ينظر السفير السعودي في لبنان الدكتور عبدالعزيز خوجه من نافذة طائرته التي أقلته من لبنان"جسداً"وستبقيه روحاً. بين بيروت وخوجه قصة استثنائية، مزجت العشق مع السياسة بالثقافة، في معادلة كيماوية، لا يفك طلاسمها سواه. جاء إلى بيروت برتبة سفير، وترقى إلى أن أصبح سفيراً بالمرتبة الممتازة، ورسول سلام فوق العادة يتنقل بين الفرقاء اللبنانيين، بحثاً عن إجماع يجعل لبنان قادراً على أن يدير ظهره للخلاف، ويلتفت إلى مستقبله. يجسد الشاعر الدكتور عبدالعزيز خوجه العائد إلى البلاد، إثر تهديدات"جهات خارجية"باستهدافه، رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله الذي يسعى إلى أن يكون العالمان العربي والإسلامي خاليين من النزاعات والحرب، وأن يسودهما الحب والسلام. يتحرك خوجه محتفظاً بين جزيئات دمه بحماسة المحب للوئام، والساعي إلى احتواء كل الآراء، فاتحاً قلبه للحوار، وعقله لتقديم المشورة، ونقل حرص"ملك السلام"على ألا يشتعل فتيل الحرب من جديد، وأن يكون"الطائف"حاضراً في ضمائر اللبنانيين كافة. يسكب خوجه في كأس التجربة اللبنانية عقدين من الزمان، قضاها بين أنقرة وموسكو والرباط. شهد فيها تحولات سياسية غيرت وجه العالم، إذ كان شاهداً على انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم حط به طائر الديبلوماسية في بيروت التي"يعرفها جيداً"، مقدماً لها حصاد أعوام من العمل الديبلوماسي، والخبرة في الاتصالات، وإدارة العلاقات بين الدول والشعوب. في حرب تموز يوليو 2006 التي عصفت بلبنان، لم يختر"الديبلوماسي الرفيع"مكاناً قصياً عن"الأزمة"، بل اختار أن يكون واحداً من رجالها، وكان ينظر بعين إلى السياح السعوديين لضمان سلامتهم وجلائهم، وبعين أخرى إلى البلاد التي أُشعلت من حوله، ليجند كل طاقاته باقياً داخل دائرة خطر الحرب، بقلبه وعقله وسط المكتوين بلظى الحرب."الإطفائي"عبدالعزيز خوجه لم يوقف جهوده على الحرب، بل إن تحركاته طاولت الأصعدة كافة، وشملت كل الأطياف، لتقريب وجهات النظر، حاملاً هم جمع كلمة أبناء أغنى البلاد العربية علماً وثقافة. تعود تركيبة الدكتور خوجه إلى مسقط رأسه، مكةالمكرمة، التي رأى النور فيها عام 1942، وتلقى تعليمه على يد أبرز علمائها لينهل منهم العلم والحكمة والحنكة، حتى حصل على إجازة في العلوم الكيماوية، ثم الماجستير في الاختصاص نفسه، ليسافر إلى انكلترا، حيث حصل على الدكتوراه من جامعة برمنغهام، ليصبح من أوائل أساتذة الكيمياء السعوديين في عام 1970. تدرج خوجه في الحياة الأكاديمية حتى عُين بعد مدة قصيرة عميداً لكلية التربية في جامعة أم القرى. واختير وكيلاً لوزارة الإعلام. لم تخطف المهمات التي تولاها خوجه الشاعر المرهف الرابض في دخيلته، إذ ظل ينظم الشعر بغزارة، مقدماً للمكتبة الأدبية 11 ديواناً منها:"حنانيك"،"عذاب البوح"،"الصهيل الحزين"،"خبايا الوجد"، و"إلى من أهواه". يعود الشاعر والتربوي والكيماوي والديبلوماسي خوجه إلى وطنه"مكرهاً"، بعد أن دخل دائرة تهديدات الجهات"الخارجية"، وفي داخله"هم"و?"عشق"للبنان من أجل لبنان، الذي أخلص له الحب. ولا شك في أنه يتمنى في قرارة نفسه أن تنقشع الغيوم، ليعود إلى مكتبه ودارته في بيروت، مردداً في إصرار ما قاله باولوا كويلهو على لسان أحد أبطاله: إذا رغبت في شيء فإن العالم كله يطاوعك لتحقيق حلمك". وأي حلم سكن عقل السفير الشاعر سوى الوئام في لبنان، وعودة لبنان إلى دوره قبلة للعرب والسياحة والديبلوماسية والتواصل بين شعوب العالم.