في 13 كانون الأول ديسمبر 1937، بعد نحو خمسة أشهر على اندلاع الحرب بين اليابان والصين، استولت القوات اليابانية على نانكين نانجينغ. والى يومنا هذا، يختلف اليابانيون والصينيون على تأريخ ما جرى في الحرب هذه. ويرفع الصينيون المجازر اليابانية في نانكين، عاصمة حكم تشانغ كاي تشيك الصيني، الى مرتبة كارثة هيروشيما ومعتقلات أوشفيتز النازية. ويزعمون أن عدد الضحايا ناهز 300 ألف، في حين أن اليابانيين يقلصون عدد ضحايا هذه المجازر، وبعضهم ينفي وقوعها. ويروي عدد كبير من الوثائق والشهادات، ومنها سجلات استجواب منفذي جرائم الحرب اليابانية بين 1946 و1948 وشهادات الناجين الصينيين، وقائع نانكين. وبحسب هذه الوثائق وشهادات شهود غربيين، بلغ عدد القتلى في نانكين نحو مئة ألف. والحق ان ثلاث موجات من العنف المختلفة وقعت في نانكين. ولم يتكبد الجيش الياباني خسائر كبيرة، ولم يتعد عدد ضحاياه الألف قتيل. وفي 12 كانون الأول تلقى الجنود الصينيون أوامر بإخلاء المدينة، على رغم ان قائد الجيش ورئيس الجمهورية الصينية، تشانغ كاي تشيك، تعهد الدفاع عنها الى آخر رمق. فدب الذعر في صفوف الجنود، وسارع قادة الفرق العسكرية الى الفرار. وقضى عدد من الجنود الصينيين على أيدي زملائهم الذين لم يبلغوا الأوامر العسكرية، وحسبوا انهم يطلقون النار على فارين من الجيش. ولقي بعضهم الآخر حتفهم جراء تدافع الجنود على مقربة من نهر يانغزي، المخرج الوحيد من المدينة بعد تطويق اليابانيين المخارج الأخرى. وقتل القناصة اليابانيون عدداً كبيراً من العسكريين الصينيين الذين خالفوا الإنذار الياباني في 10 كانون الأول، ولم يلقوا سلاحهم. ولم يقتصر القتلى الصينيون على أولئك الذين سقطوا في المعركة هذه، على ما يزعم عدد من المؤرخين اليابانيين. فإثر انتهاء المعركة، قتل مئات من الجنود الصينيين بدم بارد، على رغم إلقائهم السلاح واستسلامهم. فالجيش الياباني لاحظ ان عدد الاسرى الصينيين يفوق عديد فرقه العسكرية، وأنه قد يعجز، تالياً، عن السيطرة عليهم. فقرر تصفيتهم. وفي نانكين، ألقى الجيش الياباني القبض على جميع الذكور في سن 15 الى 45، أي على من يستطيع حمل السلاح. ولم تدون معظم أوامر تصفية الجنود الصينيين والمدنيين من الذكور، ونقلت شفاهية. وسعى اليابانيون الى تدمير معقل الحزب القومي الصيني الحاكم، الپ"الكيوميندانغ"، والى القضاء على قاعدته. فأردوا موظفي المؤسسات الصينية، أي العاملين في سلك الشرطة وكناسي الشوارع وموظفي شركة الكهرباء الخاصة. ويقدر عدد هؤلاء بنحو 40 ألف قتيل الى 75 ألفاً. وبعد انتهاء فصل العنف هذا، ارتكب الجنود اليابانيون أعمال عنف جديدة طوال شهرين. فشاعت عمليات اغتصاب النساء في نانكين. وبحسب شهود غربيين، يترجح عدد ضحايا الاغتصاب بين 8 آلاف امرأة و20 ألفاً، وأصغرهن كانت في التاسعة من العمر وأكبرهن في السادسة والسبعين. وكانت معظم عمليات الاغتصاب جماعية، ونفذت على مرأى من عائلات ونساء. وفي الثكنات العسكرية، عوملت النساء معاملة الرقيق، وأجبرن على تلبية جميع حاجات الجنود. وعانى سكان نانكين الرعب والإرهاب. فالموت كان مصير من يخالف أوامر اليابانيين أو من يتردد في تنفيذها أو من يحاول الفرار أو الاختباء. ولاقى عدد لا يستهان به من النساء المسنات حتفهن حرقاً، إثر محاولتهن حماية منازلهن أو افراد العائلة. فنحو أربعين في المئة من النساء القتيلات تجاوزن العقد السابع من العمر. وعمت عمليات السرقة أنحاء نانكين. وبعد نهبها، دمر الجنود اليابانيون المنازل والمتاجر. ولم يسع القادة العسكريون اليابانيون الى إبادة الشعب الصيني، بل الى تدمير بنى المجتمع الصيني السياسية والاجتماعية والثقافية. وكافأت القيادة العسكرية اليابانية الفرق"المقدامة"بالسماح لها باغتصاب النساء، ونهب المنازل. ففي نهاية الثلاثينات من القرن المنصرم، وقعت الحكومة اليابانية والبرلمان في قبضة المؤسسة العسكرية، وامتلك الجيش صلاحية تعيين الحكومات المتعاقبة وإقالتها. فنشأ تحالف"مقدس"بين العسكر والسياسيين والقصر الإمبراطوري رمى إلى السيطرة على آسيا الشرقية. وحذت اليابان حذو النظامين الايطالي الفاشي والألماني النازي، ومالت الى السياسات التوتاليتارية والمغالية في القومية. وحروب الأنظمة التوتاليتارية تحاكي أنظمتها السياسية. فهي تسعى الى إبادة العدو وتدمير بلده أو الى استتباعه واستعماره. وعمت اليابان في الثلاثينات،"ثقافة الحرب". عن جان لوي مارغولان صاحب"جيش الامبراطور، جرائم اليابان في حرب ال1937-1945"، "ليستوار"الفرنسية، 12/2007