لا أدري لماذا لم يترجم الناقد الأميركي المصري الأصل إيهاب حسن حتى هذه اللحظة إلى العربية، على رغم أن عدداً كبيراً من كتبه ومقالاته ترجم إلى عدد من لغات العالم. هل يعود ذلك إلى صعوبة لغته أو أفكاره أو إلى عدم ملامسة ما كتبه في النقد والنظرية الأدبية للسياقات الثقافية التي نعيشها في العالم العربي؟ لكن إيهاب حسن، مثله مثل النقاد والمنظّرين الأدبيين الأميركيين في نهاية أربعينات القرن الماضي وخمسيناته وستيناته، كان ينهل من التحولات المفصلية التي أصابت الثقافة الأميركية في الفترة التي وضعت فيها الحرب العالمية الثانية أوزارها. في تلك الفترة الزمنية كان ما يسمى النقد الجديد في أميركا هو المهيمن في المؤسسات الأكاديمية والمجلات والحياة النقدية بعامة. وجد إيهاب حسن في الأصوات الجديدة الطالعة في الأدبين الأميركي والأوروبي في تلك الأيام معيناً له على التطلع خارج دائرة النقد الجديد وتشديد هذا النقد على ما يسميه القراءة اللصيقة Close Reading أو التحليل الضافي للنصوص، مصدراً عدداً من كتبه الأساسية التي يركز فيها على الأصوات المتمردة في الأدب الغربي الحديث. ليس في ما كتبه حسن إذاً غربة عن الاهتمامات الأساسية في آداب العالم المعاصرة، وما أنجزه في حقل الكتابة النقدية النظرية أو التطبيقية يندرج في صلب ما ترجم من نقد ونظرية خلال السنوات العشرين الماضية. "تقطيع أوصال اورفيوس" إنه واحد من النقاد ومنظّري الأدب في أميركا، وهو من بين قلائل بشروا بحركة ما بعد الحداثة في الأدب والفن والعمارة، وكتبوا عن الشروط النظرية والعملية لصعود هذه الحركة التي تثير منذ السبعينات جدلاً وردود فعل متناقضة كثيرة. وكان إيهاب حسن المولود في القاهرة عام 1925 والحاصل على شهادة في الهندسة الكهربائية قد غادر مصر في نهاية الأربعينات 1946 هارباً من الخلافات الحادة التي كانت تستعر في أوساط عائلته المصرية ذات الجذور التركية، وانكب منذ خروجه على دراسة الحركات الأدبية الطليعية في أوروبا وأميركا، تاركاً دراسة الهندسة بعد حصوله على شهادة الماجيستير من إحدى الجامعات الأميركية. أنجز منذ ذلك الحين عدداً من الدراسات والكتب المرجعية في موضوع ما بعد الحداثة وعلاقة الفلسفة والأدب بالعلم والمعرفة المعاصرة. ويمكن عد دراسته"تقطيع أوصال اورفيوس"، التي نشرها عام 1963 في مجلة"الباحث الأميركي"، وكتابه"أدب الصمت: هنري ميلر وصمويل بيكيت"1967 من أهم ما كتب في حينه عن"أدب ما بعد الحداثة"وعن الآفاق التي يفتحها عدد من الأدباء الثائرين على مفاهيم الحداثة الأوروبية ونزعتها المركزية الغربية التي تجعل من الغرب مركزاً تدور في فلكه جميع الشعوب والدول والأقليات. بعد هاتين الدراستين، اللتين عاد إيهاب حسن إليهما في ما بعد ليعدّل عليهما ويضيف إلى مادتهما بعض التصورات الجديدة حول ما بعد الحداثة، توالت أعمال الناقد المصري الأصل، وتوالت الردود الحادة على عمله من جانب أهم نقاد الغرب وفلاسفته الجدد، وعلى رأسهم الناقد والمفكر الأميركي الراحل بول دي مان. كما أصدر:"تقطيع اوصال أورفيوس: نحو أدب ما بعد حداثي"1971، وپ"بمحاذاة النقد: سبعة تأملات عن الأزمنة"1975، وپ"نار بروميثيوس الحقيقية: الخيال والعلم والتغير الثقافي"1980، وپ"دور ما بعد الحداثة: مقالات في نظرية وثقافة ما بعد الحداثة"1987. وتدل عناوين كتبه ومقالاته على انشغاله الدائم بقضية ما بعد الحداثة والفنون التي بشر منذ ثلاثين سنة باندراجها في سياق فكري وتعبيري جديد يتجاوز الحداثة الغربية ويفتح لها آفاقاً جديدة في الوقت نفسه. لكن على رغم شهرة الرجل في أميركا والغرب، فإن اهتمامنا به نحن العرب شديد الضآلة، فلم تترجم له حتى هذه اللحظة إلا مقالات تعد على أصابع اليد الواحدة، ولم يظهر أي من كتبه بالعربية على رغم ترجمتنا عدداً من الكتب حول ما بعد الحداثة أقل أهمية من الناحية المعرفية مما كتبه. وحتى كتابه"خارج مصر: مقاطع من سيرة ذاتية"1986 الذي يلقي الضوء على تجربته في الغرب بعد انطلاقه بعيداً من وطنه، الذي لم يعد إليه ولم يزره بعد نصف قرن من خروجه لم يجد من أبناء وطنه أي اهتمام على حد علمي. إن إيهاب حسن، على رغم اهتماماته المركزة على أدب الغرب وأعلامه الطليعيين في القرن العشرين وإثارته قضية ذات جذور أورو - أميركية، واحد من المنظرين الكبار في النقد الأدبي المعاصر في العالم، وهو يمتلك نظرة ثاقبة في تفاعل الثقافات مع سياقاتها التاريخية، ولذلك من الضروري ترجمته إلى العربية لنعرف نحو أي وجهة تنطلق النظرية الأدبية المعاصرة. لا ندعو إلى ذلك من باب الانتصار عاطفياً لواحد من أبناء جلدتنا، بل من باب الدعوة إلى ترجمة أمهات الكتب النقدية الأدبية المعاصرة.