تعزيز الشراكة لحماية البيئة    الإجتماع السنوي لمجموعة البنك الإسلامي لرؤية ٢٠٣٠    مطار الملك خالد الدولي يستقبل أولى رحلات خطوط شرق الصين الجوية القادمة من شنغهاي    المملكة تجدد دعوتها للسودانيين للالتزام بمخرجات محادثة جدة    الاتحاد ضد الهلال.. تاريخية "الزعيم" تهدد عنفوان "العميد"    قائد الجيش الأوكراني يحذر من الضغط على الخطوط الأمامية    "تاسي" يتراجع بأدنى تداولات منذ شهرين    ولي العهد وأمير الكويت يستعرضان أوجه العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزيرة خارجية المكسيك    ولي العهد يلتقي رئيس مجلس الوزراء العراقي    الاتفاق يفتح ملف الفيحاء    حتى لا نفقد هيبة الأخضر في آسيا    معالي الرئيس العام يشارك في "المؤتمر الدولي لدور الجامعات في تعزيز قيم الانتماء الوطني والتعايش السلمي"    حفلات فنان العرب مؤجله حتى إشعار آخر    رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: السعودية شهدت تطورا يعكس طموحها الاقتصادي    الرياض تستضيف مباحثات عربية إسلامية أوروبية حول غزة    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    منتدى الرعاية الصحية السعودي الأمريكي يحتفي بالابتكار والتعاون في تكنولوجيا الرعاية الصحية    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية النرويج    وقاء الباحة" يبدأ حملة التحصين لأكثر من 350 ألف رأس ماشية ضد مرض الحمى القلاعية لعام 2024م    أشباح رقمية    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن فيصل بن معمر    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    مؤتمر أورام الكبد يختتم فعالياته بالخبر بتوصياتً هامة    وكيل محافظة الزلفي يدشّن فعاليات أسبوع البيئة    صدور الموافقة السامية علي تكليف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد العزيز التميم رئيساً لجامعة الأمير سطام    رسمياً.. الزي الوطني إلزامي لموظفي الجهات الحكومية    ساعة أغنى رُكاب "تيتانيك" ب1.46 مليون دولار    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    270 دقيقة.. ويهتف «الشقردية»: نحن الأبطال    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    وصمة عار حضارية    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    انطلاق بطولة الروبوت العربية    تجربة سعودية نوعية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الخمسين لضربه سكوبيه . كيف استغلت يوغوسلافيا زلزالا للتخلص من معالم تاريخية اسلامية ؟
نشر في الحياة يوم 04 - 01 - 2014

في القرن العشرين تصدّرت سكوبيه الاخبار أربع مرات على الاقل. ففي 1912 كانت عاصمة للولاية العثمانية قوصوه كوسوفا التي دخلتها قوات الانتفاضة الالبانية في تموز يوليو من ذلك العام لترغم الحكومة العثمانية على منح الالبان نوعاً من الحكم الذاتي، وجاءت الحرب البلقانية في تشرين الاول 1912 لتقضي على الحكم العثماني ومشروع الحكم الذاتي للالبان وتنهي حقبة مجيدة من تاريخ سكوبيه كانت فيها واحدة من أهم مراكز الحضارة الاسلامية في البلقان خلال 500 سنة ونيف من الحكم العثماني. وفي 1945 أصبحت سكوبيه عاصمة ل"جمهورية مكدونيا" ضمن"يوغوسلافيا الفيديرالية"، ثم اشتهرت في العالم في 26 تموز 1963 عندما ضربها زلزال مدمر بقوة 6,9 على مقياس ريختر وأدى الى تدمير أكثر من نصف المدينة فانهالت عليها المساعدات من العالم، وتحولت أخيراً في ايلول سبتمبر 1991 عاصمة ل"جمهورية مكدونيا"المستقلة عن يوغوسلافيا دون حروب.
وفي الذكرى الخمسين للزلزال المدمر الذي ضرب سكوبيه صدر كتاب"50 سنة على زلزال سكوبيه"سكوبيه 2013 للمؤرخين كريم ليتا واسكندر حساني الذي يضم وثائق تنشر لاول مرة وتفضح بشكل صادم أجهزة الدولة التي استغلت الدمار الذي حدث في سكوبيه لتتخلص من الوجود التاريخي المسلم أو لتقلص هذا الوجود الى الحد الادنى لتبرز في المكان نفسه عاصمة جديدة لا علاقة لها بالماضي الحضاري للمسلمين الذي امتد اكثر من 500 سنة .
كان العثمانيون قد احتلوا سكوبيه عام 1392م أي بعد حوالى خمسين سنة من اتخاذ الملك الصربي دوشان لها عاصمة لامبراطوريته حيث توج فيها عام 1348 بلقب"امبراطور الصرب والبلغار واليونان والالبان". ولكن سكوبيه أو اسكوب كما اصبحت تعرف الان سرعان ما حظيت باهتمام العثمانيين وبنيت فيها سلسلة من المنشآت الدينية والتعليمية والتجارية جوامع ومدارس وحمامات وخانات واسواق الخ... جعلتها من أهم مراكز الحضارة العثمانية في البلقان قبل فتح القسطنطينية 1453. ويكفي أن نفتح كتاب"كشف الظنون"لنرى كم لدينا من العلماء الذين اشتهروا بلقب"الاسكوبي"في مختلف المجالات. ومع التغيرات الادارية في السنوات الاخيرة للحكم العثماني أصبحت سكوبيه في 1888 عاصمة لولاية قوصوه كوسوفا التي كانت تضم الالبان والصرب والبلغار والاتراك واليهود وغيرهم، وبقي الطابع العثماني/الاسلامي طاغياً عليها حتى 1912 حين احتلت صربيا مكدونيا وكوسوفا وأطلقت عليهما"صربيا الجنوبية".
وقد تعرضت سكوبيه لموجة قوية من التصريب بعد أن غدت صربيا قلب يوغوسلافيا الملكية 1918-1941 ، حيث شملت هذه الموجة تدمير بعض المنشآت الحضارية التي ترمز للماضي العثماني مثل"جامع بورمالي"بني عام 900ه/1495م وتشجيع الصرب من صربيا والبوسنة والجبل الاسود على القدوم والاستيطان في المدينة ودفع المسلمين في المقابل للهجرة الى تركيا، ما أدى الى تناقص تدريجي في حجم الوجود المسلم في المدينة وضواحيها. إلا أن التحدى الاكبر الذي واجهه الوجود المسلم في المدينة جاء بعد أن أصبحت عاصمة"جمهورية مكدونيا"خلال حكم الحزب الشيوعي 1945.
وبحسب الوثائق التي تضمنها كتاب"خمسون سنة على زلزال سكوبيه"فقد عملت السلطات الجديدة على تعزيز وجود"قومية مكدونية"جديدة بهوية ارثوذكسية، مع احتجاج بلغاريا واليونان على ذلك، وتحجيم الوجود الالباني المسلم بواسطة تضخيم الوجود التركي فيها لهدف تكتيكي سيتضح لاحقاً.
وكشف الاحصاء الاول 1948 لسكان المدينة عن وجود 60 في المئة من"المكدونيين"وحوالى 16 في المئة من"الاتراك"وحوالى 10 في المئة من الالبان. الهدف من ذلك كشفته الوثائق الرسمية في الكتاب التي أشارت الى تفاهم مع تركيا لتهجير أكبر عدد من المسلمين من سكوبيه و"جمهورية مكدونيا"، مع اشتراط تركيا ان يتقدم الراغبون بالهجرة الى قنصليتها في سكوبيه بما يدل على كونهم من"الاتراك". وهكذا فقد تسارعت هجرة"الاتراك"من سكوبيه وجوارها خلال خمسينات القرن العشرين حتى كاد المسلمون يتحولون الى أقلية.
وبعد هذه"الجريمة السياسية"، جاء زلزال سكوبيه لتقوم السلطات ب"جريمة عمرانية"تقوم فيها بحجة الزلزال من التخلص من سكوبيه العثمانية بما فيها من منشآت حضارية تاريخية وتغيير الطابع السكاني والعمراني للمدينة بأقصى سرعة ممكنة كما تكشف عن ذلك الوثائق المنشورة في الكتاب المذكور.
وهكذا فقد مسح عن وجه الارض كل ما بقي من سكوبيه العثمانية في الضفة اليمنى لنهر فردار الذي يخترق المدينة وبنيت هناك كبريات المنشآت الجديدة جامعة سكوبيه ومبنى التلفزيون ومركز الوثائق والمحكمة العليا والمتحف القومي الخ.... وأثار هذا"الانجاز"، كما تقرّ بذلك إحدى الوثائق المنشورة في الكتاب، الروح الشوفينية التي أصبحت تعبّر عن نفسها بالقول:"آن الاوان لتطهير كل الضفة اليسرى بالبلدوزرات حتى يسهل ذلك هجرة الالبان والاتراك من هناك". أما على أرض الواقع فقد أقيمت في الضفة اليمنى الكثير من العمارات السكنية الحديثة واستقدم للسكن فيها سلاف مكدونيا من المناطق المختلفة لتاكيد الطابع"المكدوني"للعاصمة في الوقت الذي تُرك الالبان والاتراك المسلمون في الضفة اليسرى من دون مساعدة تذكر بين الانقاض حتى ييأسوا ويهاجروا من المدينة .
ومن ناحية اخرى تعترف وثيقة صادرة في 1964 عن"اللجنة الجمهورية للشؤون الدينية"أن الزلزال أدى الى تدمير 30 جامعاً وتكية 13 دمرت تماماً و 16 تضررت كثيراً واثنان فقط تضررا قليلاً وتنتهي الى توصية تقول انه يكفى ترميم 3-5 جوامع جامع السلطان مراد وجامع عيسى بك وجامع مصطفى باشا وجامع يحيى باشا. أما بالنسبة لبقية المنشآت في سكوبيه العثمانية التي بقيت في الضفة اليسرى لنهر فارادر فتقول الوثيقة:"بغض النظر عن القيمة الثقافية - التاريخية للمنشآت الدينية الاخرى فمن رأينا الان أن اللحظة مناسبة للتخلص من عدد من الجوامع التي نرى أنها كثيرة".
وبهذه الروح أعلنت الحكومة في 1965 عن خطة"إحياء وبناء سكوبيه خلال 1963-1970"التي اعتمدت فيها على المساعدات التي قدّمها العالم وما قدمته الحكومة الفيديرالية في بلغراد. وضمن هذه الخطة بنيت أحياء جديدة بحسب أحدث المعايير في الضفة اليمنى لنهر فردار على أنقاض الاحياء التي كانت للالبان والاتراك المسلمين الذين أرغمتهم اللامبالاة على الهجرة الى تركيا بعد الزلزال.
وسمح اعلان الاستقلال في 1991 والنزاع المسلح الذي اندلع في 2001 وأوصل الى التدخل الدولي الذي أثمر عن"اتفاق اوهريد"في آب أغسطس 2001 ودستور جديد للبلاد، للالبان والاتراك المسلمين35 في المئة من السكان الان أن يلعبوا دوراً أكبر في الدولة والمجتمع وأن يعيدوا بناء بعض ما تدمّر من جوامع في 1963 وأن يرمموا ما تضرر لتسترد من جديد الضفة اليسرى من نهر فردار بعض ألقها التاريخي. ومن ذلك على سبيل المثال جامع مصفى باشا الذي يعود الى 1492 ويعتبر من اقدم واجمل الجوامع العثمانية في البلقان، حيث أنه قد تضرر في زلزال 1963 وتم ترميمه خلال 2009- 2010 بمساعدة فنية من الوكالة التركية للتعاون الدولي تيكا.
محمد م. الارناؤوط
جامع مصطفى باشا في سكوبيه الذي بني في 1492 وتضرر في زلزال 1963 كما يبدو بعد ترميمه في 2010 تصوير م. الارناؤوط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.