تشير أحدث الإحصائيات الصادرة عن جمعية إدارة الموارد البشرية إلى أن أكثر من 50 % من المؤسسات حول العالم دمجت تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات التوظيف خلال العام الجاري، في خطوة تعكس تحوّلًا عميقًا في طريقة اختيار الكفاءات البشرية. وفي المقابل، لجأ نحو ثلث المتقدمين للوظائف إلى أدوات توليد المحتوى، مثل ChatGPT، لصياغة السير الذاتية وخطابات التقديم، مما خلق واقعًا جديدًا تتقاطع فيه الكفاءة البشرية مع الإنتاج الآلي للنصوص. تحول التوظيف هذا التحول لا يقتصر على الولاياتالمتحدة، بل يأتي ضمن موجة عالمية متسارعة، إذ تشير تقديرات Gartner إلى أن 80 % من مديري التوظيف سيعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي بصورة دورية بحلول عام 2027. ويعود ذلك جزئيًا إلى سعي الشركات لخفض تكاليف التوظيف التي تتجاوز حاليًا 4700 دولار للموظف الواحد، إضافة إلى الرغبة في تسريع عمليات الفرز والمقابلات في ظل تزايد أعداد المتقدمين. ومع هذا الاعتماد المتنامي، أصبحت الخوارزميات لاعبًا رئيسيًا في تحديد من يصل إلى مرحلة المقابلة ومن يتم استبعاده مبكرًا. وهم الكفاءة في المقابل، رصدت دراسة مشتركة بين جامعتي Princeton University وDartmouth College بروز ظاهرة أطلق عليها الباحثون «تزييف الكفاءة الرقمية». فقد باتت الطلبات المولدة آليًا متشابهة إلى حد كبير، وتبدو مثالية من حيث الصياغة والتنظيم، لكنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى العمق الإنساني والمهارات الناعمة التي لا يمكن للخوارزميات محاكاتها بدقة. هذا التشابه أربك الشركات، وجعل من الصعب تمييز الموهبة الحقيقية وسط آلاف الملفات المتطابقة، مما أدى في بعض القطاعات إلى تراجع معدلات التوظيف الفعلي رغم وفرة المتقدمين. سوق العمل في الوقت نفسه، تزايدت الضغوط على الباحثين عن عمل، إذ تشير بيانات منصة Greenhouse إلى أن 54% منهم خضعوا لمقابلات تقودها خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالكامل. وعلى نطاق أوسع، حذر Goldman Sachs من أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل عالميًا، مشيرًا إلى أن ربع المهام الوظيفية في الولاياتالمتحدة وأوروبا باتت عرضة للأتمتة. وأظهرت أبحاث مشتركة بين جامعة بنسلفانيا وشركة OpenAI أن موظفي الطبقة المتوسطة، لا سيما ممن تتجاوز أجورهم 80 ألف دولار سنويًا، قد يكونون الأكثر تأثرًا بهذا التحول، إلى جانب ما كشفته تقارير MIT وجامعة بوسطن عن احتمال استبدال نحو مليوني عامل في قطاع الصناعة بحلول عام 2026. موازنة المستقبل ورغم هذه التحديات، لا يخلو المشهد من فرص واعدة. فبحسب McKinsey Global Institute، قد يضيف الذكاء الاصطناعي نشاطًا اقتصاديًا عالميًا بنحو 13 تريليون دولار بحلول عام 2030، ما يعادل زيادة تراكمية قدرها 16% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي. غير أن هذا التفاؤل يقابله تحذير من مخاطر «الخوارزميات المتحيزة» التي قد تستبعد كفاءات حقيقية لأسباب غير موضوعية، وهو ما دفع 40% من الشركات إلى العودة للاختبارات العملية الحية. وبين التفاؤل والحذر، يتفق خبراء مثل Forbes وBernard Marr & Co على أن المستقبل يتطلب موازنة دقيقة بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والحفاظ على البعد الإنساني في سوق العمل، لضمان تحول عادل ومستدام.