يطيب لي في شهر المغفرة والتوبة ان اهنئ كل مسلم على وجه المعمورة بهذا الشهر الكريم متضرعاً لله عزوجل ان يعينهم على صيامه وقيامه وان يجعلهم من عتقائه من النار، وفي هذه المناسبة يطيب لي ان استعرض عادة سيئة بدأت تنتشر في مجتمعنا كالهشيم في النار وهي عادة الكذب وأصبحنا نعدد اسماءه ونقول كذباً ابيض وكذباً غير ذلك، وهذه مجاهرة بالفحشاء، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل يزني المسلم؟ قال نعم، وسئل هل يسرق المسلم؟ قال: نعم، وسئل هل يشرب المسلم الخمر؟ قال: نعم، وسئل هل يكذب المسلم؟ فقال: لا". وفي هذا الزمان وللأسف الشديد انتشرت لدينا ثقافة الكذب على الاصعدة كافة فالمسؤول يكذب والموظف يكذب ورب البيت يكذب والأم تكذب والاولاد والبنات كذلك، بل ان بعض اولياء الامور يعلم اولاده الكذب وكذلك المدرس يعلم طلابه الكذب والاجدى بالمربي والمسؤول والقاضي والامام والوالد والوالدة ان يكونوا مثالاً يقتدى به. عشت فترة من الزمن في بلاد غير اسلامية خمس سنوات ولم تمر علي طوال تلك الفترة ان سمعت ان احداً يكذب، ولكن للاسف الشديد ونحن في هذه الارض المباركة ومهبط الرسالة كم هائل من الكذب أسمعه وأشاهده كل ثانية ودقيقة، ومن جميع الطبقات والاعمار والمراكز والوظيفة. يفترض ان نكون قدوة لغيرنا من المسلمين في تحريم الكذب بيننا فالملاحظ لدينا في البيع والشراء والتقاضي والشكاوى كل يبارز الآخر في قول الكذب والزور، بل يصل الحد الى الحلف بالشهادة كذباً لأمر ما. ان هذه العادة هي سبب كثير من المشكلات التي نمر بها فلو حرمنا هذه العادة على انفسنا لأخذ كل صاحب حق حقه وعمت الطمأنينة بين الناس وعادت الثقة بين افراد المجتمع واندثر كثير من الامراض النفسية التي نعاني منها واختفت البغضاء وولى الحقد الى غير رجعة. إنني أشعر بالاحباط والحسرة وانا ارى ممن يفترض صلاحه ويمارس عادة الكذب وعلى مرأى من الجميع والمفروض ان يحاسب الانسان نفسه قبل ان يحاسبه الله يوم القيامة فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الذنب هو ما حاك في نفسك وكرهت ان يطلع عليه الناس. سئل الحسن البصري يرحمه الله: ما سر زهدك في الدنيا يا امام، فقال اربعة اشياء: - علمت ان رزقي لا يأخذه أحد غيري فاطمأن قلبي. - علمت ان عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به وحدي. - علمت ان الله مطلع علي فاستحييت ان يراني على معصية. - علمت ان الموت ينتظرني فاعددت الزاد للقاء ربي. فلو تمعن كل منا في ما قاله البصري واتكل على الله حق اتكاله وتحرى الصدق لعاش قرير العين بعيداً عن ثقافة الكذب التي تهدد مجتمعنا. انها فرصة لكل مسلم ان يبدأ في هذا الشهر الكريم تحريم الكذب على نفسه وتثقيف من حوله بأن الكذب ينفي عنه الاسلام كما اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم. الكذب لا يجلب الا الدمار والامراض النفسية والقلق وعذاب الضمير والامراض النفسية، تخيل اخي المسلم انك أكلت حق اخيك المسلم بالكذب او اخذت مال غيرك بالكذب او حكم لك القاضي بشهادة كذب... هل سيقبل صومك؟ طبعاً لا إلا ان تتوب الى الله وتعيد الحقوق الى اصحابها. كم من بيوت هدمت بسبب الكذب وكم من أُسَر تشتت بسببه وكم من اصدقاء وأقارب دبت العداوة بينهم بسبب الكذب، درجة الاحسان هي ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهذه الدرجة هي وصول المسلم الى القناعة التامة بأن الله يراقبه في كل جزء من الثانية وما عمل من عمل الا لديه رقيب. دعوة في هذا الشهر الكريم الى كل مسلم ان يبدأ بتطهير نفسه من هذا الداء الذي بدأ كثيراً من الناس يتهاونون فيه ويسمونه بغير اسمه الحقيقي، وهذا سبب كثيراً من مشكلاتنا... فهل أعلنا في هذا الشهر الكريم صغاراً وكباراً رجالاً ونساءاً حملة"لا للكذب في رمضان وغيره"، تقبل الله صيامنا وصيامكم والى الملتقى. مخلف الشمري - الخبر