اطلعت على تعقيبي بدر الجويد ومحمد السعيد في صحيفتكم، العددان 16084 و16095، وغاية أمرهما تجويز شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة من أماكن العبادات والمزارات والقبور ونحوها، مع أنهما خلطا بين أمرين: أ شد الرحال للقبور ب الزيارة للقبور. فمن السنة زيارة المقابر والدعاء لأصحابها وأخذ العظة، فتجوز زيارة المقبرة لمن هو في بلدها ولم يسافر لأجلها فالزيارة لمن في المدينةالمنورة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ولأهل البقيع والشهداء، سنة لمن كان من سكان المدينة او قدم لأجل المسجد النبوي فتكون الزيارة تبعاً لذلك. كما أن المطلع على كلامهما يدرك عدم موضوعية في النقل، فقط يأخذ ما يوافق رأيه ويدع ما لا يوافقه، فالسعيد نقل عن القاضي عياض رحمه الله شيئاً، وهو يمنع شد الرحال للمقبرة وقبر النبي صلى الله عليه وسلم موافقاً للسنة وذكر عنه تجويز ذلك، فمن الموضوعية نقل كلامه. - إن أقوال الرجال مهما علوا لا يقدمون على النبي صلى الله عليه وسلم أبداً، فكيف يا بدر ومحمد تحتجان علي بأقوالهم وتخالفون بهما قول النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الحجة في القرآن والسنة وهما يحكمان على الدنيا وما فيها، وليس الناس بأقوالهم وأعمالهم تحكم على الشريعة، إذن كيف تجوز لمسلم متبع للسنة أن يخالف النبي صلى الله عليه وسلم ويتبع الرجال مع جلالة قدرهم، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه أجاز شد الرحال لغير المساجد الثلاثة، وهم مع ذلك حريصون على سد كل باب وطريق يوصل للشرك أو البدع، فأنىّ لك يا السعيد بصحة قصة بلال رضي الله عنه؟ إن الكاتب بدر ويظهر انه ليس من أهل المدينة عد مسجد قباء والذهاب إليه سفراً، وهو أصلاً ليس بسفر ولا تقصر فيه الصلاة، لأنه من المدينة أصلاً وفي حدودها، وكيف يجوز القراءة على روح الميت؟ أم هي عادة استحسنها مع عدم ورودها في السنة أصلاً، وهل يا بدر للحديث عندك ظاهر وباطن؟ أم هل تعلم ان السلف الصالح لا يأخذون إلا بظاهر الحديث، فإن مقولة أن للدين ظاهراً وباطناً، هي لأهل الضلال وحاشاك أن تكون منهم. كما أن بدر جاءه خلط في فهمه للنص، فلو نوى السفر للقبور ولا يريد المسجد، فهذا جائز عند بدر، لكن لو نوى مسجداً فلا يجوز عنده إلا للثلاثة لأنها محل طواف وصلاة واعتكاف.. الخ، وليعلم من كان بالمدينة أو قدم لأجل المسجد سن له زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما وأهل البقيع رضي الله عنهم والشهداء رضي الله عنهم، أما السفر لأجل ذلك فمنهي عنه. ولذا أقول للكاتبين "بدر والسعيد" كُفا عن الخلط بين السفر وشد الرحل وبين سنية الزيارة، ولا تحملا كلامي ما لا يحتمل ولا تكونا مولعين بالجدل العقيم. فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، المنع من شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، فمنعوا من السفر للقبور والمشاهد، ثم ذكر فتوى لإمام المدينة مالك، رحمه الله، أنه سُئل عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالك: إن كان أراد القبر فلا يأته، وإن أراد المسجد فليأته، ثم ذكر الحديث "لا تشد الرحال الرحال..." ذكره القاضي إسماعيل في مبسوطة. - وأما العالم ابن باز، رحمه لله، فقال "وأما شد الرحال لزيارة القبور فلا يجوز، وذكر الحديث مستدلاً به وقال "وإذا زار المسلم المسجد النبوي دخل في ذلك على سبيل التبعية زيارة قبر النبي وقبر صاحبيه وقبور الشهداء وأهل البقيع رضوان الله عليهم جميعاً، وزيارة مسجد قباء، كل ذلك من غير شد رحل لهم بل تبع لزيارة المسجد النبوي، وكذا من هو ساكن بالمدينة تسن له زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وأهل البقيع والشهداء رضوان الله عليهم ومسجد قباء، أما شد الرحل من بعيد لأجل الزيارة للقبور فلا يجوز". - أما العالم محمد بن عثيمين، رحمه الله، فقال "المقصود بهذا انه لا تشد الرحال إلى أي مكان في الأرض لقصد العبادة بهذا الشد، لأن الأمكنة التي تخصص بشد الرحل هي المساجد الثلاثة فقط، وما عداها من الأمكنة لا تشد إليها الرحال، فقبر النبي صلى الله عليه وسلم لا تشد إليه الرحال، وإنما تشد الرحال لمسجده، فإذا وصل المسجد فإن الرجال يُسن لهم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النساء فلا يُسن لهن". إبراهيم المزروع التميمي - الرياض