العرب، لسبب ما، يتكلمون بصوت مرتفع: ليس دفاعاً عن حقوقهم وحرياتهم المهدورة ولا في وجه استضعافهم في السياسات الخارجية. هم يتحدثون في مطار بودابست تماماً كما يتحدثون في مقاهي لندن بصوتٍ عال ونبرة واثقة كأنها تستعد بشغفٍ مطلق للقبض على فريسة ما. أينما ذهبت في العالم لا أسمع سوى العربية توقظ سهوي. أحياناً أخال نفسي أهلوس. من عساه يتكلم العربية في قرية بريطانية نائية؟! ربما أحدهم قصدها مثلي. لكن هذا الأحدهم لا يمر مرور الكرام، لا يجلس بهدوء لقراءة كتاب، ولا يخفض صوته حين يتحدث على الهاتف. أذكر أول مرة إستقلّيت القطار في لندن أحسست بانزعاج تام من السكوت المطلق وأذكر أني خفت أن أغفو وأضيع. ها أنا في مطار بودابست اجلس بقرب رجلٍ إسرائيلي كنت مقتنعة بأنه لبناني ومرتاحة لأنه يقرأ بسكوت حتى اكتشفت أنه يقرأ العبرية وينتظر طائرة تل أبيب. مضحك: هو عدو صامت! هذا بعدما أوقفتني امرأة سورية تسألني عن ديني لأنها تبحث عن زوجة لإبنها الناجح الذي يسكن في السويد. وبعد أن أمرني رجل عراقي بالذهاب فوراً لترجمة ما تقوله له المضيفة، إذ أخبرته المرأة السورية بأني آتية من لندن، وعلم الجميع بأني أجيد الانكليزية. هكذا انهالت عليّ مسؤوليات عديدة وغريبة وتحولت من فتاة تجلس قرب حبيبها يتهامسان بوعود ومشاريع في مطار لندن إلى فتاة تصرخ ليسمعها الصارخون في مطار بودابست. أخاف مما سأصبح في مطار بيروت بعد خمس ساعات، هل سأنهال على الجميع بنظرات خبيثة وفضولية، هل سأشعر بأن حريتي الشخصية كفرد عربي تسمح لي بالسؤال عن دين فريستي منذ أول لحظة وعن عدد افراد عائلتها ومدخولهم الشهري؟ جاري الاسرائيلي لطم رجله برجلي واعتذر. اعتذر بالإنكليزية. لم أرد، ليس لأن ملكة جمال لبنان تعد كل سنة بأن لا تتكلم مع نظيرتها الاسرائيلية، بل لأنني شبه مصدومة. لست الوحيدة التي تعود إلى بيروت بعد تسعة أشهر من الغياب لكنني أحب المواقف الدراماتيكية وأومن بأني أعيش فيلما طويلا طوال الوقت، أبطاله غرباء وبطلته الرئيسيّة أنا نفسي لم تظهر في أية لقطة بعد. خيالها فقط، صورتها، دعسات أرجلها في مطار ما، همسات بعيدة خلف حائط، يدان تمسحان الدموع الصامتة لحبيبها غير العربي في مطار لندن. ملاحظة: هي تكره المطارات كرهاً شديداً؟ * كاتبة وفنانة لبنانية.