يتميز مسلسل"الحلم الضائع"التركي المدبلج إلى العربية الذي تعرضه شاشة"أم بي سي 4"بطرحه المباشر والجريء لتأثير التباينات الطبقية في الحب وعرقلتها له من خلال إحدى الجامعات التي تشكل المسرح الرئيسي للأحداث والتي تقع على تماس مباشر مع إحدى الحارات الشعبية. فالمسلسل يعنى والحال هذه برصد التجاذب والتفاعل والتعايش بين طلاب الجامعة ممن يتحدرون إجمالاً من عائلات ميسورة وارستقراطية وأهل الحي الذين يتميزون في غالبيتهم بفقرهم وتواضع مستويات التعليم لديهم. تبدأ الحكاية مع الشاب عمرو يؤدي دوره الممثل آلباي كمال أتلان الذي ذهبت عائلته ضحية زلزال مدمر منذ سنوات باستثناء شقيقته الصغرى تلعب دورها الممثلة هزال كايا التي يفقد أثرها وتصاب جراء الزلزال بفقدان الذاكرة، فتتبناها عائلة ثرية. وفي إطار سعيه للبحث اليائس عنها تشاء الأقدار أن يلتقي بها صدفة فيتتبعها إلى منزلها وهو سرعان ما يبادر إلى العمل كعامل نظافة في الجامعة، والتي تدرس فيها أخته كي يكون على مقربة منها وليتمكن من مراقبتها والاطمئنان عليها باستمرار، طالما انه قرر عدم مصارحتها بحقيقة كونه شقيقها الأكبر، حرصاً منه على عدم تعكير صفو حياتها مع عائلتها الجديدة. وهكذا تتوالى فصول الحكاية في حرم الجامعة وردهاتها وأزقة الحي المجاور لها. وهنا فإن المسلسل يعكس بطريقة موفقة ومشوقة يوميات الحياة الجامعية، وما يتخللها من معاكسات ومناكفات بين الطلاب شباباً وصبايا، إضافة إلى يوميات الحارة التي تتميز ببساطتها ورتابتها وسكونها، الأمر الذي أتت ضوضاء الجامعة وحيويتها لتكسره ولتتحول العلاقة بين الجامعة والحي شيئاً فشيئاً من علاقة تحفظ وتوجس في البداية، إلى علاقة تفاعل وتواصل بفعل الاحتكاك اليومي المباشر على ارض الواقع بين الطلاب والأساتذة من جهة وأهل الحي وسكانه من جهة أخرى. حتى أن إدارة الجامعة سرعان ما تقرر فتح دورات تدريسية مجانية في مجالات واختصاصات علمية كاللغة الانكليزية والكومبيوتر للراغبين من أهل الحي، ما يفسح المجال أمام الكثير منهم لتطوير قابلياتهم ومداركهم المعرفية، حتى أن أستاذة في قسم الموسيقى تبادر إلى تأسيس فرقة موسيقية يتألف أعضاؤها من سكان الحي ممن لديهم مواهب موسيقية غير مكتشفة، وليست خافية هنا الدلالة على أن الفقر لا يقتل الإبداع ولا يتناقض معه خصوصاً متى ما توافرت فرصة لبلورة ذاك الإبداع وصقله. وإمعاناً في التفاعل بين طرفي المعادلة الدرامية: الجامعة - الحي تنشأ جملة علاقات عاطفية أبرزها بين عمرو الذي يتميز بموهبته الفائقة في عزف البيانو التي لم تتمكن كارثة الزلزال التي دمرت حياته من إطفائها ومنار تلعب دورها الممثلة سيلين سيفين طالبة الموسيقى التي هي ابنة نائب في البرلمان. وأيضاً بين أسماء أخت عمرو وسائق التاكسي أحمد وحتى أستاذة الموسيقى تولين ومختار الحارة الذي له هو الآخر ميول موسيقية، فضلاً عن قصص حب مشابهة بين منتسبي الجامعة وسكان الحي. وعلى رغم أن الإفراط في قصص الحب العابرة للطبقات والفروقات الاجتماعية والعلمية والثقافية والنفسية قد يبدو مفتعلاً ومبالغاً به إلى حد ما إلا أن المسلسل يؤكد بذلك حقيقة أن الحب هو قيمة إنسانية سامية يمكنها تحدي كل العوائق وكسر كل المحظورات لا سيما الناجمة عن التقسيمات الطبقية والتراتبيات الاجتماعية التي هي في كل الأحوال ليست تقسيمات وتراتبيات مقدسة بل متحولة وقابلة دوماً للتبدل والتغير، فالفقير مثلاً قد يصبح غنياً والعكس. ولا شك في أن"الحلم الضائع"يستحق الإشادة والتحية على هذا الاحتفاء بقيم المساواة والحب والجمال وعلى محاولة كسر الحواجز الفاصلة بين عوالم الأغنياء المخملية وعوالم الفقراء البسيطة. وبلا ريب فإن مختلف المجتمعات البشرية تزخر بمثل قصص الحب هذه المتجاوزة للموانع الطبقية، ما يؤكد أن"الحلم الضائع"وإن كان يسرف بعض الشيء في توليف كي لا نقول فبركة مثل هذه القصص إلا انه قطعاً ليس من طينة الأعمال الدرامية المغرقة في الفانتازيا الرومانسية المفصولة عن الواقع تماماً. نشر في العدد: 16762 ت.م: 24-02-2009 ص: 38 ط: الرياض