الطلاق ليس موضوعًا جديدًا، فقد تناولته دراسات وبحوث، وسُلط الضوء عليه كثيرًا من قبل وسائل الإعلام، وحقيقة الطلاق أنه أبغض الحلال، ولا يلجأ إليه إلا حين تستنزف كل سبل الإصلاح، لكن في السنوات الأخيرة، تحول الطلاق من علاج نادر إلى ظاهرة مقلقة، تنتشر كالنار في الهشيم داخل كثير من الأسر العربية والخليجية، حتى بات من النادر أن تخلو محكمة من قضايا الطلاق والخلع. الإحصائيات الأخيرة تنذر بالخطر في الوطن العربي، فهي تشير إلى ارتفاع الطلاق بشكل كبير خلال العقد الأخير، والأخطر من الأرقام هو الأسباب السطحية التي تقف خلف كثير من حالات الانفصال «خلاف على الجوال أو تأثر الزوجة بمسلسل أو تدخل صديقة، أو الرغبة في الخروج».. فمن أين جاء هذا الخلل في البناء الأسري؟!. للأسف الشديد أرى أن بعض المسلسلات والأفلام لها دوركبير، بل أصبح الكثير منها أدوات تفكيك لا بناء، تصدر نماذج مشوهة للعلاقات، وتدعو بشكل ضمني أو مباشر إلى التمرد على الأسرة، والعصيان الزوجي، والبحث عن الحرية الفردية المزعومة بتصويرها المرأة المطيعة ضعيفة، وتمجد المرأة المتمردة الخارجة من بيت زوجها. فالزوجة عندما تشاهد مسلسلًا يصور الحياة بعد الطلاق على أنها حرية ورفاهية وسفر واستقلال، دون أن يُظهر معاناة الأم مع الأبناء، أو صعوبة الوحدة، أو الآثار النفسية فإنها قد تتأثر دون وعي، وتبدأ برؤية زوجها خصمًا، لا شريكًا. مشكلتنا أننا كمتلقين نستهلك المحتوى الإعلامي دون مناعة فكرية، فلا رقابة على ما يعرض، ولا توعية حقيقية تبين أن كثيرًا مما في هذه الأعمال لا يمثل الواقع، بل يُكتب ليشبع خيالًا دراميًا على حساب قيم المجتمع، كما أن مواقع التواصل زادت الطين بلة، إذ تنقل القصص والمشكلات بشكل مضخم، وتقدم حلولا خادعة، مثل: «تطلقي وعيشي حياتك»، وكأن الطلاق بلا تبعات. ما هو الحل؟ الحل يكمن بالتوعية المكثفة عبر منابر المساجد ووسائل التواصل، ومراجعة المحتوى الدرامي ومحاسبة القنوات التي تروج للتمرد والتفكك الأسري، وتوعية الشباب والفتيات قبل الزواج بمفاهيم الصبر والتفاهم والتنازل، إحياء القدوات الصالحة في الإعلام، التي تُظهر الزواج كنموذج رحمة وسكن ومودة، لا ساحة صراع. الطلاق ليس مجرد ورقة توقع، بل زلزال يهز الكيان الأسري والاجتماعي، وضحيته الأولى هم الأبناء، وإذا استمر الإعلام العربي عبر الدراما في نشر التخبيب والتفكيك تحت عباءة الحرية، فإننا سنحصد مزيدًا من البيوت المهدمة.