لعل أسوأ ما يمكن أن يسمعه ملحن حيال أغنية ناجحة له هو القول ان لحنها مسروق. قد يكون القائلون نقاداً جديين فيُظهرون وجه السرقة على النحو الذي يُقنع الملحن"السارق"بأن فعلته كُشفت. وقد يكونون انطباعيين لاحظوا تشابهاً ما بين اللحن المسروق واللحن المسروق منه فأشاروا الى ذلك من دون امتلاك الأدلة الثابتة. وربما في النهاية يكون القائلون ملحنين أو مغنين أو مشتغلين بالموسيقى ورغبوا في إثارة حفيظة الملحن السارق المتباهي بنجاح اللحن من أجل كسر تباهيه أو وضع حد له... على أن مسألة سرقة الألحان إشكالية وغير واضحة الحدود بالنسبة الى الكثير من الناس، أو حتى الكثير من النقاد أنفسهم الذين يخلطون بين التأثر بلحن ما أو سرقته. وأحياناً يعتبرون نقل لحن كما هو من الغرب الى الشرق أو العكس أو من الشرق"القديم"الى الشرق"الجديد"سرقة، في وقت يكون الملحن الذي نقله يعلن انه فعل ذلك على سبيل إيصال الجمال الفني كما هو من منبعه الى مكان آخر، وبصورته الكاملة غير المنقوصة. وهذا النوع من النقل الفني ليس ارتكاباً إلا عندما يُنسب الى الناقل وفي حالات يمكن أن تحدث فقط عند بعض الملحنين التجار، تجار"الشنطة"الرديئة. أما الملحنون الكبار، فعندما يعجبون بلحن ويرونه إبداعياً، ينقلونه بكل احتراف، ويقولون لماذا نقلوه. هكذا فعل محمد عبدالوهاب، وهكذا فعل الاخوان رحباني في بعض القطع الموسيقية الأجنبية الراقية صناعة وذوقاً. والناقل في حالة الرحباني وعبدالوهاب وبعض الآخرين المبدعين إنما يختار من الجمال الموسيقي الغربي أو الشرقي فيعيد تجديده وتقديمه، من أجل تعميم الجمال مع الحفاظ على توقيع صاحبه، لا من أجل مصادرته وادعاء تأليفه... يجب التمييز، إذاً، بين الملحن الذي يسرق لحناً فينسبه الى نفسه، وعندما يُحرج في وسائل الإعلام يبرر فعلته بالقول ان هذا أو ذاك من الكبار"سرق". إذ ان بين الكبار من الملحنين مبدعين يحرصون، بفعل ثقافتهم الفنية العالية، على نشر الفن ذي المستوى الرفيع لا سرقته بين الناس سواء كانوا هم مبتكروه أو غيرهم، وحالهم تماماً كحال الشاعر المثقف الذي يعجب بقصيدة لشاعر من بلد آخر فيترجمها ويقدمها للجمهور باسم صاحبها أملاً في الإضاءة على عمل إبداعي يحمل هوية أخرى لمن يرغب... وليست فوائد الترجمة الأدبية في حاجة الى دليل جديد على ضرورتها، وكذلك فوائد"الترجمة"الموسيقية. إن طرح موضوع سرقة الألحان في الأغنية العربية في هذه المرحلة التي تسرق فيها الأعمال الفنية بلا حسيب ولا رقيب، أكثر من واجب. وكشف بعض النماذج المسروقة واجب أيضاً، لا سيما في غياب أي تدقيق حقيقي لدى شركات الانتاج في ما تُنتج، واستسهال بعض الملحنين ملكيات الغير الفنية واعتبارها مشاعاً يمكن السطو عليه، وغياب الثقافة الفنية لدى أكثر نجوم الغناء الذين لا يستطيعون التمييز بين ما يسمعونه من الملحنين من أغانٍ وما يفترض أن تختزنه ذاكرتهم من أغانٍ مشابهة. غير أن الغريب والعجيب هو توجه مزاج الملحنين والمغنين وشركات الانتاج حالياً الى استساغة الأغاني"الجديدة"التي تذكر بأغان قديمة أكثر من استساغة الأغاني الجديدة بالفعل. يقولون مثلاً"أجمل ما في هذا اللحن أنه... كأنه مسموع"، أو"جملة لحنية ليست غريبة"أو"أغنية مهضومة تشبه أغنية كذا..."ثم يتهافتون على هذا النوع من الأغاني حتى يطغى و... يتجيّر ويحتل كل الأمكنة. لدى جمعية المؤلفين والملحنين الساسيم العالمية تعريف ل"سرقة"اللحن يحدد شكل السرقة ومضمونها ب... استعمال ملحن ما نسبته ستة"موازير"موسيقية كاملة، أي ما نسبته أيضاً أربعة أسطر من الأغنية تقريباً، من لحن آخر. هذا في التعريف الرسمي. لكن لا يصح هذا التعريف في كل الحالات، إذ أن سرقة أربع نوتات متتالية فقط لا غير من مقدمة السيمفونية التاسعة لبيتهوفن مثلاً، وهي النوتات ?"الضربات"الشهيرة كافية لتكون سرقة كاملة الأوصاف. لا حاجة عند ذلك الى ستة"موازير"موسيقية، ف"المازورة"الواحدة كافية تماماً. أما عن الشواهد والأمثلة والبراهين على سرقات الألحان في الأغنية العربية اليوم... فمن أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ وبماذا وبمن نمرّ؟... ثمة ما هو موجود على مدار الساعة الإذاعية والتلفزيونية وما على الأيدي إلا أن تشير...