في احد التقارير التلفزيونية الاخبارية والتي عرضتها قناة"كتفاس"البلجيكية من مدينة غزة خلال الحرب الاسرائيلية، يظهر الأب الفلسطيني وهو يقوم بتوزيع اطفاله الستة على زوايا بيته الواقع في احد مخيمات اللاجئين في المدينة. ترافق كاميرا التلفزيون الأب في هذا التقرير، وهو يحمل كل طفل ببطء، ومن دون حوارات مع الكاميرا، الى جهة مختلفة حيث يغطيه بأغطية كثيفة. وعندما يتكلم الأب، يفسر خطوته، بأنها رغبة، في تفريق الأطفال عن بعضهم حتى لا يقتلوا جميعهم في انفجار واحد، وكما حدث مرات عديدة في الحرب الاسرائيلية الاخيرة على منظمة حماس في مدينة غزة. والاطفال الفلسطينيون هم ابطال تقرير تلفزيوني آخر، هولندي هذه المرة: فالمراسل الهولندي والذي لم ينجح في الوصول الى غزة، وقد اغلقتها السلطات الاسرائيلية بوجه المراسلين الاجانب، توجه الى المناطق الحدودية مع غزة في مصر، وذهب الى احد المستشفيات المصرية التي استقبلت مئات الجرحى الفلسطينين. في التقرير الهولندي يتابع المراسل لأيام، يوميات علاج مجموعة من الاطفال الجرحى، و يتحدث الى من يستطيع الكلام، ويراقب من خلف زجاج غرف الإنعاش بعض الحالات الحرجة، يخبرنا الاطباء المصريون ان فرصهم في النجاة ضعيفة كثيراً. وتروي امهات بعض الأطفال عن الانفجارت التي وقعت. احدى الامهات وصفت كيف قتل انفجار أخاها وابنتها، وجرح ابنها الذي ترافقه الى المستشفى الآن. وليخبرنا المراسل الهولندي في نهاية التقرير ان هذا الابن توفي في المستشفى بعد ايام من وصوله. على هذا النحو ركز العديد من التغطيات التلفزيونية الهولندية، البلجيكية، والبريطانية، على الحالات الانسانية في هذه الحرب، فاهتمت بعرض الكثير من التقارير عن الضحايا من الاطفال الفلسطينيين، والذين تحولوا بعد مجموعة من الصور التي غزت الصفحات الاولى من الصحف العالمية،الى احد علامات هذه الحرب. حتى عندما انطلقت المظاهرات ضد الحرب في العديد من العواصم الاوربية قبل ايام، حمل الكثير من المتظاهريين صور الاطفال الفلسطينيين الضحايا، وتحدثوا عن بشاعة الحرب التي شاهدوها على تلفزيوناتهم. الإنسان لا ألسنة الخشب الأمر اللافت في التغطية التلفزيونية الاوربية لهذه الحرب، هو قلة الحوارات السياسية بين المختصين، بالمقارنة بالتقارير الانسانية عن الضحايا او الاحياء الذين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، وحتى الحوارات التي تظهر كجزء من البرامج السياسية المعروفة مثل برنامج"نوفا"الهولندي، و"أخبار الليل"للبي بي سي الثانية، ركزت كثيراً على عدد الضحايا من المدنيين، وهمجية الحرب بالمطلق، فقلّت كثيراً وجهات النظر المدافعة عن اسرائيل، على رغم ان الكثيرين من المختصين في شؤون المنطقة العربية من الأوربيين، أكد ان منظمة"حماس"تتحمل الكثير من المسؤولية على هذا التصعيد، لكنها رأت أن الرد الاسرائيلي الشديد العنف غير مبرر على الاطلاق، ولن يساعد في بناء اي قاعدة للحوار او السلام في المنطقة. ولأن مدينة غزة قبل هذه الحرب، لم تكن مكاناً آمناً تماماً للكثير من مراسلي التلفزيونات الغربية، خصوصاً بعد خطف احد مراسلي قناة البي بي سي البريطانية، الذي استمر لأسابيع، قبل عام ونصف، لم يكن في المدينة وقت حدوث الهجوم الاسرائيلي، الا مجموعة صغيرة من مراسلي بعض القنوات التلفزيونية الاوروبية، وهم الذين قدموا ومن داخل المدينة تحقيقات مصورة خلال الحرب. وعندما بدأ الهجوم الاسرائيلي، ارسلت محطات كثيرة فرقاً تلفزيونية خاصة للتغطية، لكنها اصطدمت برفض السلطات الاسرائيلية دخول المدينة. ليرسلوا اخبارهم من على حدود غزة، في تقارير يومية اصبحت مضجرة كثيراً بسبب بعدها عن اماكن الأحداث وتكرار الخلفية نفسها خلف المراسل التلفزيوني. مقابل هذا وبسبب حرصها على عدم الانحياز لطرف من النزاع، تقدم المحطات التلفزيونية الاوروبية وبصورة دورية، تقارير من داخل المستوطنات الاسرائيلية والتي تتعرض احياناً للصواريخ التي تطلقها حركة حماس. هذه التقارير التي تقدم مشاهد لرعب المدنين واحياناً بعض الاصابات، لا تستغرق طويلا من وقت التغطية التلفزيونية لحرب اسرائيل على غزة، والتي تهيمن عليها مشاهد الدمار الذي لحق بالمدينة، والضحايا الفلسطينيين الذين زاد عددهم عن الألف شهيد، والآلاف من الجرحى، مقابل 14 من القتلى الاسرائيلين، معظمهم من العسكريين، ذلك بحسب آخر الإحصاءات الرسمية. نشر في العدد: 16723 ت.م: 16-01-2009 ص: 30 ط: الرياض