في قلب نجاح أو فشل أي مؤسسة، لا تكمن أحدث التقنيات أو الاستراتيجيات التسويقية فقط، بل تكمن في ذلك الكيان المعقد والحيوي المسمى (بيئة العمل) إنها النسيج الاجتماعي والنفسي الذي يحيط بالموظفين، ويشكل سلوكهم، ويحدد مستوى أدائهم، ويؤثر بشكل مباشر على رحلتهم المهنية وحتى صحتهم النفسية والوجدانية والإنتاجية.. وشتان بين سمات البيئة العملية الإيجابية المزهرة، والبيئة السلبية المسمومة..!! ومعروف أن بيئة العمل الإيجابية ليست مجرد مكان به مكافآت مالية جيدة أو مقاعد مريحة. إنها نظام متكامل قائم على مجموعة من القيم والثقة والاحترام المتبادل والممارسات التي تضع الإنسان في المركز. هنا، يشعر كل فرد بأنه ذو قيمة، بغض النظر عن منصبه ومكانته الوظيفية. حيث إن الإدارة تثق في فريقها، وتفوض الصلاحيات، وتشجع على الاستقلالية. النقد يكون بناءً ويركز على التطوير، وليس على التجريح الشخصي. الحوار مفتوح، والآراء المختلفة مرحب بها. المؤسسة تستثمر في رأس مالها البشري. توفر برامج تدريبية، وتشجع على الحصول على شهادات، وتوفر مسارات وظيفية واضحة للتقدم. الأخطاء تُرى كفرص للتعلم، وليس كجرائم تستدعي العقاب.!! الجهد والإنجاز يُلاحظان ويُقدّران، سواء كان ذلك بكلمة شكر علنية، أو مكافأة مالية، أو حتى ترقية. الشعور بالإنصاف يسيطر، حيث يتم تقييم الأداء بشكل عادل وموضوعي. تفهم الإدارة أن الموظف السعيد والمستقر نفسيًا هو الأكثر إنتاجية. تشجع على أخذ الإجازات، وتحترم أوقات العمل، وتقدم مرونة عندما يكون ذلك ممكنًا. ثقافة "البقاء حتى منتصف الليل" ليست مصدر فخر. النتيجة..؟! إنتاجية عالية، إبداع متدفق، ولاء وظيفي قوي، تقليل في معدل دوران الموظفين، وشعور عام بالرفاهية والانتماء. وفي المقابل نجد أن بيئة العمل السلبية تشبه المستنقع الذي يستهلك طاقة الأفراد ويقتل روح الإبداع بداخله. هي بيئة تسودها الخوف والشكوك والإحباط والانسحاب السلبي خاصة حين تكون القيادة الإدارية سامة بقراراتها الفوضوية ونرجسية في ممارساتها. ففي علم الإدارة نجد أن المدير "الديكتاتور" لا يقبل الرأي الآخر، ويتخذ القرارات منعزلاً. التهديد والعقاب هما أداتا التحفيز الوحيدتان. الغياب شبه الكامل للثقة. بل يتسبب في فقدان المنظمة الإدارية للكفاءات البارزة والمنتجة. ولذلك نجد أن البيئة السلبية في العمل عنوانها. المعلومات تُحتكر، تفشي المحسوبية مما يخلق فراغًا يملؤه الموظفون بالتخمينات والشائعات. الاجتماعات شكلية، ولا صوت حقيقي للفريق. الجميع يتحدث في الكواليس خوفًا من المواجهة. إلى جانب التركيز دائمًا على الأخطاء، دون تقديم حلول. ثقافة "البحث عن كبش فداء" سائدة. الموظف يعيش في حالة خوف دائمة من الوقوع في الخطأ، مما يقتل أي محاولة للمبادرة أو الإبداع. وبالتالي إشاعة أجواء غير صحية في بيئة العمل مما يخلق شعورًا عميقًا بالمظلومية والإحباط. وأخيراً.. بيئة العمل ليست أمرًا ثانويًا؛ إنها الرحم الذي تنمو فيه المواهب أو تذبل. إنها الخيار الاستراتيجي الذي يميز بين مؤسسة تسبق عصرها وأخرى تتقهقر إلى الوراء. الاستثمار في بناء بيئة عمل إيجابية ليس تكلفة، بل هو أنقى أشكال الاستثمار الربح. فهو استثمار في الإنسان، الذي هو في النهاية محرك أي نجاح، وأغلى موارد المؤسسة على الإطلاق. اختر أن تبني، لا أن تهدم كمسؤول في بيئة عملك!