كيف كسرت باريس التابو    سينور يدعم صفوف القادسية    ذوبان الهويات المناطقية تحت المجهر العقلي    النفط ينخفض لأدنى مستوى في ثلاثة أسابيع وسط مخاوف اقتصادية    122 شهيداً بسبب التجويع بينهم 83 طفلاً    المملكة تعزز استقرار سوريا    كمبوديا تغلق المجال الجوي مع تايلند    طرح الشركات في سوق الأسهم    القيادة تهنئ رئيسي المالديف وليبيريا بذكرى يوم استقلال بلديهما    سباق الأندية يشتد في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    النصر يتغلّب على إس يوهان بخماسية في أولى تجاربه بالنمسا    "بلازا"يعلن قائمة أخضر الصالات المشاركة في بطولة القارات الدولية بتايلاند    هلال صفر يزين سماء المملكة    وزارة المالية والمركز الوطني لإدارة الدين يوقّعان اتفاقية مع بنك "سوسيتيه جينرال"    6300 ساعة تختم أعمال الموهوبين بجامعة الإمام عبدالرحمن    رحيل زياد الأسطورة    الباحة: ختام مسابقة الدرمحي لحفظ القرآن والسنة النبوية    خطيب المسجد الحرام: التشاؤم والطيرة يوقعان البلاء وسوء الظن    إمام المسجد النبوي: الرُسل هم سبيل السعادة في الدنيا والآخرة    عسكرة الكافيين في أميركا    بتقنية الروبوت الجراحي HugoTM️ RAS .. مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يجري عمليتين ناجحتين    مستشفى المهد يعتمد تقنية تخدير الأعصاب    شواطئ جازان مقصد ومتنفس للأهالي والزوار    القرع العملاق    ضبط شخصين في المدينة المنورة لترويجهما (10) آلاف قرص من مادة الإمفيتامين المخدر    رئيس أركان القوات البحرية يلتقي عددًا من المسؤولين الباكستانيين    أمير الشرقية يعزي أسرة الثنيان    تونس تكافح للسيطرة على حرائق الغابات    خالد الشهراني يهدي السعودية برونزية آسيوية في التايكوندو    روسيا تستهدف مؤسسات إنتاج أسلحة في أوكرانيا    نائب وزير الرياضة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته لمدة أربع سنوات    التقارب السعودي السوري.. والتعليم بوابة المستقبل    اختيار المملكة نموذجا عالميا لاستدامة المياه    ترحيل 11183 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    عزيمة وفاء وتكريم لمحبي وأصدقاء الفقيد عبدالرحمن بن خالد القحطاني رحمه الله    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    آل معنتر مستشاراً لسعادة المدير العام للتعليم بمنطقة عسير    جمعية "براً بوالدتي" تطلق برنامجًا نوعيًا لتنمية مهارات الأطفال تحت شعار "زدني علماً"    الدفاع المدني يقيم معارض بمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الغرق    اليوم السبت.. ختام منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025    دوري روشن بين ال 10 الأقوى في العالم    "بيت الشاورما" تعزز دعم المحتوى المحلي من خلال شراكتها مع تلفاز 11    مركز التنمية الاجتماعية بجازان ينفذ مبادرة"خدمتنا بين يديك"في مجمع الراشد مول بجازان    «بيئة جازان» تنظم ورشة عمل عن طرق الاستفادة من الخدمات الإلكترونية الزراعية    وفد ثقافي وفني يزور هيئة التراث في جازان لتعزيز التعاون في مجالات الهوية والتراث    هيئة الأدب تستعد لإطلاق النسخة الرابعة من معرض المدينة المنورة للكتاب2025    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدائر    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    الإحسان الطبية تنفذ مشروع «الإستشاري الزائر» في مستشفى صامطة العام    أكثر من 7 آلاف زيارة منزلية خلال 6 أشهر بمستشفى الظهران    الصنهاج والزهراني يحتفلان بزواج ريان    واست رئيس بنغلاديش في ضحايا سقوط الطائرة.. القيادة تهنئ الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده    توجه رئاسي لحصر القوة بيد الدولة.. غضب على «حزب الله» في الداخل اللبناني    وسط تحذيرات دولية وركود في مفاوضات الهدنة.. غزة على شفا مجاعة جماعية    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    اختيار سلمان: هكذا أطلق صقره ليحلق بالوطن    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبيي : صراع بين الدينكا ومسيرية وسباق على النفط ... قبل نفاده
نشر في الحياة يوم 13 - 10 - 2007

تقع أبيي بين مقاطعتي بحر الغزال وكردفان الجنوبية. وهي عالقة جغرافياً وإثنياً وسياسياً بين شمال السودان وجنوبه. تشكل موطن قبيلة نغوك دينكا، أنسباء قبيلة دينكا الجنوبية الكثيفة السكان، ويحدها من الشمال والشمال الشرقي رعاة قبيلة مسيريّة العربية بقارة الذين يمرون فيها كل سنة لرعاية ماشيتهم. اتسمت العلاقة تاريخياً بين مسيريّة ونغوك دينكا بالود لا بل شكّلت نموذجاً للتعاون بين الشمال والجنوب. فقد عاش الاثنان ضمن حدود إدارية منفصلة في خلال الاستعمار حتى العام 1905، عندما نقل البريطانيون إمارات نغوك دينكا التسع من بحر الغزال إلى كردفان.
بعدما نال السودان استقلاله في العام 1956، احتلت قبيلتا دينكا ومسيريّة مواقع متواجهة في الحروب الأهلية التي اجتاحت البلاد. فاستقطبت الأولى من العام 1956 وحتى العام 1972 الجماعات على طول الحدود الشمالية - الجنوبية. أما نقطة التحول فكانت في العام 1965 عندما أُحرق 72 رجلاً غير مسلح من نغوك دينكا في منطقة بابانوسا في مسيريّة على يد جمهرة في مركز للشرطة كانوا لجأوا إليه للحصول على الحماية. بدأ أفراد دينكا يتحولون في شكل كبير نحو ثوار"أنيا - نيا"الجنوبيين وقضية الجنوب، فيما حصلت قبيلة مسيريّة على معاملة مميزة من الحكومة المركزية وتماهت بقوة مع الشمال.
وضع اتفاق أديس أبابا الموقع في العام 1972 حداً للحرب الأولى، وتضمن بنداً حول إجراء استفتاء يخول أي"مناطق أخرى تشكل ثقافياً أو جغرافياً جزءاً من التركيبة الجنوبية"بما فيها أبيي الاختيار بين البقاء في الشمال أو الالتحاق بالمنطقة الجنوبية المستقلة حديثاً. لكن الاستفتاء لم يتمّ أبداً وتواصلت الهجمات ضد دينكا في خلال السبعينات، فأدت إلى تشكيل وحدة نغوك دينكا في"أنيا - نيا 2"في أثناء الثورة الجنوبية الصغيرة التي بدأت في النيل الأعلى في العام 1975.
بدأت الحرب الأهلية الثانية في حزيران يونيو 1983 مع ولادة الجيش الشعبي لتحرير السودان. فالتحق بهذا الأخير العديد من أفراد نغوك دينكا، فيما اضطلعت وحدة"أنيا - نيا 2"من أبيي بدور أساسي في تأسيس الحركة الجديدة. وتفاقم تهجير قبيلة نغوك دينكا الذي بدأ في خلال الحرب الأهلية الأولى واستمر في السبعينات في خلال الحرب الأهلية الثانية. وتم اليوم تهجير غالبية شعب دينكا في أبيي. ويعود السبب جزئياً إلى دعمهم السابق، لأنّ العديد في أبيي احتلوا مناصب عسكرية وسياسية عليا في الجيش الشعبي لتحرير السودان وكانت تربطهم علاقات وثيقة برئيسه الراحل جون قرنق. وفيما تواصلت الحرب، ازدادت المطالبة بالاستقلال في صفوف الجنوبيين بمن فيهم نغوك دينكا. غير أن اكتشاف النفط قد زاد المسألة تعقيداً في أبيي كما في سائر المناطق النفطية القريبة من الحدود الشمالية - الجنوبية. بعد الاكتشاف الأول في العام 1979، بدأ الرئيس جعفر نميري يبذل جهوداً حثيثةً لتعديل الحدود وإعادة موضعة المناطق الغنية بالنفط في الشمال بدلاً من الجنوب.
اشتركت قبيلة مسيريّة في الحرب إلى جانب الحكومة منتصف الثمانينات، فشكّلت الصفوف الأماميّة للقوّات في مواجهة قبيلة دينكا في أبيي وفي الجنوب، وامتطى عناصرها الجياد وهاجموا البلدات الجنوبية لنهبها وأخذ العبيد كجزء من الاعتداءات المنظمة ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان والمدنيين الجنوبيين.
أقام بروتوكول ماشاكوس في تموز يوليو 2002 الإطار الذي انبثقت عنه اتفاقية السلام الشامل: مقابل بقاء شمال السودان تحت حكم الشريعة الإسلامية، يحظى الجنوب بحكومة ذاتية وباستفتاء حول تقرير المصير يتناول الانفصال أو الوحدة بعد فترة انتقالية تمتد ست سنوات. وقد رسم حدود جنوب السودان ضمن الحدود الموجودة منذ استقلال الأول من كانون الثاني يناير 1956، فأُسقطت أبيي من المشاركة في استفتاء تقرير المصير، ووُضعت مع معاقل الحركة الشعبية لتحرير السودان الشمالية في جبال النوبة كردفان الجنوبية وجنوب النيل الأزرق حالياً دولة النيل الأزرق.
وبعد توقيع بروتوكول ماشاكوس، دخلت الحركة الشعبية لتحرير السودان في صراع سياسي لتوسع نطاق الحقوق التي اكتسبتها عن الجنوب، بما فيها حق تقرير المصير، لتشمل"المناطق الثلاث"في أبيي وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. وتولّت تسهيل مفاوضات السلام الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية ايغاد برئاسة الوسيط الجنرال لازاروس سومبيوو من كينيا. في آذار مارس 2003، عقدت جلسة خاصة حول المناطق الثلاث في ضاحية كارين في نيروبي. وقد عقدت نقاشات منفصلة حول كل منطقة مع كل وفد برئاسة"ابن المنطقة". أحرزت جلسة أبيي تقدماً ضئيلاً بسبب خلاف حول تشكيل الوفود. وقد رفضت الحركة الشعبية لتحرير السودان الاعتراف برئيس وفد حزب المؤتمر الوطني الذي كان من قبيلة مسيريّة لأنه جاء من خارج أبيي، الأمر الذي أدى إلى وقف المحادثات. فقبول نغوك دينكا والحركة الشعبية لتحرير السودان بوفد مسيريّة، كما تقدم، يعني أن هذه الجماعات تقيم في أبيي وبالتالي يمكنها المشاركة في التصويت في استفتاء محتمل.
وبين محاولة الحركة الشعبية لتحرير السودان إجراء استفتاء لتقرير المصير ورفض الحكومة ومحاولتها توسيع نطاق أبيي لتشمل شعب مسيريّة، قامت الأطراف بالخطوات الأولى في لعبة الشطرنج التي لمّا تنته اليوم. فقد بدت الأطراف موافقة في مفاوضات كارين حول المعايير التي تحدد المقيمين في أبيي من غير أن تصادق الجلسة عليها أو تذكرها في اتفاق أبيي النهائي.
شكلت المناطق الثلاث ولا سيما أبيي إحدى أكثر المسائل صعوبة في مفاوضات اتفاقية السلام الشامل. فقد كان الخلاف الأساسي حول إجراء استفتاء في أبيي يعطي خيار الالتحاق بجنوب السودان، ما يعني إمكان الالتحاق بجنوب مستقل بعد الاستفتاء الجنوبي حول تقرير المصير المتوقع في العام 2011. شكل هذا الأمر جوهر طلب الحركة الشعبية لتحرير السودان. ولم يكن قرنق ليتنازل أو يتمتع بالمرونة حيال المطالب إذ إن أبيي تحظى بتمثيل رفيع المستوى في قيادة الحركة. واصلت الحكومة رفضها إجراء استفتاء في أبيي معتبرة أن بروتوكول ماشاكوس قد أقفل هذا الباب ولا بد من أن تبقى أبيي في الشمال. ويعود رفض الخرطوم إجراء استفتاء حول أبيي إلى خوفها من فقدان السيطرة على الموارد النفطية في المنطقة التي تشكل غالبية الاحتياطي المثبت في شمال السودان.
وفي الواقع، أدى التدخل الأميركي إلى حلحلة الأزمة. في آذار 2004، زار المبعوث الرئاسي إلى السودان، السيناتور السابق جون دانفورث، معقل المفاوضات في نايفاشا وقدم إلى الأطراف مسودة اتفاق حول أبيي. ومع أن الحكومة اعترضت في البداية على تضمين المسودة استفتاءً، إلا أنها عادت ورضخت لضغوط مارستها واشنطن. نصّ بروتوكول أبيي على أن تحظى المنطقة بوضعية إدارية خاصة وأن تخضع لقوانين الرئاسة، كما نصّ على حدود أرض الإمارات التسع التي كانت تابعة لنغوك دينكا وانتقلت إلى كردفان في العام 1905. يتعين على لجنة حدود خاصة بأبيي ترسيم هذه المنطقة، فيما يتم تأسيس مجلس تنفيذي محلي تعينه الرئاسة قبل الانتخابات المحلية في العام 2009. حدد البروتوكول المقيمين في أبيي على أنهم أعضاء جماعة نغوك دينكا ومواطنون آخرون يقيمون في المنطقة، فيما أنيطت لجنة استفتاء أبيي التي تعينها الرئاسة أيضاً بمهمات تحديد معيار الإقامة. غير أنّ شيئاً من هذا القبيل لم يُطبّق حتّى اليوم.
حاول حزب المؤتمر الوطني جاهداً إدراج شعب مسيريّة على أنّه مقيم في أبيي، بحيث احتسب أن هؤلاء يصوتون على الأرجح للبقاء مع الشمال أكثر من نغوك دينكا. وفيما وافقت الحركة الشعبية لتحرير السودان على أن يستقر بعض أفراد مسيريّة في مدينة أبيي وبالتالي اعتبرتهم مؤهلين للعمل في الإدارة المحلية، إلا أنها رفضت إدراج مسيريّة كقبيلة، مؤكدة أنه على الرغم من مرورها في أبيي لأشهر عدة في السنة لرعاية الماشية إلى الجنوب، إلا أن مقرّ إقامة القبيلة الدائم هو في مكان آخر. أُعدّ بروتوكول أبيي في الأساس كي يواجه مظالم الحركة الشعبية لتحرير السودان والتهجير الكثيف لنغوك دينكا وقد نجح على الورق في هذه المهمات المحدودة.
... عندما تم تقديم تقرير لجنة حدود أبيي إلى الرئاسة في 14 تموز 2005، رفضه حزب المؤتمر الوطني على الفور متهماً الخبراء الدوليين بتخطيهم صلاحيّاتهم عبر استخدام وثائق ومعلومات ما قبل العام 1905 لتحديد حدود أبيي. استخدم حزب المؤتمر الوطني هذا الادعاء ليحشد مسيريّة ضد التقرير وليسيء حتى استخدام نتائجه. غير أن مقتل جون قرنق في حادث تحطم مروحيته بعد بضعة أسابيع في 30 تموز أخّر مسائل تطبيق اتفاقية السلام الشامل كلها وأجبر أبيي على التراجع عن جدول أعمالها. لكن مقتل قرنق لم يغير موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان وقد أصر خلفه سالفاكير على ضرورة قبول تقرير لجنة حدود أبيي وتنفيذ اتفاق أبيي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.