لا يزال ثقل الماضي، ماضي الحرب الثانية أو الحقبة السوفياتية، يرخي بثقله على العلاقات السياسية بين اليابانوالصين وعلى العلاقات الأميركية - اليابانية، وعلى علاقة فرنسا بتاريخها الوطني وحقبة حكومة فيشي، وعلى علاقة دول شطر أوروبا الغربي بشطرها الشرقي. ففي شباط فبراير المنصرم، وبعد أكثر من ستين عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، استأنفت الصين مساعي تحسين العلاقة بطوكيو تمهيداً لطي صفحة الماضي وپ"النظر الى اليابان على حقيقتها"، على ما كتبت"تشاينا دايلي"الصينية. فشبكة تلفزيون الصين المركزية الرسمية بثت سلسلة وثائقية عنوانها"بروز القوى العظمى في العصر الحديث"قدمت قراءة تاريخية عن اليابان مجردة ومحايدة نأت بها عن البرامج التاريخية الصينية التقليدية. وترافق استئناف هذه المساعي الصينية، مع تغير القيادة السياسية في اليابان، ورحيل رئيس الوزراء الياباني السابق، جونيشيرو كويزومي، عن منصبه، وعزوف خليفته عن زيارة نصب ياسوكوني حيث مدافن بعض مجرمي الحرب اليابانية. وفي تموز يوليو من العام الجاري، بدا أن اليابانيين منقسمون على فهم الماضي وتحديد العلاقات مع عدو الأمس البعيد، الولاياتالمتحدة الأميركية. فوزير الدفاع الياباني، فوميو كيوما، استقال اثر احتجاجات شعبية على تصريحه بأن القنابل النووية الاميركية على هيروشيما وناغازاكي كانت محتمة وقدراً لا مفر منه. ودعت"اساهي شيمبون"اليابانية الحكومة الى إعلان ان التفجيرات النووية كانت خطأ وأن ضحاياها عاشوا مأساة كبيرة، وطالبتها مشاورة الولاياتالمتحدة في هذا الموضوع. وفي كانون الأول ديسمبر الجاري، وعلى رغم مساعي الصين التخفف من تأريخ حوادث الماضي تأريخاً قومياً، زعمت بكين أن عدد ضحايا مجزرة نانكين التي ارتكبها اليابانيون قبل سبعين عاماً، ناهز 300 ألف، في حين يقدر المؤرخون عددهم بمئة ألف قتيل. وعزا المؤرخ جان لوي مارغولان في"ليستورا"الفرنسية، تجاوزات الجيش الياباني في نانكين الى محاكاة حروب الانظمة التوتاليتارية أنظمتها السياسية، وسعيها، تالياً الى إبادة العدو أو استتباعه. فالحكومة اليابانية والبرلمان وقعت، في ثلاثينات القرن الماضي، في قبضة المؤسسة العسكرية. ومن شرق آسيا الى أوروبا، يبدو الماضي وثيق الصلة بالحاضر. فالمؤرخ البريطاني، طوني جودت، خلص في"لونوفيل أوبسرفاتور"الفرنسية، الى ان الماضي، ماضي الحرب العالمية الثانية، ثقيل في ميزان التاريخ الأوروبي وأن الإقرار به وبمجازره وبالمحرقة اليهودية هو جواز المرور الى الاتحاد الأوروبي. فهذا الاتحاد هو جواب جرائم الماضي وانتهاكاته. وفي 2007، دارت المناقشات بفرنسا على الهجرة ومسؤولية الحكومة الفرنسية عن جرائم حكومة فيشي، إبان الحرب العالمية الثانية، اثر الزام الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، تلاميذ المدارس قراءة رسالة كتبها الشاب الشيوعي غي موكيه قبل إعدام الألمان له. ونقل برتران لوجاندر في"لوموند"الفرنسية عن المؤرخين أنهم أسرى ذاكرات متنافسة في حرب الذاكرات الدائرة بفرنسا. فعلى سبيل المثال، خالف ساركوزي الرئيس السابق، جاك شيراك، ونفى تمثيل حكومة فيشي المتعاونة مع النازيين فرنسا. وكأن النظرة الى التاريخ الوطني الفرنسي لم تتغير من الرئيس شارل ديغول 1890-1970 الى الرئيس الفرنسي الحالي. وفي ذكرى ثلاثين عاماً على"شرعة 1977"، وهي باكورة حركات المجتمع المدني في الأنظمة الشيوعية، سأل الباحث والصحافي البولندي، جاك روبنيك، عما تبقى من إرث هذه الشرعة. ورأى ان أفول حركة معارضة النظام الشيوعي والسوفياتي لم يطو جديد هذه الشرعة. فالدفاع عن حقوق الإنسان ومساندة المعارضة الديموقراطية في مواجهة الديكتاتوريات لا يزالان مسألتين راهنتين من بورما الى بيلاروسيا. وعاب على توسع الاتحاد الأوروبي شرقاً نقل معايير الشطر الغربي الى المنتسبين الجدد في الشطر الشرقي من دون تبني بعض معايير هذا الشطر. وفي أيلول سبتمبر 2007، بعث فيلم المخرج البولندي، أندري فايدا،"كاتين"المناقشة في مجزرة الضباط البولنديين في بلدة كاتين على يد الجيش الأحمر الروسي، في آذار مارس 1940. واتهم بعض الصحافيين فايدا بالتستر على فصل من فصول التاريخ، وإهمال عرض روايات الناجين من المجزرة الذين تعاونوا مع السوفيات، وأخذوا عليه كتمانه موت أبيه في كاتين يوم التحق بالجامعة في عهد الشيوعية. وفي ذكرى انقضاء تسعين عاماً على الثورة البولشفية بروسيا، في تشرين الأول اكتوبر 1917، لاحظت"ليستوار"الفرنسية احتلال مفهوم الارهاب الجماهيري منزلة أساسية في فكر فلاديمير لينين الذي أرسى العنف نظاماً منهجياً، واستن سنة اللجوء الى العنف بذريعة أنه شرط بعث تماسك المجتمع. وفي 2007، بعث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ذرائع لينين وجوزيف ستالين في كتب التاريخ المدرسية الروسية الحديثة، بحسب"نيوزويك"الأميركية. فهو أوعز الى أكاديمية التربية بمراجعة كتب التاريخ المدرسية الأساسية. فاستبدلت هذه الكتب بأخرى تصف ستالين بأنه"اعظم قادة الاتحاد السوفياتي"، وتقلل شأن المجازر والفظائع وحملات التطهير الستالينية التي قضى فيها نحو 25 مليون شخص. وتزعم هذه الكتب أن القمع السياسي كان ذريعة الى تعبئة المواطنين والطبقة الحاكمة.