكو    البديوي: مجلس التعاون منذ نشأته يعمل على مبدأ «أن أمن الخليج كُلٌ لا يتجزأ»    الاقتباس والإشارات الدينية في الحروب    هيئة الأدب والنشر والترجمة تستعد لتنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب 2025    ولي العهد يهنئ سوشيلا كاركي بمناسبة أدائها اليمين الدستورية رئيسةً للوزراء بشكل مؤقت في نيبال    جامعة الإمام تنظم ملتقى أبحاث التصميم الأول.. ومعرض يضم 20 مشروعًا بحثيًا مبتكرًاً    بر الشرقية تنظم ندوة إعلامية بعنوان: إعلام الوطن… أثر يتجاوز الرسالة    الأمير سعود بن طلال يرعى زواج 200 شاب وفتاة في الأحساء    وزير الشؤون الإسلامية يدشن ترجمتين جديدتين للقرآن الكريم    أمير الرياض يستقبل أعضاء هيئة كبار العلماء    تراجع الذهب مع ارتفاع الدولار وخفض أسعار الفائدة الأمريكي    9 وجهات و1200 منتج سياحي بانتظار الزوار في شتاء السعودية 2025    مجمع إرادة بالرياض يؤكد: السلامة النفسية للأطفال لا تقل أهمية عن السلامة الجسدية    ما مدى قوة الجيش السعودي بعد توقيع محمد بن سلمان اتفاق دفاع مع باكستا    نجاح عملية تفتيت تصلب الشرايين    أمير منطقة المدينة المنورة يرعى حفل تكريم الفائزين بجائزة جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز للتميز    ضبط 83 كجم قات و61 كجم حشيش    بدد أموال والده في «لعبة».. وانتحر    السعودية تطالب بوضع حد للنهج الإسرائيلي الإجرامي الدموي.. الاحتلال يوسع عملياته البرية داخل غزة    فرنسا: حملة تدميرية جائرة    الأردن: جريمة إبادة جماعية    13.1 مليار ريال تسوق أسبوع    فيلم «ظبية» يكشف كنوزاً أثرية سعودية    عسير تتصدر السياحة الثقافية    في بطولة آسيا 2.. النصر يدك شباك الاستقلال الطاجيكي بخماسية    «البلديات» تصدر اشتراطات مراكز«التشليح»    "سترونج إندبندنت وومن"    التشهير بشركة نظمت مسابقة تجارية دون ترخيص    العيسى والصباح يزفان عبدالحميد    زراعة «سن في عين» رجل تعيد له البصر    هيثم عباس يحصل على الزمالة    41 مليون عملية في أبشر خلال شهر    تدشين السوق الحرة في مطار المؤسس بمساحة 8 آلاف م2    أوقاف إبراهيم بن سعيدان تنظم ورشة عمل حول التحديات التي تحدثها المصارف الذرية في الأوقاف المشتركة    سارعي للمجد والعلياء    «إثراء» يحصد جائزة التواصل الحضاري    كنوز الجوف.. حضارة آلاف السنين    الجوال أبرز مسببات الحوادث المرورية    الخدمات الصحية في وزارة الدفاع تحصد وسام التميز بجودة البيانات    الأميرة سما بنت فيصل تُقيم مأدبة عشاء ثقافية لضيوف تدشين مشروعات رسل السلام    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطى ثابتة لمستقبل واعد    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من آداب السفر في الإسلام
نشر في الحياة يوم 10 - 09 - 2008

يرتبط مفهوم الإجازة بالسفر خارج البلد إلى أصقاع الأرض، إما هرباً من لهيب الصيف، أو بحثاً عن الاستجمام والمتع الروحية والنفسية، ويطلق عليه في هذا الأوان مصطلح"السياحة"، والسياحة معناها الذهاب في الأرض للعبادة، والنظر والتأمل في الأشياء التي خلقها الله سبحانه وتعالى، والتمتع بآثار قدرته جل وعلا، وبما خلق لعباده من سنن كونية كالوديان، والجبال، والصحاري، والغابات، وما تحتويه كل هذه الأشياء من علامات تدل على قدرة الله جل وعلا. ومنها سياحة تأمل الإنسان في كل ما يراه ويقع عليه بصره، وكل ما يلمسه أو يدركه بحواسه، وكل ما يسمعه ويستقبله بأذنيه، وكل ما يهز قلبه ويحرك وجدانه من مخلوقات، وربما لأغراض ترفيهية، وهي أغراض رئيسة بالنسبة للسائح نفسه، لأن السياحة تجيء بعد عمل"روتيني"ممل، فيخرج السائح من بؤرة الرتابة وينعتق من كثير من الكوابح والتقاليد، ولكن يتصور البعض أنهم في حل من الانضباط الديني والخلقي، سيما أن الأسباب مهيأة، في الكثير من بلدان السياحة.
علماء الأصول والمقاصد تكلموا عن السياحة من خلال الكلام عن بعض قواعدها وأصولها ومقاصدها التي اعتبرت إطاراً إسلامياً عاماً، ومستنداً دينياً إجمالياً، استمدت منه السياحة حكمها الفقهي التفصيلي. والسياحة في الشرع الإسلامي ينظر إليها من زوايا عدة، منها كونها نشاطاً إنسانياً أو فعلاً بشرياً ينبغي أن يتقيد بجملة التعاليم والأدلة الشرعية، وألا يفوت فيه واجباً دينياً أو دنيوياً، أو يكون طريقاً لارتكاب محظور أو مبغوض، أو يكون هو نفسه فعلاً محرماً ومحظوراً، وكونها مناسبة سنوية أو مدة زمنية يجدد فيها السائح نشاطه، ويزيل عن نفسه أعباء الأعمال وأتعاب الأشغال، ويهيئ لنفسه وأهله ضروباً من الترفيه والانتعاش والانبساط والسرور، الأمر الذي يبعث فيهم الحماسة ومعاودتها، والاتقان وملازمته... إن الترويح عن النفس أمر مطلوب لا بد منه، وعمل جدي ملتزم وإذا حصل أغراضه الشرعية، كتنشيط النفس وتجديد الحرص والإقبال على العمل والجد والمجاهدة. وللسفر آداب يجب الالتزام بها، منها: عدم ترك واجب ديني، كإقامة صلاة، وعدم الوقوع في المحرم، أو سلوك طريق يؤدي إليه، وعدم الإسراف في المباح، ومن ضروب ذلك الإسراف في النفقات والمصروفات، الأمر الذي يؤدي إلى إضاعة المال، وقد علم أن من مقاصد الشريعة حفظ المال وصونه من كل ضياع، وصرفه في مجالاته، وبمقاديره وشروطه، وعلى السائح أن يوازن بين مصالحه، فيقدم الأهم على المهم، كأن يقدم الانفاق لأجل الاقتيات والعيش على الانفاق من أجل السياحة والترفيه، وأن يقدم تسديد ديونه على تسديد مبالغ تذاكر الطائرات والفنادق.
قال الإمام الغزالي، وإنما سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن الأخلاق، ولذلك قال عمر"رضي الله عنه"للذي زكى عنده بعض الشهود: هل صحبته في السفر؟"لأنه الذي يستدل به على مكارم أخلاقه"، فقال: لا، فقال: ما أراك تعرفه، وكان بشر الحافي يقول: يا معشر القراء سيحوا تطيبوا، فإن الماء اذا ساح طاب، وإذا طال مقامه في موضع تغير، وبالجملة فإن النفس في الوطن مع مواتاة الأسباب لا تظهر خبائث أخلاقها لاستئناسها بما يوافق طبعها من المألوفات المعهودة، فإذا حملت وعثاء السفر، وصرفت عن مألوفاتها المعتادة، وامتحنت بمشاق الغربة، انكشفت غوائلها ووقع الوقوف على عيوبها، فيمكن الاشتغال بعلاجها.
ومن آداب السفر أن يختار المسافر رفيقاً صالحاً، فلا يخرج وحده، فالرفيق ثم الطريق، وليكن رفيقه ممن يعينه على الدين فيذكره إذا نسى ويعينه ويساعده إذا ذكر، فإن المرء على دين خليله، ولا يعرف الرجل إلا برفيقه قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
نهى رسول الله"صلى الله عليه وسلم"عن أن يسافر الرجل وحده، فقد أخرجه أحمد من حديث ابن عمر"رضي الله عنهما"بسند صحيح وهو عند البخاري بلفظ:"لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل وحده"، وقال"صلى الله عليه وسلم"الثلاثة نفر، وقال"صلى الله عليه وسلم"أيضاً:"إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم"... وإنما يحتاج إلى الأمير لأن الآراء تختلف في تعيين المنازل، والطرق، ومصالح السفر، ولا نظام إلا في الوحدة"وحدة الآراء وليس وحدة الفرد"، ولا فساد إلا في الكثرة"كثرة الآراء وليس كثرة الأفراد"، وإنما انتظم امر العالم لأن مدبر الكل واحد"ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"، وكلما كان المدبر واحداً انتظم أمر التدبير، وإذا كثر المدبرون فسدت الأمور في الحضر والسفر، فلهذا وجب التأمير ليجتمع شتات الآراء، ثم على الأمير ألا ينظر إلا لمصلحة القوم وأن يجعل نفسه وقاية لهم.
ومن آداب السفر توديع رفقاء الحضر، والأهل والأصدقاء، وليدع عند الوداع بدعاء رسول الله"صلى الله عليه وسلم"، قال بعضهم: صحبت عبدالله بن عمر"رضي الله عنهما"من مكة إلى المدينة - حرسهما الله - فلما أردت أن أفارقه شيعني وقال: سمعت رسول الله"صلى الله عليه وسلم"يقول: قال لقمان: إن الله تعالى إذا استودع شيئاً حفظه، وإني أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك، وقال"صلى الله عليه وسلم": إذا أراد أحدكم سفراً فليودع إخوانه، فإن الله تعالى جاعل له في دعائهم البركة، قال موسى بن وردان: أتيت أبا هريرة"رضي الله عنه"أودعه لسفر أردته، فقال: ألا أعلمك يا ابن أخي شيئاً علمنيه رسول الله"صلى الله عليه وسلم"عند الوداع فقلت: بلى، قال: قل أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
وحبذا لو يصلي المسافر قبل سفره صلاة الاستخارة، فقد روى أنس بن مالك"رضي الله عنه"أن رجلاً أتى النبي"صلى الله عليه وسلم"فقال: إني نذرت سفراً، وقد كتبت وصيتي، فإلى أي الثلاثة أدفعها؟ إلى ابني؟ أم أخي؟ أم أبي؟ فقال النبي"صلى الله عليه وسلم": ما استخلف عبد في أهله من خليفة أحب إلى الله من أربع ركعات يصليهن في بيته، إذ شد عليه ثياب سفره، يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، ثم يقول: اللهم إني أتقرب بهن إليك، فأخلفني بهن في أهلي ومالي، فهي خليفته في أهله وماله، وحرز حول داره حتى يرجع إلى أهله، وليدع المسافر بهذا الدعاء في كل منزل يرحل عنه، فإذا ركب الراحلة فليقل: باسم الله، وبالله، والله أكبر، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ماشاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون.
ومن آداب السفر الرحيل عن المنزل بكرة، فقد روى جابر أن النبي"صلى الله عليه وسلم"رحل يوم الخميس، وهو يريد تبوك. وقال"صلى الله عليه وسلم"اللهم بارك لأمتي في بكورها، ولا ينبغي للمسلم أن يسافر بعد طلوع الفجر من يوم الجمعة كي لا تفوته صلاة الجمعة، واليوم منسوب إليها فكان أوله من أسباب وجوبها. وينبغي للآيب من السفر أن يحمل لأهل بيته وأقاربه تحفة من مطعوم أو غيره على قدر إمكانه، فهو سنة، فقد روي في الأثر أنه إن لم يجد شيئاً فليضع في مخلاته حجراً، ولأن الأعين تمتد إلى القادم من السفر والقلوب تفرح به، فيتأكد الاستحباب في تأكيد فرحهم وإظهار التفات القلب في السفر إلى ذكرهم بما يستصحبه في الطريق لهم.
* باحث في الشؤون الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.