صعود أسواق أسهم الخليج مع تقدم مفاوضات التجارة الأميركية    "سلمان للإغاثة" يدشّن بمحافظة عدن ورشة عمل تنسيقية لمشروع توزيع (600) ألف سلة غذائية    ترمب سيخير نتنياهو بين استمرار الحرب وبلورة شرق أوسط جديد    نيابةً عن ولي العهد.. وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة بريكس    الهلال يحسم مصير مصعب الجوير    المملكة.. يد تمتد وقلب لا يحده وطن    أمانة القصيم تنفّذ 4793 جولة رقابية بالأسياح    اعتماد مركز المهارات الفنية بتبوك من جمعية القلب الأميركية    الدحيل يضم الإيطالي فيراتي    القيادة تهنئ حاكم جزر سليمان بذكرى استقلال بلاده    كييف: هجمات روسية توقع 40 بين قتيل وجريح    تقرير «مخدرات تبوك» على طاولة فهد بن سلطان    «الشورى» يقر توصيات لحوكمة الفقد والهدر الغذائي والتحوط لارتفاع الأسعار    استنسخوا تجربة الهلال بلا مكابرة    أمير القصيم يشكر القيادة على تسمية مركز الملك عبدالعزيز للمؤتمرات    الأسطورة السينمائية السعودية.. مقعد شاغر    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح منتدى الحوار الصناعي السعودي - الروسي    تراجع أسعار الذهب مع ارتفاع قيمة الدولار    جائزة الأمير محمد بن فهد لأفضل أداء خيري تؤثر إيجابيا على الجمعيات والمؤسسات    مهاجم الهلال.. أمل أوسيمين وفكرة فلاهوفيتش    نائب أمير جازان يطّلع على تقرير عن أعمال فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    نائب أمير جازان يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة "تراحم"    ألمانيا تسجل 2137 حالة وفاة مرتبطة بالمخدرات العام الماضي    أمير جازان يستقبل مدير فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    648 جولة رقابية على جوامع ومساجد مدينة جيزان    وكالة الفضاء السعودية تطلق جائزة «مدار الأثر»    بدءاً من الشهر القادم وحسب الفئات المهاريةتصنيف رخص عمل العمالة الوافدة إلى 3 فئات    السلطات التايلندية تنقذ طفل العزلة من"النباح"    الجحدلي وعبدالمعين يزفان سلطان وحنين    ضبط 10 مخالفين و226 كجم من المخدرات    "فلكية جدة": الأرض تستعد لمجموعة من أقصر الأيام    يسعى لحصر السلاح.. نواف سلام يتمسك ب"استعادة الدولة"    هجوم مسلح على سفينة قرب ساحل الحديدة    نيوم يعزز التواجد الفرنسي في دوري روشن بالتعاقد مع غالتييه    بعد إصابته المروعة.. بايرن ميونيخ يتعهد بمساعدة موسيالا حتى التعافي    335 ألف متدرب في برامج التدريب التقني خلال عام    «الحارس» يعيد هاني سلامة إلى السينما    كيف يخدعنا الانشغال الوهمي؟    السلمي مديراً للإعلام الرقمي    (1.7) مليون سجل تجاري في المملكة    الحب طريق مختصر للإفلاس.. وتجريم العاطفة ليس ظلماً    لسان المدير بين التوجيه والتجريح.. أثر الشخصية القيادية في بيئة العمل    "تاسي" يغلق على ارتفاع    علماء يكتشفون علاجاً جينياً يكافح الشيخوخة    "الغذاء والدواء": عبوة الدواء تكشف إن كان مبتكراً أو مماثلًا    اعتماد الإمام الاحتياطي في الحرمين    إنقاذ مريض توقف قلبه 34 دقيقة    العلاقة بين المملكة وإندونيسيا    التحذير من الشائعات والغيبة والنميمة.. عنوان خطبة الجمعة المقبلة    مستشفى الملك فهد بالمدينة يقدم خدماته ل258 ألف مستفيد    تركي بن هذلول يلتقي قائد قوة نجران    أحداث تاريخية وقعت في جيزان.. معركة الضيعة وشدا    تمكين الهمم يختتم عامه القرآني بحفل مهيب لحَفَظَة القرآن من ذوي الإعاقة    ترحيل السوريين ذوي السوابق الجنائية من المانيا    الرياض تستضيف مجلس "التخطيط العمراني" في ديسمبر    ألف اتصال في يوم واحد.. ل"مركز911"    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسطينيون ... من النكبة إلى النكسة إلى المأساة
نشر في الحياة يوم 03 - 07 - 2007

كلما مرت على الأمة العربية ظروف صعبة وتحديات قاسية فوجئنا بأنها ليست الأسوأ لأن الأسوأ لم يأت بعد! ففي عام 1948 قامت الدولة العبرية تحت ما تطلق عليه إعلان الاستقلال، وظل الفلسطينيون والعرب يتباكون على أحداث النكبة إلى أن حلت سنة 1967 ومعها النكسة بهزيمة عسكرية غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، ولكن ظل الرهان الدائم متجسداً في الوحدة الوطنية الفلسطينية وصلابتها باعتبارها عصية على الاختراق متماسكة الأطراف، ولكن عندما جاء عام 2007 وفي حزيران يونيو - شهر النكسة - حدثت المأساة عندما سقطت الوحدة الوطنية الفلسطينية فريسة للاقتتال الداخلي والعنف الدموي وحقق الفلسطينيون لإسرائيل حلم أحلامها بعد أربعين عاماً بالتمام والكمال من نكسة حزيران 1967. ولعل اللافت للنظر هو أن النكبة والنكسة كلاهما كانتا نتيجة لأحداث خارجية وتدخلات أجنبية أما هذه المرة فإنه يبدو أن فينا ما يكفينا، كذلك فإن الأشقاء الفلسطينيين خصوصاً في حركة"حماس"تكفلوا بانقلاب كامل على السلطة في ظل ظروف إقليمية ملتهبة وأوضاع دولية غير مواتية ولعل ذلك يثير أمامنا الملاحظات التالية:
أولاً: إن الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية هو حلم تاريخي سعت إليه إسرائيل دائماً ومارست في سبيله أساليب وسياسات ملتوية على امتداد الفترة التي تلت هزيمة عام 1967 وكانت تأمل دائماً أن ترى غزة مرة أخرى تحت الإدارة المصرية، وربما كانت تريد أن تدخل الضفة تحت الإدارة الأردنية أيضاً، ذلك أنها تفضل أن تكون حدودها المشتركة مع مصر والأردن بدلاً من التعامل مع سلطة فلسطينية وهذا النوع من التفكير الأحمق كان دائماً جزءاً من الاستراتيجية الإسرائيلية التي تريد أن تضرب العلاقة بين الأشقاء الفلسطينيين وتعزل الضفة عن القطاع، والشواهد كثيرة لما نقول وهي تثبت كلها أن إسرائيل هي الرابح الوحيد من التطورات المأسوية الأخيرة.
ثانياً: إن ما حدث في 14 حزيران 2007 هو تفكيك جغرافي للقضية الفلسطينية بعد التفكيك السياسي الذي تعرضت له في السنوات الأخيرة، فلقد كنا نفاخر دائماً بالوحدة الوطنية الفلسطينية ونعتبرها الصخرة التي تحطمت عليها المؤامرات الإسرائيلية في مناسبات كثيرة، ولا بد أن أعترف هنا أن الوحدة الوطنية الفلسطينية اجتازت اختبارات صعبة ومواقف معقدة وصمدت في مواجهة ظروف شديدة الحساسية إلى أن كان انهيارها المفاجئ في الشهور الأخيرة والذي سبقته حالة من التدهور التدرجي منذ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية.
ثالثاً: إن حجم العنف الذي جرى في غزة يعكس حال الاحتقان الشديد وأزمة الثقة المفقودة وحال التعبئة لدى كل من"حماس"و"فتح"بصورة تدعو إلى التساؤل حول الأسباب الكامنة وراء ما حدث، فالانقلاب الذي قامت به"حماس"على السلطة الشرعية الفلسطينية - رغم أننا لا نجادل كثيراً في شرعية وصول"حماس"إلى السلطة من خلال انتخابات تشريعية لا تشكيك في نزاهتها - هو تعبير عن تطور خطير لا يمكن قراءته بعيداً عما يجري في المنطقة كلها. فالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وإيران والعرب كلهم لاعبون على الساحة الفلسطينية مباشرة أو بالوكالة، إلا أن قمة المأساة تبدو في نوعية الممارسات العنيفة التي اتجهت إليها"حماس"عندما تحدث عدد من قادتها عن التحرير الثاني لغزة، حتى أنزل بعضهم العلم الفلسطيني ورفعوا علم"حماس"وقذفوا ببعض عناصر"فتح"من الطوابق العليا في البنايات ليسقطوا صرعى بيد أشقائهم لا بيد إسرائيل، كما أن بعض جثث عناصر"فتح"في غزة وجد فيها ما يزيد على ثلاثمئة طلقة رصاص بالإضافة إلى عمليات تكسير عظام القدمين بالطلقات السريعة ثم امتد الأمر إلى تمثال النصب التذكاري للجندي المجهول والذي يرمز إلى شهداء القضية من المصريين والفلسطينيين معاً بالطريقة نفسها التي اسقط بها بعض العراقيين تمثال الرئيس السابق صدام حسين في بغداد عام 2003 وفي ذلك كله تجاوز للأعراف التي عاش عليها الفلسطينيون لمئات السنين خصوصاً أن قيادات"حماس"و"فتح"كانوا أقسموا أمام البيت الحرام على احترام"اتفاق مكة"ولكنهم حنثوا اليمين وخرقوا ما جرى الاتفاق عليه.
رابعاً: إن القضية الفلسطينية قضية وطنية قبل أن تكون قضية دينية كما أن كل التجارب والممارسات التي استخدمت الدين في السياسة كانت دائماً على حساب الدين لأنه يعتمد على المطلق بينما السياسة تتعامل مع ما هو نسبي، والحركة الوطنية الفلسطينية شارك فيها مسلمون ومسيحيون وربما يهود أيضاً لذلك فإن تديين الصراع هو خطأ كبير، فعندما نتحدث عن القدس الشرقية مثلاً فإننا نتحدث عن أرض فلسطينية جرى احتلالها في الخامس من حزيران 1967 وبذلك ينطبق عليها القراران 242 و338 اللذان أصدرهما مجلس الأمن حول النزاع في الشرق الأوسط ومثل هذا التفكير يعفينا من متاهات الجدل الديني والحجج الروحية المتعارضة لأبناء الديانات التوحيدية الثلاث.
خامساً: إنني أظن - بموضوعية ومن دون تحامل - أن حركة"حماس"اتخذت مواقف تحكمية فهي التي ترفض اتفاق اوسلو ثم تشارك في الانتخابات التشريعية التي هي إحدى إفرازات اوسلو وأهم آليات السلطة الوطنية وهذا الاختيار التحكمي للمواقف يدعو إلى القلق لأن الديموقراطية هي صفقة متكاملة لا ننتقي منها ما نريد ونرفض ما نشاء، وأظن أن هذه النقطة بالذات هي عامل مشترك يجمع حركة"حماس"مع فصائل"الإخوان المسلمين"الأخرى في المنطقة العربية.
سادساً: إننا لا ننكر نضال حركة"حماس"وتضحيات كوادرها في الانتفاضتين الأولى والثانية، ومع ذلك فنحن لا نتجاهل حقيقة أخرى مؤكدة وهي أن حركة"فتح"هي حركة نضالية بدأت بالطلقة الأولى في كانون الثاني يناير 1965 وقدمت شهداء للوطن الفلسطيني من طراز أبو عمار وأبو أياد وأبو جهاد وأبو الهول وأبو اللطف وأبو مازن وكمال ناصر ومحمد عدوان وغيرهم من شهداء فلسطين وقيادات حركة"فتح"التاريخية، لذلك فإن اختزال تاريخ"فتح"الآن في ما يقال عن ترهلها وانتشار الفساد بين قياداتها السياسية والأمنية هو تقزيم للحقيقة وظلم للتاريخ وإنكار للواقع ونحن لا نتجاهل وجود أخطاء لدى حركة"فتح"أدت إلى حصول حركة"حماس"على الأغلبية في مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني لأسباب لا تتصل ببرنامج"حماس"قدر اتصالها بأخطاء"فتح"وانحرافات بعض قياداتها في ظل نوع من التصويت العقابي يشبه ذلك الذي حصل بسببه"الإخوان المسلمون"على مقاعد البرلمان المصري.
سابعاً: إن قيام حركة"حماس"في منتصف الثمانينات وفي ظل ظروف معروفة للجميع يجب أن يرتبط هو الآخر بمستقبل علاقتها مع الدولة العبرية بل ومستقبل علاقتها بالمجتمع الدولي كله، إذ أن حركة"فتح"كانت تمثل غطاءً في التعامل الخارجي يعفي كوادر"حماس"من الاتصال المباشر بالمسؤولين الإسرائيليين في ظل فلسفة الحركة الرافضة للتعامل مع الكيان العنصري الصهيوني، لذلك بدأت تتردد حالياً روايات غير مؤكدة - وأنا شخصياً أشكك في سلامتها - عن قنوات اتصال مستمرة بين قيادات حركة"حماس"والسلطات الإسرائيلية من خلال سجناء"حماس"وراء القضبان الإسرئيلية على نحو يثير الدهشة ويدعو إلى التساؤل.
ثامناً: لقد كنت أتوقع أن يحدث الانقسام غداة إعلان الاستقلال الفلسطيني عند استعادة الأرض المحتلة والوصول إلى العاصمة المقدسة مثلما حدث مع كثير من حركات التحرر الوطني، ففي اليمن الجنوبي مثلاً كانت هناك حركتان للنضال ضد الاستعمار البريطاني هما"الحركة القومية"بقيادة عبدالقوي مكاوي و"الحركة الشعبية"بقيادة قحطان الشعبي وهو الذي أصبح أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبي بعد الاستقلال، كما أن روديسيا الجنوبية المسماة الآن زيمبابوي كان لديها قائدان للتحرر الوطني احدهما جوشوا نكومو والثاني روبرت موغابي الذي أصبح رئيساً للجمهورية منذ الاستقلال حتى الآن، وما نريد أن نقوله في هذه النقطة هو أن حركة التحرر الوطني الفلسطيني - الذي دفع أغلى فاتورة دم في التاريخ المعاصر - كان يجب أن تحافظ على وحدتها في ظل الاحتلال وعندما يزول الأخير فإن لكل حادث حديث.
تاسعاً: إن الانقسام الذي شهدته الساحة الفلسطينية والاقتتال بين"حماس"و"فتح"أدى إلى انقسام آخر في أرجاء الوطن العربي كله بين مؤيد ل"فتح"وآخر متحمس ل"حماس"، وأذكر هنا أنه عندما ترددت أسماء معينة مرتبطة بالملف الأمني الفلسطيني فإن الاتهامات كانت جاهزة من الطرفين بصورة أحدثت استقطاباً شديداً في أنحاء العالم العربي حتى بلغ الأمر أنني سمعت في إحدى الفضائيات العربية مواطناً خليجياً يقول: إن الفسلطينيين لا يستحقون حالياً الدعم المادي العربي ما داموا يتقاتلون في ما بينهم بدلاً من أن يواجهوا الأطماع الصهيونية، والجدير بالذكر هنا أن أزمة من الثقة المتبادلة خلقت فجوة بين الفلسطينيين وأشقائهم العرب وذلك نتيجة حالة التشرذم والإحباط التي نمر بها في السنوات الأخيرة.
عاشراً: إن مصر تشعر بقلق خاص تجاه ما جرى على حدودها الشرقية وتدرك خطورة الموقف عندما تسيطر"حماس"منفردة على قطاع غزة في ظل الإشكالية التاريخية بين جماعة"الإخوان المسلمين"والحكومة المصرية، وذلك ما يدفعنا إلى تقييم بعض الإجراءات في المستقبل المنظور حتى لا تظل سيناء أرضاً خالية تحرك أطماع الإسرائيليين في تصريحات مشبوهة من حين إلى آخر، فالصراع لم ينته وإسرائيل هي دائماً إسرائيل التي لا تقدم مبادرات بناءة تمهد لما هو قادم في مستقبل التسوية في الشرق الأوسط.
هذه ملاحظات عشر أردنا بها أن نوضح حجم المأساة الدامية المرتبطة بما جرى في غزة عام 2007 وهي على موعد دائم مع شهر حزيران يونيو. ألم أقل لكم إنه شهر المآسي والأحزان؟!
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.