حتى القسم الإخباري في التلفزيون الهولندي الحكومي (NOS)، لم ينجُ من النقد القاسيّ لتغطياته الأخيرة لحرب غزة، فخرجت تظاهرات في هولندا تصرخ بانحيازه إلى إسرائيل. لم يشفع لهذا القسم إن مراسلته الهولندية بقيت في غزة طوال زمن الحرب الأخيرة، وكانت تُظهر يومياً بعضاً من الدمار الذي ألحقته القوات الإسرائيلية بالمدينة، كما لم يَشفع له كثافة التغطيات التلفزيونية الهولندية للحرب والتي عُرضت يومياً على شاشات التلفزيون الحكومي الهولندي. هل كان الإعلام الهولندي منحازاً..؟ وهل تستحق هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الانتقادات لجهة تغطياتها حرب غزة واتهامها بالإنحياز إلى إسرائيل، فانهال عليها لوم عُدّ الأقسى في تاريخها؟ يحتاج الأمر بالتأكيد الى اختصاصيين في الإعلام، يراجعون كل التغطيات التلفزيونية لهذه المؤسسات الإعلامية الاوروبية ومقارنتها بغيرها وبما كان يحدث في غزة على أرض المعارك، حتى يتمكنوا من الخروج بمحصلة واقعية مُنصفة. لكن الغضب الأخير من وسائل إعلام أوروبية، يشير بقوة الى تغيير في المناخ النفسي والأجتماعي في اوروبا، وبالخصوص في النظرة الى صراع الشرق الأوسط الأكثر تعقيداً في التاريخ المعاصر. ولقد حاولت الحلقة الأخيرة من برنامج «قضايا هولندية» (يناقش موضوعات هولندية محلية بحضور جمهور في الإستديو)، والتي عرضت أخيراً على شاشة القناة الحكومية الثانية تحت عنوان «غزة في هولندا»، أن ترصد نبض الشارع الهولندي. انتهزت الحلقة وقف إطلاق النار الأخير لكي تلتقي برموز الحركات الاحتجاجية الأخيرة ضد إسرائيل في هولندا، كما حضر في الإستديو، شباب هولنديون يهود، نقلوا قلقلهم من تصاعد معاداة الساميّة في هولندا وبلجيكيا وفرنسا، اذ كشف أحدهم، إن حقيبته جاهزة، وإنه سيهاجر الى إسرائيل في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. يسأل مقدم برنامج «قضايا هولندية» أحد منظمي الاحتجاجات الأخيرة، عن الأسباب التي تدفعه، وهو من إسرة مغربية مُهاجرة ولم يمر في غزة في حياته، بأن يجعل قضية فلسطين من أولوياته. الشاب سيسترجع ذكريات من طفولته، عندما شاهد والدته تذرف دموعها بصمت أمام التلفزيون، عندما كانت تتفرج على مشاهد لعنف إسرئيلي مشابه ضد فلسطينيين في الانتفاضة الأولى. لكن الإسلام والقومية ليسا السببين الوحيدين، وكما اقترح المقدم الهولندي، فإسرائيل، وفق الشاب، هي الدولة الأكثر انتهاكاً للقوانين الدولية، ولم يَّعد بالإمكان التغاضي عن «الجرائم» التي يقترفها جيشها كل بضعة أعوام. ورغم إن هناك بين من كانوا في إستديو البرنامج الهولندي من دافع عن سياسات إسرائيل، وحربها ضد حكومة حماس، الا إن اللافت إن هؤلاء أضحوا أقليّة، تثير مواقفها اليوم الحنق والغضب وكثيراً من الاستغراب، وهو ما يُعد تغييراً كبيراً في الشارع الهولندي، حدث في العقد ونصف العقد الأخيرين، الأمر الذي حدا بصحيفة «الشعب» الهولندية، لتخصيص تحقيق طويل عن القضية، تساءل كاتبه عن الأسباب التي جعلت كثراً من الهولنديين يديرون ظهرهم لإسرائيل، بعد أن كانت إسرائيل في السبعينات من القرن الماضي، تعد للكثيرين في اوروبا الإمثولة والإيقونة، لتتحول اليوم الى دولة مُنعزلة وأحياناً بغيضة، ولم تعد حروبها مُثيرة كما في الماضي، كما لم يعد التعاطف معها أمراً مفروغاً منه. وبالعودة الى النقد الذي نالته التغطيات الإعلامية الاوروبية لحرب غزة، حرصت «بي بي سي»، على مناقشة القضية، فاستضاف برنامج الأخبار الصباحي الذي يقدم على شاشة القناة الاولى للمؤسسة، أحد مديري قسم الأخبار، الذي أكد إن القناة تلتزم دائماً معايير مهنية ثابتة في تغطياتها، وإنه يتفهم غضب هذا الطرف او ذاك، في صراع يثير الكثير من الغضب والعاطفة. ورفضت المؤسسة البريطانية أن تعرض النسخة الأصلية من الفيلم القصير الذي سيعرض في بريطانيا قريباً من أجل جمع مساعات لضحايا حرب غزة من الفلسطينين، وقررت أن تعرض نسختها الخاصة من الفيلم (ليس من المعروف بعد الفروق بين النسختين)، في إشارة جديدة الى إن المؤسسة الإعلامية الأكبر في العالم لا ترضخ كثيراً للنقد المُوجه إلى خطها الإعلامي.