أخيراً أصبح في إمكان الحاج داوود الجلوس في أمان أمام متجره في انتظار الزبائن ... ولكن للأسف لا يوجد أي منهم. يقول الحاج داوود صاحب المتجر البالغ من العمر 65 عاماً إن"الناس عاطلون عن العمل، لذلك لا يملكون المال الكافي لإنفاقه على التسوق". وكان يجلس بين صناديق أجهزة كهربائية ومكاتب خشبية يعرضها للبيع في حي جسر ديالى على المشارف الجنوبيةالشرقيةلبغداد. قبل خمسة شهور، دارت معارك بين مقاتلي تنظيم"القاعدة في بلاد الرافدين"وميليشيات شيعية للسيطرة على هذه المنطقة. ولم تكن جرائم الخطف مستغربة، فيما أغلقت المتاجر والمكاتب التجارية أبوابها. وكانت الرحلة لمجرد التسوق، تمثل مخاطرة. أما الآن، فيتسم الوضع بالهدوء، وأعادت المتاجر فتح أبوابها. لكن مسؤولين محليين يشكون من أن نسبة البطالة بلغت 60 في المئة، فيما الخدمات الأساسية متداعية. ويلعب الأطفال كرة القدم قرب أكوام من القمامة تُركت في الشوارع لتتعفن. ويقع هذا الحي الذي تسكنه غالبية شيعية قرب المكان الذي يفيض فيه نهر ديالى في نهر دجلة على المشارف الجنوبيةالشرقية للعاصمة، وهو مثال لشكل العراق الذي بدأ يتشكل. فمع تراجع العنف في أنحاء البلاد بدأ العراقيون يعدون قوائم بمطالب جديدة، فبدلاً من أن يطلبوا من القوات العراقية والأميركية الحماية الأمنية، فإنهم أصبحوا يتطلعون إلى فرص عمل وتحسين الخدمات الأساسية. يقول رئيس المجلس البلدي حيدر عبدالرزاق إن الحكومة العراقية، وباستثناء مشروع تحديث شبكة المياه الذي كلف 900 مليون دينار عراقي 720 ألف دولار،"لم تنفق ديناراً واحداً على حي الجسر منذ عام 2003". ويضيف للميجور - جنرال ريك لينش قائد الفرقة الثالثة مشاة من الجيش الأميركي المسؤولة عن الامن في محافظاتجنوببغداد، أن"لدينا قائمة من المطالب التي تصل تكلفتها الى حوالي 20 بليون دينار". وتفيد القوات الأميركية أن الهجمات في العراق انخفضت بنسبة تتجاوز 55 في المئة، منذ نشرت الولاياتالمتحدة 30 ألف جندي إضافي هذا العام. كما أن القادة العسكريين ينسبون الفضل في تراجع العنف الى تشكيل دوريات الاحياء غير الرسمية، وتجميد نشاطات"جيش المهدي"الموالي للزعيم الشيعي مقتدى الصدر. يقول لينش الذي أمضى حوالي ساعة يتحدث إلى أصحاب المتاجر والمسؤولين المحليين إنه سعيد لأن الامن لم يعد كبرى أولويات هذه المنطقة. ويضيف أن"موضوع المناقشة اختلف الآن... قبل ذلك كنا نسمع كلمات مثل هناك أشقياء. أنا خائف على أسرتي... ساعدني أيها الجنرال. لقد تجاوزنا هذه المرحلة الآن". ويقول الكابتن برايان جيلبرت قائد سرية من الجيش الأميركي تحرس المنطقة ذاتها إن المشي على شوارع جسر ديالى كان قبل خمسة أشهر"مغامرة غير محسوبة". ويوضح:"عندما جئنا إلى هنا للمرة الأولى، كان العنف الطائفي خطراً كبيراً يحدق بالسكان... كان هناك كثير من أفراد جيش المهدي وأفراد القاعدة الذين كانوا يتقاتلون وكانوا يلجأون الى الخطف كوسيلة لتسهيل ذلك". إلا أن البطالة أصبحت الآن واحدة من كبرى مشكلات هذا الحي. وقبل الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة عام 2003 لاطاحة الرئيس صدام حسين، كان يلتحق كثير من السكان بالجيش العراقي، ويعملون في صناعات حربية. إلا أن الولاياتالمتحدة حلّت الجيش وحرمت كثيراً من رجال المنطقة من أعمالهم. وكان هناك سكان آخرون يعملون في مصانع الطوب في بلدة النهروان المجاورة، والتي ما زالت مغلقة حالياً. "عبد الرزاق"الذي كان يرتدي بدلة بنية فاتحة وربطة عنق داكنة، طلب من لينش المساعدة في إصلاح مصانع الطوب، وبناء سوق ومصانع جديدة في منطقة واسعة كانت الميليشيات ترتكب فيها جرائم قتل. يقول لينش لمسؤولين محليين"نحن هنا لنساعدكم وسيسرنا إنفاق أي مبالغ مطلوبة لمساعدتكم على تحقيق ما ترغبون فيه". ويضيف أن"علينا الآن أن نركز على الاقتصاد وعلى الحكم"، بما أن الوضع الأمني تحسن بحيث أصبح من الممكن السير في الشوارع في أمان ومن دون خوف. ولكن في متجر لبيع السيارات في مكان مجاور، يشكو حمدي عابد وادي 19 عاماً للينش من أن القوات الأميركية والعراقية لا تبذل الجهد الكافي للمساعدة في هذا الحي. ويضيف أن القوات العراقية توقف حركة مرور السير على الجسر الوحيد الذي يربط الحي بوسط بغداد حيث يدرس اللغة الفرنسية في إحدى الجامعات، ثم سلم إلى الجنرال الأميركي لائحة بأرقام سيارة"همفي"أميركية أطلقت الرصاص على إطارات سيارة"من دون سبب". ويتابع:"اذا حدثت حال طوارئ ليلاً، لا يمكن لأي أحد عبور الجسر... لا يوجد مستشفى هنا"، إلا أن لينش ردّ قائلاً"أنتم مستقبل العراق... أحب حماتكم. علينا التعاون معاً".