في سن الثانية عشرة يدخن الطفل أول سيجارة بدافع الفضول، لكن شيئاً فشيئاً يتعود عليها فلا يستطيع تركها. وعبثاً يحاول الكبار إقناع الأبناء بمضار التدخين، إلا أن 61 في المئة من المدخنين اليافعين في تونس يعرفون حقيقة الأخطار التي تتربص بصحتهم ومع ذلك يمضون في صحبة السيجارة، لا بل ويقبلون عليها بشراهة. هذا ما أظهرته نتائج تحقيق بين الشباب أجراه فريق طبي في مستشفى"سيدي مخلوف"في محافظة مدنين التونسيةجنوب. ورأى خبراء اجتماعيون أن الدراسة غير بعيدة عن الأوضاع في المحافظات الأخرى. وكشف التحقيق الذي نُشرت نتائجه أخيراً أن التدخين يرتفع بنسبة 75 في المئة بين الشباب الذين يوجد في أسرهم مدخنون، لكن التأثير متفاوت بين الأب والأم، فإذا كان الوالد هو المدخن تصل النسبة إلى 61 في المئة أما إذا كانت الوالدة فالنسبة لا تتعدى 5 في المئة، وهي تزيد إلى 40 في المئة حين يكون للشاب صديق مدخن. وفي سياق متصل أجري تحقيق بين الطلاب في ثلاث ثانويات في محافظة زغوان شمال في فترات مختلفة من عام 2006 وأظهر أن 25 في المئة من الطلاب يدخنون. ورجح الباحث منصف رماحي الذي شارك في التحقيق أن هذه النسبة مقاربة للمتوسط الوطني. وعزا المدخنون إقبالهم على السجائر إلى كونها"تهدئ الأعصاب"47 في المئة أو إلى أنها"تمنح المدخن نكهة خاصة"35 في المئة، غير أن التحقيق كشف أن 98 في المئة من المدخنين هم من الذكور، وهذه ليست الحال في المحافظات الأخرى وخصوصاً في العاصمة تونس حيث يعادل عدد المدخنات عدد المدخنين أو يتجاوزه، ذاك أن زغوان منطقة زراعية وأهلها يميلون الى المحافظة الاجتماعية. من جهة أخرى اظهر التحقيق أن 52 في المئة من الشباب الذين جربوا التدخين تعلقوا به واستمروا عليه، وأوضح أن السيجارة الأولى بالنسبة ل 32 في المئة منهم كانت فقط بدافع الفضول. وتأتي السيجارة الأولى عادة في سن الثانية عشرة، ثم تتزايد نسبة المدخنين مع ارتفاع سن الطلاب. واعترف ثلاثة طلاب من أصل كل أربعة بأنهم يعرفون جيداً الأضرار المترتبة عن التدخين ومع ذلك يستمر 61 في المئة منهم في التدخين. أما الطلاب غير المدخنين فإن ثلثيهم عزوا ابتعادهم عن السجائر إلى أسباب صحية ولكونهم لا يشعرون برغبة في التدخين، وقال نصفهم إنهم لا يكونون مرتاحين أمام زملائهم المدخنين، لا بل ويشعرون بنوع من الحرج كونهم ليسوا مثلهم. وركز التحقيقان على درجة انشداد الطلاب الى السجائر، فأظهر التحقيق الذي أجري في ثانويات زغوان أن النسبة تتصاعد من 1 في المئة لدى الأطفال الذين تراوح سنهم بين الثانية عشرة والخامسة عشرة إلى 46 في المئة لدى من تزيد سنهم على 18 سنة. أما التحقيق الذي أجري في سيدي مخلوف فكشف أن 39 في المئة من الطلاب المدخنين يستطيعون التخلي عن التدخين وأن 25 في المئة منهم لديهم انشداد خفيف الى السيجارة، فيما صار 19 في المئة منهم مرتبطين بها و15 في المئة لا يستطيعون مفارقتها. وشمل التحقيق الثاني 156 شاباً و7 فتيات. واعتبرت الدكتورة زكية البرتاجي المتخصصة بالطب الرياضي أن الشباب غير مطلعين في العموم على مخاطر التدخين وهم يستهينون بها حتى لو عرفوا، وأكد التحقيقان عمق الجهل بالإنعكاسات الصحية الحقيقية للتدخين، إذ طُرحت عليهم أسئلة دقيقة في شأن الأضرار التي يمكن أن تطاول القلب والرئتين والجنين بالنسبة الى الحوامل، إلا أن الأجوبة لم تكن دقيقة. وهذا أحد العناصر التي تفسر انتشار التدخين بين الشباب الذي لديه فكرة عامة عن أضرار التدخين. وتحاول بعض المؤسسات الرسمية تطويق الظاهرة والحد من انتشارها، وفي هذا السياق وضعت دائرة التكوين المستمر في وزارة التربية التونسية خطة لمكافحة التدخين اعتمدت على نواة مؤلفة من سبعة وخمسين مدرساً يعملون في المحافظات الأربع المؤلفة لإقليم تونس ضواحي العاصمة. وأظهر التحقيقان في هذا الصدد أن 40 في المئة من المدرسين غير ملمين بمضار التدخين وأن ثلاثين في المئة لا يعرفون أن النرجيلة لا تقل ضرراً عن السيجارة فيما لا يعرف 44 في المئة أن الدخان الذي يبثه المدخن يحمل مواد سامة. وعليه رأى خبراء اجتماعيون أن الحلقة الأولى التي ينبغي أن تنطلق منها مكافحة التدخين تبدأ من توعية الكادر التدريسي وإقامة دورات متخصصة لتحسين معرفته بالأخطار الناجمة عن انتشار التدخين بين الطلاب والطالبات.