العطلة التي عاشتها الكويت في مناسبتي اليوم الوطني وعيد "التحرير" في 25 و26 شباط فبراير لم تنس الحكومة معضلتها، اذ يتعين عليها خوض مخاطرة التصويت على الثقة في مجلس الأمة البرلمان في أحد وزرائها يوم بعد غد الاثنين أو تلافي ذلك بتعديل أو تدوير وزاري، وكلا الخيارين مر ومحفوف بالمخاطر ويخلط أوراقاً كثيرة. وبحسب وصف متابعين للشأن السياسي في الكويت، فإن الحكومة ربما تكون"غرقت في شبر ماء"اذ استهانت بالاستجواب الذي تقدم به ثلاثة نواب ضد وزير الصحة الشيخ أحمد عبدالله الأحمد وافترضت انه سينتهي بإصدار توصيات أو تشكيل لجنة تحقيق في أوضاع الخدمات الصحية، غير ان الاستجواب الذي نوقش في التاسع عشر من شباط فبراير الفائت انتهى بتقديم عشرة نواب طلباً بالتصويت على الثقة، وهو تصويت يشارك فيه النواب المنتخبون فقط ولا تملك الحكومة تأثيراً حاسماً في نتائجه. قيادي في المعارضة الكويتية قال لپ"الحياة"ان سبب تطور الاستجواب الى تصويت على الثقة يعود الى وزير الصحة نفسه الذي أبلغ مجلس الوزراء في اجتماع سابق للاستجواب انه لا يواجه أي صعوبة في التعامل مع النواب المستجوبين والرد على مزاعمهم ضده بالإهمال والتقصير، وأن علاقاته الوثيقة بكثير من النواب ستحول دون خروج الاستجواب عن حدوده، غير ان ما حدث كان مختلفاً وكانت جلسة الاستجواب في كفة المستجوبين لا الشيخ أحمد الذي لم يعثر إلا على نائب واحد بين 49 نائباً يتحدث مؤيداً له. ويقول القيادي ان الوزير عاد بعد الجلسة فلام الحكومة لأنها لم تفعل ما هو كاف لمساندته ولم تمارس الضغوط المطلوبة على بعض النواب، خصوصاً أنه أول وزير يتعرض للتصويت على الثقة به برلمانياً وينتمي الى ذرية الشيخ مبارك الكبير حكم 1897 - 1915 الذين ينحصر فيهم حق تولي منصب الإمارة. وتسرب عن"جبهة"الحكومة خلال الأيام الفائتة انها أجرت اتصالات مع نواب لكسب تأييدهم عند التصويت على الثقة الاثنين، خصوصاً بين الموالين لها الذين يسمون أنفسهم بپ"المستقلين"وكذلك نواب"كتلة العمل الوطني"وهم ليبراليون ومعتدلون، بينما زعم النواب المعارضون للوزير أحمد العبدالله انهم يملكون 23 صوتاً على الأقل ضده، وهذا أقل من صوتين فقط من الرقم المطلوب لسحب الثقة، ما يعني ان دخول جلسة طرح الثقة يبقى مخاطرة كبيرة للوزير وللحكومة. وفي غضون ذلك حفلت الصفحات الأولى من الصحف الكويتية بعناوين منسوبة الى"مصادر عليا"أو"مصادر حكومية"تحكي السيناريو المتوقع لنهاية الأزمة، بينما هي في الحقيقة تحكي التوجه السياسي لكل صحيفة ما بين مؤيدة للوزير ومعادية له أو ساخطة على الوضع كله. وتترواح"السيناريوات"ما بين قبول استقالة الوزير أحمد العبدالله وتعيين بديل الى مواجهة كبيرة وحل البرلمان وتعليق الدستور! والأرجح هو أن تنتهي القضية بتعديل أو تدوير وزاري. هذا التعديل ربما يتضمن تدويراً للحقائب ينزع فتيل استجوابات أخرى، لا سيما ضد وزير المال بدر الحميضي، بينما يقول سياسيون التقوا مراجع سياسية عليا انهم رصدوا سخطاً كبيراً لديها مما يحدث في مجلس الأمة وأنها ترى ان التعديل الوزاري سيؤجل المشكلة ولا يحلها، ولوحت هذه المراجع باتخاذ قرارات متشددة ضد البرلمان قد تتضمن حله وإجراء تعديلات على الدستور، وهي خطوة نفى رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد ان تكون الحكومة عازمة عليها، لكنه انتقد في حديث لمجلة"المصور"المصرية الاستجواب الأخير وحذر من"تحول الاستجوابات الى وسيلة للتخريب ولمصالح شخصية"ودعا النواب الى مراعاة ان"ظروف المنطقة المحيطة بنا لا تتحمل التأزيم والشحن السياسي". وعلى هامش أزمة وزير الصحة عاد الصراع بين الليبراليين والإسلاميين ليطفو على السطح بعد الهدنة والتفاهم اللذين جريا بين الجانبين خلال الانتخابات البرلمانية التي عقدت الصيف الماضي ونجمت عنها خسارة كبيرة لليبراليين. وشنت صحف وكتاب ليبراليون هجوماً على"الحركة الدستورية الاسلامية"خصوصاً، قائلين انها عقدت صفقة مع الحكومة قبيل استجواب الشيخ أحمد ثم نكثت وشاركت في مقترح التصويت على الثقة بعدما كانت وعدت بالتهدئة، وهي تهمة نفتها الحركة وقال أمينها العام الدكتور بدر الناشي في حديث الى إحدى الصحف الكويتية ان الحركة أبلغت الحكومة قبل ثلاثة أيام من الاستجواب انها لا ترى أي جدية من جانب الوزير المختص في معالجة الوضع الصحي، وتمنى الناشي أن تحل الحكومة المسألة قبل موعد التصويت على الثقة"في أي اتجاه سواء بالتدوير الوزاري أو تحديد موقف من طرح الثقة". مع ذلك، فإن أقطاباً في الحكومة بدوا فعلاً ساخطين على"الحركة الدستورية الاسلامية"ويحملونها مسؤولية الاخفاق في جلسة الاستجواب ويطالبون بسحب"مكاسب"اعطيت للحركة التي ترى - من جانبها - ان المكاسب الحكومية انما هي من نصيب الليبراليين. وفي اطار مختلف فسر بعض المعلقين السياسيين أزمة استجواب وزير الصحة بأنها فصل آخر من فصول الخلاف والتنافس بين الأقوياء داخل الأسرة الحاكمة، وأن هناك بينهم من يسعى الى حرمان حكومة الشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء من فرصتها في النجاح أو هو ساخط من استبعاده من المشاركة في الحكومة، بينما يرى آخرون ان متضررين من المبادرات الإصلاحية لهذه الحكومة - وبينهم نافذون في طبقة التجار - دخلوا على خط الاستجواب وحرضوا نواباً على التصعيد لإحراج الحكومة والدفع نحو تعديل وزاري يستبعد وزراء يعتبرون انهم وراء بعض الخطوات التي اتخذتها الحكومة لإصلاح الوضع الاقتصادي وإنهاء التعديات على القانون، خصوصاً إلغاء مجلس الوزراء كثيراً من العقود العامة مع شركات ذات ثقل في السوق بسبب إخلالها ببنود هذه العقود. وليست الحكومة وحدها في مأزق بسبب استجواب وزير الصحة، فالمعارضة وجدت نفسها في حالة من التفكك وتضارب المصالح وتبادل الاتهامات سراً وعلناً، فنواب في"الكتلة الإسلامية"التي قادت الاستجواب يتهمون زملاء لهم التجمع الشعبي بالانتهازية ومحاولة عرقلة الاستجواب لأجل استجواب خاص بهم ضد وزير المال، ونواب"كتلة العمل الوطني"يخشون إن هم ساندوا الوزير أحمد العبدالله في جلسة التصويت على الثقة أن يسجل عليهم - شعبياً - ان أول مواقفهم المهمة في البرلمان كانت الى جانب الحكومة وسيفقدون دعم الكتل الأخرى في قضايا وملفات مهمة مقبلة. أزمة وزير الصحة قد تنتهي خلال أيام بتعديل وزاري كبير كما هي معظم التوقعات، لكن معظم الأطراف المعنية لن تخرج بمكاسب، فالجميع يبدو خاسراً وعلى رأسهم الوزير نفسه.