أدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز صلاة الجمعة أمس مع جموع المصلين في المسجد الحرام. وأمّ المصلين إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، الذي أوصى في مستهل خطبته المسلمين بتقوى الله. وقال إن من كريم سجايا المسلم وجميل خصاله وشريف صفاته، كمال سعيه في طلب الحق وشدة حرصه على الإذعان له ونصرة من رده، ابتغاء وجه ربه الأعلى وأملاً في بلوغ رضوانه وازدلافاً إليه رغباً ورهباً محبة و شوقاً، وحذراً من التردي في وهدة الكبر المهلك الذي بيّن واقعه وأوضح حقيقته رسول الهدى صلى الله عليه و سلم بقوله:"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً. فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"ان الله جميل يحب الجمال... الكبر بطر الحق وغمط الناس". وبين الدكتور خياط ان بطر الحق هو رده ودفعه وعدم القبول به، وغمط الناس هو احتقارهم والترفع عليهم بكل أنواع الترفع القولية والعملية، وقد كان رد الحق تكذيباً به وكراهة له وإعراضاً عنه ديدن الأمم السابقة، التي حاق بها العذاب وجاءهم بأس الله ونزل بساحتهم، فكان ما أصابهم عبرة للمعتبرين وذكرى للذاكرين، كما قال سبحانه:"وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين". وقال عزّ اسمه:"لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون". أما أهل الإيمان والتقوى فإن من اظهر صفاتهم القبول بالحق والاحتفاء به والانقياد له والدعوة إليه، ولذا فهم أعقل الخلق وأحكم الناس وأبصر العباد بأسباب السعادة وأبواب الظفر وأسرار التوفيق، لان الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها، ولان في التجافي عن رد الحق سلامة من مشاركة الضالين المكذبين بآيات الله عز وجل ورسله، وتراهم من اجل ذلك وطنوا أنفسهم على قبول الحق ممن اجري على لسانه، لا يستثنون صبياً أو جاهلاً أو عدواً، كما قرره القاضي عياض وغيره من أهل العلم، بل ان من كريم مناقبهم و حلو شمائلهم ان احدهم إذا ناظر غيره أو ناقشه دعا له بظهر الغيب ان يثبت ويسدد ويوفق للصواب، وان يظهر الله الحق على لسانه، ومن ذلك قول الإمام الشافعي: ما ناظرت أحداً إلا أحببت ان يظهر الله الحق على لسانه. فهو يترفق بأخيه غاية الترفق، ويغض من صوته ويحفظ لسانه ويده، فلا يقدح في دينه ولا ينال من عرضه ولا يؤذيه بأي جارحة من جوارحه، مستحضراً في ذلك قول نبي الرحمة والهدى صلى الله عليه وسلم، في الحديث عن عبدالله بن مسعود انه - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"ومستحضراً ايضاً قوله عليه الصلاة والسلام:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"وهو يكف عن المناقشة ويمسك عن الجدال إذا لم ترج منه فائدة، بل خشي الضرر بثورة الخصومة المفضية إلى البغضاء، مستحضراً قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل. وفي رواية، وسلبوا العمل". وقال امام وخطيب المسجد الحرام:"وبالجملة فإن إخلاص النية وسلامة القصد في كون الوصول إلى الحق هو الغاية، وان الحذر من الانتصار للنفس وطلب العلو وإظهار الفضل والتقدم، مع الحرص على كمال الشفقة على الخلق وتمام الرحمة بهم وإرادة الخير لهم، كل أولئك مما لا غنى عنه لطلاب الحق ودعاة الهدى، والسعاة إلى الخير المبتغين الوسيلة إلى ربهم بتوحيده وذكره وشكره وحسن عبادته، والنزول على حكمه، وصدق الله إذ يقول:"تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين". وأضاف:"كتب بعض أهل السلف إلى أخ له يستنصحه ويستشيره في أمر نزل به، فكتب إليه قائلاً:"أما بعد، فإذا كان الله معك فممن تخاف، وإذا كان عليك فمن ترجو؟! والسلام". وإنها يا عباد الله لموعظة بليغة ونصيحة عظيمة وكلام مضيء وبيان صادق، فمعية الله لعبده هي المعية التي لا تعدلها معية، فلا حاجة به إلى معية سواها، غير أن هذه المعية الخاصة بالرعاية والحفظ والتأييد والنصر قد بيّن الله مستحقها في قوله عز اسمه:"إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون". وأدى الصلاة مع خادم الحرمين الشريفين نائب رئيس الحرس الوطني الأمير بدر بن عبدالعزيز، وأمير منطقة مكةالمكرمة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، والأمراء وعدد من المسؤولين.