زيارة وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ الاشتراكي الى دمشق، التي أعلن انه يزورها بصفة شخصية للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، قد تعطي فرصة لسورية للقول إنها بدأت تخرج من عزلتها، مع عودة عدد من الوزراء الأوروبيين لزيارتها. فقبل لانغ زار وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس دمشق، بمبادرة اسبانية بحتة أثارت استياء الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي طلب من وزير خارجيته ان يبلغ الجانب الاسباني بأن هذه الزيارة ستؤثر على العلاقات الفرنسية - الاسبانية. وكان شيراك اتصل برئيس الحكومة الاسباني لويس زاباتيرو ليبلغه استياء فرنسا من زيارة وزير خارجيته الى دمشق. والواقع ان لانغ مثله مثل موراتينوس سيعود من دمشق وسلته فارغة. فلانغ ذهب الى دمشق لزيارة معالمها السياحية التاريخية، خصوصاً أنه في ضيافة سورية الكريمة. وزيارته مجرد تحرك منفرد يريد عبره تذكير الحزب الاشتراكي بأن لديه علاقات على الساحة الدولية وللتمتع بعطلة شهر آب، في بلد جميل وعريق مثل سورية. أما زيارة موراتينوس، التي لم تحقق أي نتيجة على الاطلاق، فانها تدعو للتساؤل حول ما حمل هذا الوزير، المعروف بخبرته وحنكته الديبلوماسية، على الاعتقاد بأنه سينال من الجانب السوري ما يرغب به، أي الضغط على حزب الله لتهدئة الأمور. على رغم ان الكل يعرف ان ايران وحليفتها سورية هما اللتان حثتا حزب الله في بداية الحرب على خطف الجنديين الاسرائيليين. والغريب ان موراتينوس الذي كان على علم بما تقوم به سورية في لبنان وعلى علم بكل الرسائل التي وجهت اليها وأصرت على ألا تسمع وألا تقرأ وألا تقنع، يتوجه مجدداً الى دمشق معتقداً انه سينجح. والغريب ايضاً ان الكثير من المعلقين اعتبروا عند اندلاع الحرب الاسرائيلية على لبنان، وانهيار القنابل عليه، انه ينبغي التحدث الى سورية. والوزير لانغ نفسه، كان رافق الرئيس الراحل فرانسوا ميتران في أول زيارة له الى دمشق بعد مقتل السفير الفرنسي في لبنان لوي دولامار، وكانت زيارة فاشلة. وكان لانغ أثناء الزيارة وخلال عشاء الدولة الذي أقامه الرئيس الراحل حافظ الاسد على شرف نظيره الفرنسي، جالساً الى جانب وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس، وخرج ليخبر الصحافيين بأن العشاء كان مملاً للغاية، اذ أنه لا يتكلم العربية وطلاس الجالس الى جانبه لا يتكلم الفرنسية. ومنذ تلك الزيارة الشهيرة، لم تكف فرنسا عن محاولاتها اقناع سورية بأن عليها ترك لبنان يعيش بحرية وسيادة وسلام وهدوء. وعندما تولى الرئيس جاك شيراك منصبه، قام بدفع من صديقه الرئيس الشهيد رفيق الحريري بمحاولات جبارة للتحاور مع سورية في عهد الرئيس حافظ الاسد ولاحقاً ابنه الرئيس بشار الاسد. فهل نسي الذين يطالبون بالتحادث مع سورية لوقف الحرب في لبنان ان شيراك ألغى الدين المترتب على سورية لحساب فرنسا في أول عهده؟ وأثارت تلك الخطوة معارضة جميع الأوساط المالية والاقتصادية في باريس وأوروبا. وأقنع شيراك ايضاً الألمان بالقيام بمبادرة مماثلة من أجل تحسين العلاقات الأوروبية - السورية، لأنه اعتقد ان الحوار هو أفضل الطرق لاقناع النظام السوري بأن لبنان السيد والحر والمنتعش والمرتبط بعلاقات مميزة مع سورية، من مصلحة الأخيرة. وعند تولي الرئيس بشار الاسد منصبه، دعاه شيراك الى زيارة دولة لفرنسا، بعد ان كان استقبله في الاليزيه قبل ان يصبح الاسد رئيساً. وحاول شيراك التحدث مع الرئيس السوري سواء بالنسبة الى"باريس - 2"أو بالنسبة الى تهدئة حزب الله في لبنان وايضاً بالنسبة الى عدم التمديد للرئيس اميل لحود وتعديل الدستور اللبناني لهذا الغرض. لكن هذا لم يحل دون حدوث الكوارث المتتالية، بدءاً بالتمديد للحود ثم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعده اغتيال الزميلين سمير قصير وجبران تويني وايضاً الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي ومحاولات اغتيال الوزيرين مروان حماده والياس المر والزميلة مي شدياق. وتحاول سورية الآن، بعد خروجها عسكرياً من لبنان، ان تتجاوز عزلتها السياسية، من دون ان تقدم على أي تغيير. فالوزير السوري وليد المعلم، الذي شارك في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في بيروت، حاول ان يملي في البيان الختامي اشادة بالمقاومة الوطنية، فرد عليه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن الاشادة بمقاومة لبنان للحرب الاسرائيلية عليه موجودة في النص. ولا شك ان من يطالب بضرورة الكلام مع سورية، نسي ان لفرنسا خبرة واسعة وقديمة في مثل هذا الحوار، ونتيجتها انه حوار عقيم بعد كل ما جرى من قتل ودمار في لبنان.