كانت كندا من أوائل الدول التي سنّت تشريعات لمكافحة التدخين، واتخذت إجراءات متدرجة لحظره بداية في المرافق العامة والخاصة باستثناء صالة للمدخنين، وصولاً إلى تدابير أشمل وأشد قسوة تجلت بتشكيل وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية فرقاً خاصة لمراقبة المخالفين أفراداً أو مؤسسات وتغريمهم مبلغاً لا يقل عن 150 دولاراً. أما المدارس فأنشئ لها قانون خاص يلزم الطلاب والمديرين بالتقيد به تحت طائلة عقوبات مسلكية ومالية غير مألوفة. وينص القانون على تعيين عدد من عناصر مكافحة التدخين بدوام كامل في كل مدرسة. منهم من يتولى مراقبة المدخنين داخل حرمها في الغرف والممرات والمراحيض والملاعب، ومنهم مفتشون تقتصر مهمتهم على مراقبة تجمعات أخرى في محيط المدرسة الخارجي وجواره لا سيما أن بعضاً منها يشعل سجائره خلف حافلات المدرسة المتوقفة، ما قد يتسبب بحرائق. أما من يضبط في حال التدخين، فتلجأ الإدرة إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات المسلكية ضده منها تنبيهه إلى ضرورة التقيد بمنع التدخين وإنذاره بالابتعاد عن المدرسة مسافة لا تقل عن 200 متر، وتبليغ ولي أمره بالمخالفة وفرض قصاص تربوي يقضي بمطالعة كتاب أو أكثر وتقديم تلخيص عنه أمام رفاقه وفصله ليوم أو أكثر وصولاً إلى فصله في العام الدراسي التالي. أما العقوبات الأشد فتطاول مدير المدرسة وتجري محاكمته لإهماله تطبيق قانون منع التدخين وتغريمه بمبلغ 400 دولار. وهذا ما جرى أخيراً في واقعة هي الأولى من نوعها في كندا وفق ما جاء في محاكمة مدير مدرسة ثانوية في منطقة"لونغيي"إحدى ضواحي مونتريال. وأثناء المحاكمة حاول تبرئة نفسه أمام القاضي مارك رينو بالتزام ما يتوجب عليه فعله من تعليق لوحات حظر التدخين في أماكن بارزة داخل المدرسة وإصدار تعاميم متكررة لتقيد الطلاب بها واتخاذ عقوبات مسلكية وتربوية بحق المخالفين. كما حاول التذرع بعدم صلاحيته لمنع الطلاب من مغادرة المدرسة إلى الخارج أثناء الاستراحة، وبندرة عدد المفتشين المولجين مراقبة 2100 تلميذ وتلميذة. لكن يبدو أن القاضي لم يقتنع بتلك الحجج لا سيما أنه استند إلى تقرير المفتشين الذين أكدوا أن"مجموعة من التلاميذ تقدر بنحو مئة يدخنون خارج المدرسة على نحو متكرر". وعلى هذا الأساس اتخذ القاضي قراره بأن"حظر التدخين في المدارس ليس كافياً، وأن التحذير والتدخل والمنع لا قيمة لها من دون التطبيق، والقيام بعمليات مفاجئة ومتكررة تستند إلى دلائل لا يرقى إليها شك". ويبدو أن أهم ما جاء في مطالعة القاضي تساؤله بالقول:"كيف يمكن إدارة مدرسة كهذه أو غيرها أن تفرض التقيد بقانون حظر التدخين وتفتقر إلى رقابة صارمة داخل حرم المؤسسات التعليمية وخارجها؟"محذراً من انعكاسات سلبية على صدقية النظام التربوي والصحي وفقدان ثقة المواطنين بهما. وفي هذا السياق تشير تقارير وزارة الصحة الكندية إلى أن نسبة الطلاب المدخنين في 2010 بلغت"معدلات خطرة". فنسبة الطلاب المدخنين ممن تراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة، لامست 30 في المئة في المدارس الثانوية و7 في المئة في السنة السادسة الابتدائية. ومن المفارقات المتعلقة بخرق قانون التدخين والتي يندر بها بعض الصحف أن إحدى المدارس خصصت زاوية من الملعب لطلابها المدخنين شرط أن يتقدموا بتصريح خطي موقع من أوليائهم! +