بعد منح "الأسد الذهبي" لفيلم "المصارع" واحتجاج رئيس لجنة التحكيم . جوائز مهرجان البندقية السينمائي تثير تساؤلات وشكوكاً

اختتمت ليل السبت الماضي في القاعة الكبرى في قصر السينما في جزيرة الليدو، الدورة ال65 لمهرجان البندقية"فينيسيا"السينمائي الدولي. ضم برنامج المهرجان ما يربو على 051 فيلماً اختار مديره ماركو موللر 22 منها للمسابقة الرسمية ووضعها تحت مجهر لجنة التحكيم الدولية التي ترأسها المخرج الألماني فيم فيندرس، وضّمت أيضاً السينمائي الأميركي جون لانديس والسيناريست الروسي يوري نيكولايفيتش آرابوف والسينمائي البريطاني دوغلاس غوردن والمخرجة الأرجنتينية لوكريتسيا مارتيل والمخرج جونّي تو من هونغ كونغ، إضافة إلى النجمة الإيطالية فاليريا غولينو.
وقلّما شهد تاريخ مهرجان البندقية السينمائي الدولي أن أثّر أداء ممثل في المآل النهائي للأسد الذهبي من دون أن يحظى هو نفسه بجائزة أفضل ممثل، وقلّما وجدت لجنة تحكيم دولية نفسها مضطرة لمنح الجائزة الأساسية إلى فيلم ذلك الممثل، لأنها كانت منحت جائزة التمثيل الرجالي قبل برهة إلى أحد نجوم البلد المضيف، واضطرّت بذلك إلى تجاهل أفلام كانت ضمن القائمة المرشّحة للفوز بالأسد الذهبي.
هذا ما حدث بالفعل في الدورة الأخيرة لمهرجان البندقية السينمائي الدولي عندما منحت لجنة التحكيم الأسد الذهبي لفيلم"المصارع"للأميركي"المستقل"دارّين آرنوفسكي الذي أدى بطولته النجم المتميّز ميكي رورك.
وهذا على رغم عرض أفلام رائعة مثل"السهل الملتهب"أول إنجاز للكاتب والسيناريست المكسيكي غيلييرمو آرّّياغا و"إينلاند"للجزائري المتميّز طارق تيغيا وپ"تيزا"للمبدع الأثيوبي هايلي جيريما ورائعة الياباني هياو مياساكي"بونيو في لُجّة البحر"، وهو فيلم تحريك جاءت شخصياته المرسومة بالقلم الملوّن أكثر امتلاء بالمشاعر وأصدق من كثير من الشخصيات"الحقيقية"في الأفلام الأخرى. كل هذه الأفلام كانت أكثر تميّزاً وجمالاً من"المصارع".
وعلى رغم تناول اللجنة شريط تيغيا بنقاش طويل اقرأ حوار ماركو موللر في هذه الصفحة فقد دفع أداء ميكي رورك اللجنة إلى منح الجائزة الأساسية لفيلم"المصارع"الذي لم يتميّز في شيء إلاّ في أداء رورك، وهذا ما أكده رئيس لجنة التحكيم في شكل غير مباشر خلال الإعلان عن الجائزة عندما قال قبل فتح المظروف الذي احتوى على النتيجة:"أنا أعرف ما الذي يتضمّنه هذا المظروف. لكنني أود أن أعرب عن امتناني لميكي رورك عن أدائه المفعم بالروعة...". وبالفعل تقدّم ميكي رورك المخرج آرنوفسكي إلى الخشبة ونال التصفيق المدوّي الذي غطى على صوت فيندرس وهو يُعلن عن الجائزة.
وكأن فيندرس أراد التأكيد أن الفيلم نفسه كان يستحق الجائزة التي مُنحت له فقال:"نحن في اللجنة انتهينا إلى قناعة بأن نقترح على إدارة بينالي البندقية تعديل الفقرة التي تنص على عدم جواز منح الممثل أو الممثلة جائزة أفضل أداء في حال حصول الفيلم على الأسد الذهبي..."، ما أثار رد فعل قوياً من الإيطاليين الذين اعتبروا هذه الكلمات مسيئة الى نجمهم سيلفيو أورلاندو، الذي كان مُنح قبل دقائق فحسب، عن جدارة، جائزة"كأس فولبي لأفضل تمثيل رجالي". فيندرس اضطُرّ إلى الاعتذار عن الغموض الذي أثارته كلماته، وقال:"أود أن أوضح أن كلماتي تلك لم تكن تعني، في أي شكل من الأشكال، الإشارة إلى السيد سيلفيو أورلاندو، وأود أن أؤكد أن أداء السيد أورلاندو والجائزة التي مُنحت له لم يكونا موضع جدل على الاطلاق". بدورها، المحكّمة الإيطالية فاليريا غولينو، أكدت:"لقد تساجلنا وتناقشنا على الكثير من الأمور، إلاّ أن الجائزة إلى سيلفيو أورلاندو لم تستغرق منّا وقتاً طويلاً...".
وبصرف النظر عن جائزة التمثيل، فإن قرار منح الجائزة لهذا الفيلم اعتُبر من جانب كثير من النقّاد، في أفضل الاحتمالات إيجابية،"مثيراً للنقاش"وفي أقلّها ريبة"مثيراً للتساؤل"، إذ لم يمتلك الشريط ما يمنحه أولوية الفوز بهذه الجائزة المهمة، في وقت شهد المهرجان عدداً، ولو قليلاً، من الأفلام المميّزة. وأثار قرار اللجنة جدلاً كبيراً، ما دعا فيندرس إلى الإعلان أنه لن يشارك في لجنة تحكيم سينمائية أبداً من الآن وصاعداً، واصفاً عمل لجان التحكيم بپ"العمل الشاق". وقال في المؤتمر الصحافي الذي أعقب توزيع الجوائز:"كرئيس للجنة التحكيم، لم أمنح دائماً الجوائز للأفلام التي كنت أود مكافأتها"."المصارع"ميلودراما عادية مصنوعة في شكل جيّد تصور أفول بطل وتحوّله إلى كهل بقلب ضعيف. إلاّ أن عليه، على رغم الجلطة القلبية، مواصلة ممارسة المصارعة كي يعيش في وقت لا يتقن فيه ولا يطيق ممارسة أي مهنة أخرى.
سباق الفضاء
ومنحت لجنة فيم فيندرس جائزة"الأسد الفضي لأفضل إخراج"للمخرج الروسي ألكسي جيرمان جينيور عن فيلمه"جنود من ورق"الذي يعود فيه من خلال تصويره مصائر الأفراد، وتداعيات الأيديولوجيات إلى الاتحاد السوفياتي في ستينات القرن الماضي وسط حمى السباق على غزو الفضاء. وحاز هذا الفيلم أيضاً جائزة"أوزيلا"لأفضل تصوير سينمائي، ومنحت الجائزة لمديري التصوير في"جندي من ورق": أليشر خميدوييف ومكسيم دروزدوف.
وكما كان متوقّعاً حقق المخرج الأثيوبي المميّز هايلي جيريما انتصاره الشخصي والفني، ففيما كانت شركات الإنتاج الإيطالية رفضت الاشتراك في إنتاج فيلمه"تيزا"، حاز جيريما جائزتين مهمتين الأولى هي"جائزة لجنة التحكيم الخاصة"والثانية هي"أوزيلا"لأفضل سيناريو.
يذكر ان الفيلم الذي ساهمت ألمانيا في إنتاجه، يتناول حقبة طويلة من تاريخ الشعب الأثيوبي، وبالذات مرحلة نظام مينغيستو هيلا ماريام، ويُظهر بجلاء مقدار الخيبة التي أصابت فئات واسعة من اليسار الأثيوبي الذي عوّل على نهاية الإمبراطور وميلاد الدولة الجديدة، إلاّ أن مطحنة النظام العسكري الجديد المدجّج بإرهاب السلطة وبالشعارات الاشتراكية التي لم تجد طريقها إلى النور، هرست أبناءها قبل أعدائها.
ومنحت جائزة أفضل ممثل للإيطالي سيلفيو أورلاندو عن دوره في فيلم"والد جوفانّا"للمخرج الإيطالي بوبي أفاتي. بينما منحت الفرنسية دومينيك بلان عن دورها في فيلم"الآخر"كأس فولبي لأفضل ممثلة.
وفيما تجاهلت لجنة التحكيم إنجاز الكاتب والسيناريست المكسيكي المبدع غلييرمو آرّياغا"السهل الملتهب"والأداء الرائع للثنائي الجميل كيم باسنجر وتشارليز ثيرون، منحت جائزة مارتشيللو ماستروياني لأفضل طاقة شابة إلى الأميركية جنيفر لاورنس 18 سنة عن أدائها المتميّز في هذا الفيلم.
واستخدم فيم فيندرس صلاحية لجنة التحكيم الدولية في استباط أسد ذهبي خاص منحه للمبدع الألماني ورنر شروتر عن مجمل أعماله بعد أربعين سنة من العمل في السينما والمسرح أيضاً حيث أخرج سبعين مسرحية، وصور فيلماًَ في نابولي فاز بجائزة مهرجان تاور مينا، كما أخرج فيلماً تدور أحداثه في باليرمو في جزيرة صقلية قدم في مهرجان برلين.
وحققت أربع سيدات تجاوزن التسعين ومخرج"شاب"تجاوز الستين ما لم يحققه أحد في تاريخ مهرجان البندقية. إذ حصل فيلم"مأدبة غداء منتصف أغسطس"للمخرج جانّي دي غريغوريو والمشارك في مسابقة"أسبوع النقّاد"على جائزة لويجي دي لاورينتيس للعمل الأول وهو عبارة عن 001 ألف دولار توزّع مناصفة بين المخرج والمنتج، إضافة إلى ما قيمته أربعون ألف يورو من شركة كوداك تُقدّم إليه كشريط خام.
إلاّ أن الإنجاز الأكبر الذي حققه هذا المخرج بفيلمه الصغير هو أنه حقق طوابير لا نهاية لها في القاعات التي عُرض فيها، ما اضطر إدارة المهرجان إلى إقامة عروض إضافية واحتل الفيلم منذ اليوم الأول في الصالات العامة مقدم الإيرادات في شباك التذاكر.
مخرج الفيلم جاني دي غريغوريو، والذي عمل مساعداً للمخرج ماتيّو غارّوني الحائز جائزة مهرجان"كان"الأخير عن فيلمه"غومورّا"قال لپ"الحياة":"أنا سعيد بالضبط كما يُسعد طفل تصله هدية غير منتظرة. ما كنت أعلم أن هذا العمل الصغير سيتحول إلى نجاح كبير". وأضاف:"سبب هذا النجاح هو الحب والحيوية التي أضفتها السيدات الأربع اللاتي مثّلن معي".