ضبط 19662 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    نيابة عن الملك.. وزير الخارجية يرأس وفد المملكة ب"مؤتمر القمة الإسلامي"    «البدر» اكتمل.. و رحل    انطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد بمسيرة أرفى بالشرقية    باكستان تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    جيرارد: محبط بسبب أداء لاعبي الاتفاق    غاياردو يغيب عن المؤتمر الصحفي بعد ثلاثية أبها    جوتا: لا نفهم ماذا حدث.. ونتحمل مسؤولية "الموسم الصفري"    توافق سعودي – أذربيجاني على دعم استقرار "النفط"    التسمم الغذائي.. 75 مصاباً وحالة وفاة والمصدر واحد    توقعات بهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    "تسلا" تقاضي شركة هندية لانتهاك علامتها التجارية    "زرقاء اليمامة" تفسر أقدم الأساطير    رحل البدر..وفاة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر ناهز ال75 عاما    مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    الذكاء الاصطناعي يبتكر قهوة بنكهة مميزة    3 مخاطر لحقن "الفيلر" حول العينين    بدء إجراءات نقل السيامي "عائشة وأكيزا" للمملكة    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    اليوم المُنتظر    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    «الأونروا»: الصراع في غزة مستمر ك"حرب على النساء"    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    ميتروفيتش: لم نحسم لقب الدوري حتى الآن    إدانة المنشأة الغذائية عن حادثة التسمم الغذائي وإغلاق فروعها بالرياض والخرج    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    غداً.. منع دخول المقيمين لمكة دون تصريح    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    توسيع نطاق الاستثناء الخاص بالتصرف العقاري    «الدفاع المدني» محذراً: التزموا البقاء في أماكن آمنة وابتعدوا عن تجمُّعات السيول    «البيئة»: 30 يومًا على انتهاء مهلة ترقيم الإبل.. العقوبات والغرامات تنتظر غير الملتزمين    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية : حكايات انهزام العقل !
نشر في الحياة يوم 28 - 09 - 2013

ربما نكتشفُ بسذاجة هذه الأيام أن السياسة ليست علماً قاطعاً، بل هي مزاجٌ ظرفي لصيق بالذاتية بعيد عن الموضوعية. ففي تلك العلاقة التي تربط أطرافاً بالنظام السوري، أو في ذلك السلوك القريب من المعارضة، تتقدمُ الإرادات عارية تكشف عوراتها التي لا يستقيم لها منطق.
على أن علمية الأشياء وموضوعيتها تحتاج إلى إيمان بنسبية التحوّلات ورماديتها، وهو أمر يتناقص مع منطق الانتفاضات وفلسفة الثورات. تاريخياً، تسعى الثورات للانقلاب على واقع أسود وإبداله بواقع يُراد له أن يكون ناصعاً. في ذلك مبالغة رومانسية عقائدية لا تأخذُ في الاعتبار توافر النزاهة والفساد في كلا الواقعين، الراهن والمُنقلَب عليه. وإذا ما اعترف العقل الثوري بذلك، فإن نفس العقل يغلّب هدف الثورة على التفاصيل مهما تسبب ذلك من ظلم تأمل الثورات الفرنسية والروسية والإيرانية.
من حقّ النظام السياسي، أياً تكن هويته، أن يعتبر أن المُنقلِبين على الواقع هم رواد شرّ يرومون النيل من واقع الخير. على ذلك يصبح الثوار مضلَّلين ومندسّين وجرذاناً وعملاء... إلخ، وتعابير وأوصاف أخرى تفسّر للحاكم أمر العصيان والتمرد. في ذلك التشخيص تبريرٌ لسلّة من التدابير والعلاجات"المشروعة"مهما قست أدواتها مما هو مقبول إلى ما هو محرّم. وحدها نهاية النزال تحددُ صوابية التشخيص والعلاج من عدمه.
يعتبرُ المعارضون لنظام دمشق، من سوريين وغير سوريين، أن ترياق الحلّ السوري يكمن في إزالة نظامٍ، تُكال له لائحة من أسوأ الأوصاف، وإحلال نظام آخر. وعلى رغم أن هذا الآخر افتراضي الملامح، غير أنه بالمحصّلة، وفق التسليم المعارض، أفضل مما تعيشه سورية في ظلّ نظام قابض على خناق البلاد منذ عقود.
يعتبرُ أنصار النظام أن دمشق حصن الممانعة، في قلب تيار عابر يحتضن في متنه أنظمة ومنظمات ومصالح وتيارات وشخوص. في ذلك التقييم كفرٌ نهائيّ بإمكانات أن يُنتج السوريون نظام حكم يتحلى بمعايير تلك الممانعة التي أتخمت أدبياتها المنطقة على مدى أقل من نصف قرن. في تلك الخلاصة إسقاط لمنطق التاريخ من حيث ديناميات الشعوب في إنتاج نُخبها.
لم تأبه المعارضة السورية وكارهو النظام السوري في المنطقة من وجود القاعدة والأصولية الدينية والتطرف في صفوف من يقاتل النظام الدمشقي. الأمر تفصيل سيتم تجاوزه بعد تحقيق الهدف. طغى النزق على المنطق ورانت الغرائز على لغة العقل. لكن ذلك السلوك ليس نافراً إذا ما قورن مع تجارب الثورات على مدى التاريخ، من حيث التسليم بالخلطة الثورية على عللها ليُصار إلى تنقيتها بعد استتباب الأمور تلك العملية مرت بتمارين ديموقراطية أو بالمشانق والمقصلات.
لا يبرزُ تَشخصن الحالة السورية فقط من خلال تصادم شخوص النظام ونزقها من فكرة تقاسم السلطة مع شخوص من غير النظام، لكن هذا النزق يتمدد وينسحب إلى ما وراء الحدود، بحيث تحوّل الصراع الإقليمي حول سورية إلى تصفية حسابات شخصية بين وجوه الحكم في المنطقة ووجه الحكم في دمشق تأمل المواقف المباشرة للحاكم في الدوحة وأنقرة وطهران على سبيل المثال لا الحصر.
تبرزُ الذاتية بوضوح في المقاربة الدولية - الإقليمية لجريمة السلاح الكيماوي في غوطتيّ دمشق. تتم قراءة المجزرة كوجه بشع من وجوه النظام تُستخدم في إماطة اللثام عنه الصوّر والوثائق وأدلة أجهزة الاستخبارات وتقرير المحققين الدوليين. وتتم قراءة المجزرة بصفتها مؤامرة حيكت ضد النظام من قِبل المعارضة لاستدراج ضربة عسكرية قاصمة. يُستعان في الدفاع عن هذه القراءة بدعم العواصم، لا سيما موسكو التي لا ترى في النظام متهماً، ولا تؤمن بتحقيق دولي، ولن تسلّم برواية مخالفة.
في صراعات العقود الأخيرة، حتى لا نعود إلى عصور سابقة، تتقدم خلطات من وجهات نظر خيضت حولها صدامات دموية دراماتيكية كبرى. غزا الغربيون أفغانستان والعراق لإحقاق حقّ يبشرُ بطرد طغاة. وهاجم الأطلسيون يوغسلافيا لوقف مجازر تلتهم الناس. أتاحت ظروف تلك الوقائع تغليب تشخصن على آخر، وهيمنة وجهة نظر في غياب أو ضعف أخرى. لم تكن المسائل تسليماً بحقّ بقدر ما كانت إذعاناً لأمر واقع لطالما تحاول قوى الداخل كما الخارج التمرد عليه فحتى مسألة الدفاع عن حقوق الإنسان هي وجهة نظر تتطلب عجالة هنا وتتطلب تأن ودراسة هناك.
حين اتُّهمت دمشق وبعدها حزب الله بالوقوف وراء اغتيال الرئيس رفيق الحريري، رفض أنصارهما تلك التهمة واعتبروها افتراء. في موضوعية الرفض أن التهمة ملفّقة والأدلة مفبّركة والتحقيق مُنحاز. في مزاجية الرفض أن الواحد من المدافعين عن الفريقين المتهميّن لن يتراجع عن موقفه حتى لو قام هو شخصياً بالتحقيق والانتهاء بالدليل القاطع إلى مسؤولية المتهمين. وإذا ما اهتدينا إلى سرّ الخلطات الذاتية التي تُنتج الوعيّ العام، فقد يتيسر لنا أن ندرك لغز ديناميات السياسة.
في المنطق أن ندافع عن مذنب لإظهار براءته. وفي المزاج أن ندافع عن المذنب حتى لو لم تظهر تلك البراءة. ليس مطلوباً في السياسة إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، فتلك قيّم تجوز فيها وجهات النظر. ثم من يقرر ما هو حقّ وما هو باطل؟ في النهاية تلك مسائل يقررها من يكتب النهايات.
* صحافي وكاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.