تدرك حركتا "فتح" وپ"حماس" أن الانفصال القائم بين الضفة الغربية وقطاع غزة هو لمصلحة إسرائيل، إذ يمنحها فرصة للمماطلة في تنفيذ أي من التزاماتها، كما تدركان أن الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية لن يحقق لأي منهما مشروعه، فلا قبل لحماس باستمرار الحصار المفروض على القطاع والأوضاع المأسوية التي يعيشها أهله ولن تستطيع السلطة أو"فتح"أو الرئيس محمود عباس التوصل إلى تسوية مع الإسرائيليين لا يدعمها الغزيون وپ"حماس"أو على الأقل لا يعارضونها. بعد انتهاء مؤتمر أنابوليس ينتظر الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي عقد مفاوضات من المفترض أن تثمر تسوية، فأين تقف غزة من هذه التطورات؟ يقول مسؤول شارك ضمن الوفد الفلسطيني في مؤتمر السلام إن غزة كانت"معضلة أنابوليس"، فالإسرائيليون لعبوا على أوتارها طوال المفاوضات وكانوا دائماً يذكروننا بضرورة أن يشمل أي اتفاق يتم التوصل إليه قطاع غزة، مشددين على أن التنفيذ يبدأ من إنهاء الوضع الحالي في القطاع ويعتبرون أن ذلك الأمر يتم عبر"القضاء على حماس"وأن في ذلك تطبيقاً للمرحلة الأولى من خريطة الطريق، على رغم أنهم يعلمون جيداً أن"حماس"تمثل شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني وأن هذا الأمر مستحيل التحقيق. وربما ذلك يفسر النبرة الايجابية التي تحدث بها أبو مازن عقب لقائه الرئيس حسني مبارك بعد أنابوليس حين وصف"حماس"بأنها"جزء مهم من الشعب". هذه اللعبة الإسرائيلية تفهمها أيضاً"حماس"، ويقول أحمد يوسف مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني"المقال"اسماعيل هنية:"نحن في النهاية شعب واحد ونحتاج لبعضنا البعض، ووحدة الصف والموقف ستدعم أبو مازن في المفاوضات مع الإسرائيليين الذين يراهنون على الانقسام الحالي ويعتبرون غزة نقطة ضعفه"، ويضيف:"المخطط الإسرائيلي هو إقامة دولة فلسطينية في غزة وابتلاع كل المواقع الاستراتيجية من أراضي الضفة وإعطاء الأردن ما تبقى وبالتالي إنهاء القطيعة والحفاظ على ارتباط الضفة الغربية بقطاع غزة أمر ضروري حتى لا يستفرد الإسرائيليون بالضفة". وينتقد يوسف مؤتمر أنابوليس معتبراً أنه يعطي فرصة سنة أخرى للإسرائيليين لتنفيذ مخططاتهم الرامية إلى تهويد القدس واستكمال بناء الجدار الفاصل والاستيلاء على الأراضي. وإذا كانت الحركتان تدركان جيداً أن القطيعة بينهما تحقق مصلحة الإسرائيليين، فلماذا لا تسعيان جدياً إلى إنهائها والالتفاف حول برنامج يتجاوز المصالح الفصائلية المتناقضة إلى المصلحة الوطنية المتفق عليها؟ مرد ذلك أن كلاً من الحركتين تعتبر أن الأخرى هي المسؤولة عن الوضع، فمسؤول السلطة الفلسطينية يقول إن الإسرائيليين خلقوا هذا الوضع ويدفعون فى اتجاه استمراره لابتزاز السلطة من أجل الحصول على مكاسب في المفاوضات، وپ"حماس"تعلم ذلك وعليها أن تنهي"انقلابها"في غزة وتسليم القطاع للسلطة من أجل بدء الحوار والقضاء على ذريعة إسرائيل. أما أحمد يوسف فيحمّل"فتح"مسؤولية عدم بدء الحوار، ويقول:"فتح تعطل الحوار، فالخطاب الأخير للرئيس أبو مازن الذي وضع فيه شروطاً لعقد حوار بين الحركتين، منها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وبكل بنودها ما يعد انقلاباً على كل المفاهيم التي تم التوافق عليها في اتفاق القاهرة في آذار مارس 2005 الذي تم فيه الاتفاق على إعادة بناء منظمة التحرير لتنضم إليها حركة حماس"، ويؤكد أنه"لو جاء أبو مازن بعد أنابوليس إلى غزة لقلنا له أدخلوها بسلام آمنين ولوضعنا كل القضايا على طاولة الحوار". وإذا كان الأمر كذلك، فهل ستبقى الحال بين الحركتين على ما هي عليه على رغم إدراكهما لخطورتها على القضية الفلسطينية، وما موقفهما من الحوار بعد أنابوليس؟ يقول مسؤول السلطة الفلسطينية إن"فتح"مصرة على موقفها من تراجع حماس عن انقلابها قبل بدء أي حوار، وهو الموقف الذي أعاد أبو مازن تأكيده في خطابه الأخير، أما عن نبرته الإيجابية في الحديث عن"حماس"في القاهرة بعد لقائه الرئيس مبارك فكان"مجرد تكتيك لأن دولاً عربية تضغط وتدفع أبو مازن فى اتجاه الحوار مع حماس وبحث كل القضايا على الطاولة لأنها مدركة أن وحدة الفلسطينيين ستدعمهم في المفاوضات". وهذا ما يؤكده أحمد يوسف الذي كشف لپ"الحياة"عن"تحركات من أطراف عربية وإسلامية لدفع أبو مازن فى اتجاه عقد حوار مع حماس غير أنه أبو مازن يتهرب ويماطل لأنه لا يريد الحوار، وهذه الأطراف ستحضه على إجرائه عقب انتهاء زيارة الرئيس جورج بوش إلى المنطقة لتكون الظروف مواتية". ويرفض يوسف الكشف عن تفاصيل هذه الاتصالات أو التحركات"لأن جهات كثيرة تترصد أية محاولة لرأب الصدع الفلسطيني، وبالتالي فإن الحديث عن هذه الجهود يفسدها مثلما حدث مع المبادرة السودانية". ويقول يوسف:"عندما يجري هذا الحوار ستشهد هذه الأطراف مدى المرونة التي ستبديها حماس ... فكل ما نريده هو إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية وتأكيد الشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة ... فنحن حركة تقبل بقوانين اللعبة وهذه الحكومة اذا لم تثبت جدارتها ستخرج من الحكم مثل أي نظام ديموقراطي غربي". ودعا أبو مازن إلى الاقتداء بياسر عرفات الذي غادر الدنيا ليبقى في ذاكرة شعبه الزعيم الذي تمرد على الإرادة الأميركية والإسرائيلية ودفع حياته ثمناً لهذا الموقف، فهو رفض التوقيع على التنازل في كامب ديفيد ولم يعط الإسرائيليين موطئ قدم في القدس.