هل المشكلة هي في أغلب الملحنين المستعجلين على الشهرة في لبنان والعالم العربي، لأنهم"يسرقون"الحان الأغاني الناجحة قديماً وحديثاً ويعيدون تقديمها مع بعض التعديل الطفيف الذي يُرى أحياناً، وأحياناً لا يُعرف ولا يُسمع إلا بالأذن اللاقطة لا اللقيطة... أم المشكلة هي في نجوم الغناء العربي الذين قد يعرفون وقد يكتشفون وقد يتأكدون بالتمام والكمال أن هذه الأغنية أو تلك التي يدخلون الاستديو لتسجيلها مسروقة بالحرف والنقطة والفاصلة والنوتة من هنا أو هناك ومع ذلك ينشدونها، ثم يصفّحون أنفسهم ضد أي نقد أو كشفٍ لمستور السرقة التي تبنوها وأطلقوها بأصواتهم؟! أين هي المشكلة؟... هل هي في ذاك الملحن السارق، أم في ذلك النجم الغنائي الذي تكتم على السرقة وعامَ عليها كما يعُوم رذاذ مياه البحر ويتبدد بعد أن"يرتفع"قليلاً، أم ? وهذا مهم جداً ? المشكلة هي في شركة الانتاج التي لا تراقب ولا تحاسب وثلثهم ينهم كل ما يُرمى اليها من العظام من بيوت الملحنين"السِّباع"الذين يعرفون من أين تؤكل كتف الألحان وباتت خبرتهم في هذا المجال لا تُجارى، وتشبه الى حد كبير عمل المافيات التي ترتكب أبشع الجرائم من دون أن تترك أثراً يدل عليها، واذا تركت ? بالصدفة ? أثراً فإنها تداويه بجريمة جديدة ولكن ضدّ من اكتشفت الجريمة هذه المرة، أو بالتمادي في جرائم أخرى تبعاً لنظرية"وداوني بالتي كانت هي الداءُ"؟ في الماضي القريب والبعيد كان"اكتشاف"سرقة لحن، عبر الصحافة، حدثاً مدوياً وخطيراً بالنسبة الى الملحن السارق، قد يدعوه هو نفسه الى اقصاء نفسه بعيداً من زملائه فترة معينة خجلاً، أو قد يجعل نجوم الغناء يبتعدون عنه ويتحاشون التعامل معه حتى لا يصابون بلعنة"السرقة"معه في الحان أخرى، ولهذا كان الملحنون يسعون الى تجديد أنفسهم وتجاربهم بالثقافة الموسيقية والفنية باستمرار... أما اليوم، فإذا ما تم اكتشاف سرقة لحن فالنتائج معكوسة: يحل الملحن فوراً ضيفاً عزيزاً على عدد من وسائل الإعلام للدفاع السخيف عن ألحانه حتى ولو لم يُقنع بوجهة نظره مجرد أي عابر سبيل ثم يتضاعف عدد وسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية التي تبث اللحن المسروق من أجل ترويجه أكثر ربما!، ثم يتهافت نجوم الغناء على شراء ألحان جديدة مسروقة بالتحديد من الملحن السارق. ولعلّ النتيجة المؤسفة والعجيبة من بين كل تلك النتائج هي تحوُّل الملحن بين ليلة وضحاها نجماً، وانقلاب وضعه المادي من مديون، الى صاحب ثروة خلال أشهر قليلة ب"فضل"ذلك الملحن. ومن لا يصدق ما عليه إلا أن يراجع أسماء"الملحنين"الذين برزوا أخيراً ليتعرف الى هذه الحقيقة المميتة. ان أخطر ما يعانيه واقع الأغنية العربية هو عقل نجم أو نجوم الغناء اليوم. بات عقل النجم يلتفت فقط الى الأغنية"المهضومة"كما يقول جميعهم. و"المهضومة"تعبير يردفه نجم الغناء بالقول انه يريد اغنية يحفظها الجمهور. لا يهم ماذا تقول الأغنية نصاً ولحناً، المهم أن تُحفظ فور سماعها، وأن تدغدغ الذاكرة بشيء مشابه من قَبل كي يسهل مرورها الى النفس. فالسرقة تصبح"مطلوبة"بحد ذاتها عند ذاك، والسارق يغدو بطلاً يضيف الى بطولة المغني الراضي المرضي بما يُقدم له من الأغاني"المهضومة"المستوردة من تركيا غالباً، و"الانتاج"يزدهر... يُروى ان أهم ملحني الأغنية الشعبية في لبنان المرحوم فيلمون وهبي التقى يوماً من أيام منتصف السبعينات في احد مكاتب الإذاعة اللبنانية أيام عزّها، ملحناً شاباً كان سرق لحناً من ألحانه الشهيرة"حبيبي نجّار"لشريفة فاضل، وقدّمه مع بعض التعديل الطفيف جداً الى مغنية شابة ونجحت الأغنية نجاحاً واسعاً، فانتحى به فيلمون جانباً وقال له، وهو المعروف بفكاهته:"وله. تطلع فيي. حط عينك بعيني"... فنظر الملحن الشاب في عينيه بقوة وقحة، فاستغرب فيلمون هذا النوع من الوقاحة، وقال له ببديهته الخاطفة:"- لا تواخذني... سرقت لك لحن"حبيبي نجار"ولن أعيدها"! تُرى لو عاد فيلمون اليوم ووجد أن لحن"حبيبي نجار"الذي سرقوه منه في السبعينات، عادوا وسرقوه هذا العام وقدّموه في أغنية بعنوان"وبحبك يا حمار"وموجهة الى حمار في مشهد سينمائي مع مغنٍ راقص ماذا كان سيقول؟ ... ببديهته الخاطفة كان سيسأل عما اذا تحول الحمار نجماً أم لا؟