يؤكد رواد البحر الأحمر من البحارة والغواصين والصيادين أن هذا البحر ليس كغيره من البحار، فله طبيعة مختلفة بعض الشيء، فيحدث أن ينقلب في غمضة عين من حال الهدوء والسكون التام إلى"وحش مزمجر"، ناهيك عن كثرة التيارات البحرية فيه, وتغير مواقع الشعب المرجانية الضخمة، ما قد يؤثر في المسالك البحرية التي يرتادها هؤلاء. وتعتبر المناطق البحرية المحيطة بمحافظة جدة والقريبة منها ذات حركة بحرية كثيفة، سواء على مستوى البواخر والسفن الكبيرة ناقلة الركاب والبضائع, وحتى القوارب الصغيرة التي يستخدمها الصيادون، التي لا تتجاوز في العادة السبعة أمتار طولاً ، وكذلك قوارب النزهة التي يستخدمها عشاق الغوص، ويفضلها الراغبون في استنشاق الهواء النقي المنعش، خصوصاً وأن البحر الأحمر يعتبر من أجمل مناطق الغطس على مستوى العالم، بما يحويه من بيئة مرجانية رائعة وخلابة. وتضم المنطقة البحرية القريبة من المحافظة عدداً من الجزر الصغيرة التي عادة ما يؤمها الصيادون والمتنزهون، وأشهرها جزيرة"أم الحمام"القريبة من منطقة أبحر، ومجموعة من الجزر الأخرى الصغيرة والكسارات، التي تعد مرتعاً خصبا لبعض نوعيات الأسماك القشرية، وهي أسماك باهظة الثمن. يقول العم علي الظاهري أحد قدماء صيادي جدة إن الصيد أصبح مختلفاً عما كان عليه في السابق بالنسبة للصيادين، فقديماً كانت الحوادث كثيرة ومأسوية بعض الشيء، ولكن اليوم مع التطورات على الأصعدة كافة أصبح أمر الصيد أبسط وأيسر. وأضاف قائلاً:"لعل ضياع الصياد في البر أمر أكثر احتمالاً من حدوثه منه في البحر، خصوصاً في ظل وجود الدوريات المنتظمة من طرف سلاح الحدود، إضافة إلى توافر الأجهزة الحديثة التي تجعل القارب متواصلاً مع البر في كل حين". هذا الأمر يؤكده المهندس هشام عبدالفتاح المدير التجاري لإحدى الشركات البحرية وصاحب الخبرة الطويلة في البحر, إذ يقول إن مشكلة الصيادين الأساسية في السعودية هي تمسكهم بالعمل على أساس الخبرة فقط، ولا يوجد لديهم أي اهتمام بالوسائل التقنية الحديثة، أو بالتوجيهات التي يصدرها سلاح الحدود وخفر السواحل. مشيراً إلى أن هذه التوجيهات تصب أساساً في مصلحة الصيادين أنفسهم، إلا أن طبيعة عمل هؤلاء الصيادين وحياتهم أوجدت لديهم نوعاً من المكابرة والاعتداد بالرأي. ويشير عبدالفتاح إلى أنه على رغم توافر الأجهزة الحديثة مثل GBS التي تحدد المواقع، إلا أن الصيادين لا يستخدمونها، مع إن استخدامها يوفر لهم أماناً أكبر في الوصول إلى المناطق التي يرغبون بالاصطياد فيها، علاوة على أن غالبية القوارب الصغيرة والمستخدمة في الصيد"السنابيك"لا تتوافر عليها أجهزة لاسلكي، ولو حدث أي مكروه فلا يمكن للصياد الاتصال والإبلاغ عن موقعه. ويؤكد على أن رجال سلاح الحدود باتوا يمتلكون خبرة كبيرة ودراية واسعة للتصرف عند وصول أي استغاثة، وحتى عندما تكون الأجواء مؤهلة لوقوع أية حوادث, أما بالنسبة للقوارب الكبيرة أو الأبوات فإنها ملزمة بوجود جميع الأجهزة الضرورية على متنها. وقال المهندس عبدالفتاح:"من آخر الحوادث التي وقعت قبل فترة قصيرة، وبينت حصافة رجال سلاح الحدود، خروج ثلاثة شبان لممارسة رياضة الغطس، إلا أن استعمالهم لأدوات غير أصلية كان سبباً وراء انقطاع حبال البوت، وانجرافه بعيداً عن مكانهم، وعثر رجال حرس الحدود عليهم بعد أقل من 36 ساعة من البحث، وتمكنوا من تحديد مكان الغواصين وانتشالهم بعد فقدهم الأمل في النجاة". وأضاف:"من القصص الحديثة أيضاً ما حدث لنا قبل فترة في إحدى رحلاتنا للصيد في منطقة تسمى"أبو فرامش"، وهي منطقة غير بعيدة من شاطئ جدة، وتعتبر مثالية للصيد بالشباك والسنارات، ومن دون أي توقع مسبق هبت الريح التي يسميها البحارة"الأزية"، وهي ريح معاكسة تتسبب دائماً بارتفاع الأمواج وتقلب الجو، ومع أننا كنا نستطيع رؤية أنوار مدينة جدة من المنطقة التي كنا فيها، إلا أن الأنوار اختفت". ويستطرد في رواية فصول الحادثة:"مع أننا ستة بحارة متمرسين، والبعض منا يمتلك خبرة تزيد على 20 سنة في البحر، إلا أن القلق بدأ يدب فينا مع حركتنا وعدم رؤية أنوار المدينة, وفي تلك اللحظة عرفت قيمة الأجهزة في القارب، وكم تمنيت لو كان السنبوك مزوداً بها، واستمر ضياعنا الليل بأكملة إلى النهار الذي يليه إلى أن اهتدينا ظهراً إلى العودة إلى جدة". أما إبراهيم مسعود وهو أحد العاملين في"بنقلة جدة"فتحدث عن تغير عادات الصيادين في رمضان ومواعيد خروجهم وعودتهم، إذ أن موعد الحراج تغير ليصبح بعد صلاة الظهر، بعد أن كان ينعقد بعد صلاة الفجر، وهو موعد دخول غالبية الصيادين بحصيلتهم من الأسماك. وعن فترة بقاء الصيادين في البحر، قال مسعود:"هذا الأمر مرتبط بحجم القارب وطوله، وكذلك عدد الأشخاص على متنه، فالبعض يقضي يوماً، وآخرون أسبوعاً كاملاً أو حتى عشرة أيام, ودائماً ما تحتوي قوارب هؤلاء الصيادين على جميع التجهيزات المطلوبة، وحتى الثلاجات أو حافظات الثلج لتخزين الأسماك".