"التجارة" تضبط 374 مخالفة في المدينة    انحفاض الإنتاج الصناعي 6.1% في أبريل    النفط يتراجع مع صعود الدولارالنفط يتراجع مع صعود الدولار    «التجارة»: عقوبة لكل من أخلّ بأداء واجبه في إيداع القوائم المالية    طاقم تحكيم إماراتي لإدارة مباراة الأخضر والأردن    الطقس : حاراً إلى شديد الحرارة على الرياض والشرقية والقصيم    خادم الحرمين يأمر باستضافة 1000 حاجّ من غزة استثنائياً    تطوير مضاد حيوي يحتفظ بالبكتيريا النافعة    "ميتا" تزوّد "ماسنجر" بميزة المجتمعات    المنتخب السعودي للفيزياء يحصد 5 جوائز عالمية    بدء أعمال المنتدى الدولي "الإعلام والحق الفلسطيني"    "الرياض للبولو" يتوّج بطلاً لبطولة تشيسترز ان ذا بارك    400 مخالفة على الجهات المخالفة للوائح التعليم الإلكتروني    زوجة «سفاح التجمع» تظهر من لندن: نجوت من مصير الفتيات !    كيت ميدلتون.. قد لا تعود أبداً إلى ممارسة دورها الملكي    بعد ياسمين عبدالعزيز.. ليلى عبداللطيف: طلاق هنادي قريباً !    شريفة القطامي.. أول كويتية تخرج من بيتها للعمل بشركة النفط    «الداخلية»: انطلاق الجلسات العلمية لمنتدى الخدمات الطبية    شرائح «إنترنت واتصال» مجانية لضيوف خادم الحرمين    استقبال 460 حاجاً من ضيوف خادم الحرمين من 47 دولة    عبدالعزيز عبدالعال ل«عكاظ»: أنا مع رئيس الأهلي القادم    «أرامكو»: 0.73 % من أسهم الشركة لمؤسسات دولية    المجلس الصحي يشدد على مبادرة «الملف الموحد»    شهد مرحلة من التبادل الثقافي والمعرفي.. "درب زبيدة".. تاريخ طويل من العطاء    الداخلية تستعرض خططها لموسم الحج.. مدير الأمن العام: أمن الوطن والحجاج خط أحمر    أمير القصيم يشيد بجهود "طعامي"    محافظ الأحساء يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    «فتيان الكشافة» يعبرون عن فخرهم واعتزازهم بخدمة ضيوف الرحمن    قيادات تعليمية تشارك القحطاني حفل زواج إبنه    90 % من أطفال غزة يعانون سوء التغذية    العطلة الصيفية واستغلالها مع العائلة    "السمكة المتوحشة" تغزو مواقع التواصل    تحديث واتساب يكشف حالة نشاط الأصدقاء    وزارة الحج تعقد دورات لتطوير مهارات العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    إعادة تدوير الفشل    خلود السقوفي تدشن كتابها "بائعة الأحلام "    "هيئة النقل" تدشن سيارة الرصد الآلي كأول تجربة لها في موسم الحج    11 مبادرة تنفيذية لحشد الدعم الإعلامي للاعتراف بدولة فلسطين    القيادة تهنئ ملك الأردن    رسالة جوال ترسم خارطة الحج لشيخ الدين    الأمريكي" غورست" يتوج ببطولة العالم للبلياردو    الأهلي يفاوض كيميتش والنصر يتخلى عن لابورت    الحج عبادة وسلوك أخلاقي وحضاري    استشاري:المصابون بحساسية الأنف مطالبون باستخدام الكمامة    الدكتورة عظمى ضمن أفضل 10 قيادات صحية    أمير الرياض يطلع على عرض لمركز صالح العسكر الحضاري بالخرج    رئيس جمهورية قيرغيزستان يمنح رئيس البنك الإسلامي للتنمية وسام الصداقة المرموق    وفد الشورى يطّلع على برامج وخطط هيئة تطوير المنطقة الشرقية    التخبيب يهدد الأمن المجتمعي    تغييرات الحياة تتطلب قوانين جديدة !    رئيس الأهلي!    الشاعر محمد أبو الوفا ومحمد عبده والأضحية..!    فشل التجربة الهلالية    انطلاق معسكر أخضر ناشئي الطائرة .. استعداداً للعربية والآسيوية    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توني بلير : صانع سلام أم حربجي ؟
نشر في الحياة يوم 22 - 12 - 2006

مع إدراكه بأنه لم يبق له سوى ستة أشهر في الحكم الذي مارسه حوالى عشر سنوات، يبدو توني بلير رئيس الحكومة البريطانية بحق قلقا على ما سيقوله عنه التاريخ. فهو يخشى أن تصيبه اللعنة لدوره في الفوضى الكارثية التي آل إليها العراق، ولذا يحاول يائسا أن يفعل شيئا كي يرمم ميراثه السياسي.
وتبدو رحلته هذا الأسبوع إلى الشرق الأوسط كمحاولة اللحظة الأخيرة ليعيد الحياة إلى عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية. فهو يتمنى أن ينظر إليه كرجل الدولة الذي ينفخ الروح في هذه العملية المحتضرة قبل انطفائها التام. وهو يريد بالفعل أن يحدث اختراقا باتجاه حل قائم على إنشاء دولتين في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ولكن، ولسوء الحظ، فإن كل الدلائل تشير إلى أنه يتجه نحو فشل ذريع. والأنكى من ذلك أنه بدلا من تحقيق السلام فإنه ينشر دخان الحرب.
ويبادر بلير بمهمته مثقلا بمعوقات قاسية، أقلها انحيازه الصريح لإسرائيل. فقد تباهى علنا في البرلمان البريطاني بكونه أكثر رئيس حكومة موالاة لإسرائيل عرفته بريطانيا. وهيهات أن تكون أوراق الاعتماد هذه هي أفضل ما يحمله في مهمة صنع السلام في الشرق الأوسط. فسجل بلير يتحدث عن نفسه.
ومع أنه يدعي بأنه يؤيد قيام دولة فلسطينية فقد تحالف مع المحافظين الجدد الموالين لإسرائيل في الحرب ضد العراق، والمعارضين لأي مظهر للوطنية الفلسطينية. ومن المحزن أن تأييد بلير الصاغر لأميركا الذي عاد عليه بلقب كلب بوش الصغير لم يؤد إلى أي تأثير عملي على السياسة الأميركية.
وحين شنت إسرائيل حربها على لبنان في الصيف الماضي، رفض بلير طلب وقف إطلاق النار متواطئا بذلك مع أهداف إسرائيل وأميركا بالقضاء على حزب الله وإقامة حكومة عميلة للغرب في بيروت. وكما أصبح واضحا الآن فإن هذه المحاولة قد فشلت وصار حزب الله الذي يعتبر أهم قوة سياسية على الساحة اللبنانية، يطالب بدور أكبر في صنع القرار الوطني.
وأما في فلسطين فقد قام بلير بدور رائد في مقاطعة حكومة حماس المنتخبة ديموقراطيا وفي حصارها ما لم تعترف بإسرائيل وتتخلّ عن العنف وتقبل بالاتفاقات المعقودة سابقا. غير أن هذه الشروط هي شروط اعتباطية تلح عليها إسرائيل وأميركا ويوافق عليها الاتحاد الأوروبي. وكان أحرى ببلير أن يطالب بالمعاملة بالمثل وبفرض هذه الشروط على الطرفين.
غير أن الواقع أن بلير لم يطلب يوما من إسرائيل الاعتراف بحق الفلسطينيين بإقامة دولة أو بتنفيذ الاتفاقات السابقة أو بالتخلي عن العنف. أجل لقد طلب من رئيس حكومة إسرائيل ايهود اولمرت أن يفرج عن الموارد العائدة للفلسطينيين التي تحتجزها إسرائيل خلافا للقانون كما طلب منه أن يقابل محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية. ولكن كل هذه مسائل ثانوية لا تسهم في البدء بحل القضايا الأساسية.
ولقد قتلت إسرائيل 500 فلسطيني منذ شهر تموز يوليو الماضي دون أن يهمس توني بلير بكلمة استنكار. والغريب أن المحكمة العليا الإسرائيلية اتخذت مؤخرا قرارا يعتبر"القتل المستهدف"عملا مشروعا. ولعل ذلك هو الحالة الفريدة في بلد يدعي أنه ديموقراطي وتتبنى فيه الدولة صراحة عمليات الاغتيال السياسي ضد معارضيها كأداة سياسية.
ومن نافلة القول إن توني بلير لم ير داعيا لتوجيه أي انتقاد لهذه الممارسات المشينة. وهو لم ينتقد أو يدين جدار الفصل الذي يبتلع مساحات كبرى من الأراضي الفلسطينية أو يطالب بوقف الاستيطان أو بإزالة مئات المخافر الإسرائيلية التي تجعل حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في غاية البؤس.
ويلاحظ أن مستشاري توني بلير الخلص كانوا دائما من الموالين لإسرائيل، بدءا باللورد ليفي المكلف بجمع التبرعات للحزب والمبعوث فوق العادة، ثم بالسير نايجل شينوالد الذي عينه خلال العشر سنوات الماضية في ثلاثة من أهم المناصب الديبلوماسية في بريطانيا : سفيرا لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ثم كبير المستشارين لدى رئيس الحكومة للشؤون الخارجية وأخيرا سفيرا في واشنطن.
ذلك هو المتاع الذي اصطحبه بلير إلى الشرق الأوسط. فأي رسالة رفيعة المستوى يأتي بها إلى المنطقة؟ فخلاصتها هي أن على"المعتدلين"أن يتحدوا ضد"المتطرفين"وأن على أولئك الذين يريدون أن يلعبوا دورا"بناء"أن يوحدوا قواهم ضد أولئك الذين يريدون نزع استقرار المنطقة.
إن بريطانيا وأميركا و إسرائيل و"الغرب"والدول العربية المعتدلة تقف في نظر توني بلير في خط واحد ضد قوى التطرف وتهديد الاستقرار الممثلة بإيران وسورية وحزب الله وحماس. ولقد اختار من الفريق الأول ثلاثة زعماء من كبار الديموقراطيين يعتقد بأنه يجب دعمهم مهما كلف الأمر، وهم نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية، وفؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وإيران من وجهة نظر بلير التبسيطية هي المسؤولة عن"إفساد مسار إمكانات الاستقرار والسلام والديموقراطية. فهي تسعى إلى قلب الحكومة في العراق وفي لبنان وإلى قلب الرئيس محمود عباس في فلسطين".
هذه الرؤية الثنائية ذات اللونين الأبيض والأسود لقوى الخير في مواجهة قوى الشر، أي أولئك الذين يسيرون معنا مقابل أولئك الذين يقفون ضدنا هي أقرب ما يكون إلى"كلام بوشيّ". إنها مقاربة غريزية وليست عقلانية وهي أقرب إلى الوعظ الأجوف منها إلى التحليل السياسي الذي يبدو أن بلير لا يملك فيه إلا القليل من المهارة. وهي قبل كل شيء تؤجج النزاعات المحلية بدلا من حلها.
وفي مقاربته لأزمة الشرق الأوسط ارتكب بلير خطأ بالغا حين ركز على المشكلة الفلسطينية - الإسرائيلية بدلا من السعي إلى حل شامل للنزاعات العربية الإسرائيلية. فلم يذكر شيئا عن شمول سورية في عملية السلام خلافا لجيمس بيكر ولي هاملتون في تقريرهما الأخير عن العراق. فهو لم يطالب إسرائيل بإعادة الجولان إلى سورية، وجاء موقفه صدى لبوش ولزعماء إسرائيل المتطرفين الذين يرون أن سورية هي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل. ولكن لا يمكن الوصول إلى اتفاق سلام في المشرق من دون إشراك سورية.
وفي تصريحاته إلى الصحافة في القاهرة ورام الله بادر بلير إلى التعبير عن تأييده تكرارا وبحماسة لمحمود عباس ولتصميمه على إجراء انتخابات فلسطينية بغية الخروج من مأزق تأليف حكومة وحدة وطنية. ولقد وصف بلير خطبة عباس بأنها"نقطة تحول"وأنها خطوة مهمة جدا. واضاف"سوف تكون الأسابيع المقبلة فترة حرجة بالنسبة إلينا جميعا نحن الذين يريدون أن يشهدوا تقدما". ثم توجه إلى عباس قائلا"لقد حان الآن الوقت لكي يتجاوب المجتمع الدولي مع الرؤية التي طرحتها وفي نيتي أن أبذل كل ما في وسعي خلال الأسابيع القادمة للتأكد من أننا سنوفر لكم كل الدعم سواء من حيث تقديم المساعدة للذين يعانون أو من حيث الوصول إلى الاتفاق السياسي الذي يؤدي إلى سلام عادل ودائم. ذلك هو العهد الذي ألتزم به اليوم نحوك ونحو الشعب الفلسطيني". وأضاف بلير قائلا"لا يمكن أن نقبل بوضع يجعل الشعب الفلسطيني محبطا ويجعل التقدم مكبوحا برفض حماس القبول بمطالب المجتمع الدولي. دعني أوضح لك شيئا أساسيا : إن الحكومة البريطانية لا يمكن أن تتفاوض مع حماس أو مع أي طرف من حماس."
ولا شك أن خلاصة ملاحظات توني بلير هذه تعني أنه يدفع عباس إلى صدام مع حماس، ذلك أن الانتخابات الجديدة ترمي إلى إزاحة حماس من الحكم. ويقال إن بلير يعد في الوقت نفسه لتزويد عباس بمبالغ وفيرة لمساعدته على تدعيم قوات الأمن التابعة لفتح في مواجهتها لحماس.
ومن الواضح أن سياسة بلير هذه لن تؤدي إلى مصالحة بل إلى حرب أهلية فلسطينية، إذ يبدو أنه فاته الإدراك بأن حماس شأنها شأن حزب الله في لبنان هي قوة حيوية في السياسة الفلسطينية، فضحت حركة فتح المتعبة والفاسدة التي أخفقت منذ اتفاقات أوسلو عام 1993 في الحصول على تنازلات ذات شأن من إسرائيل. وما ظهور حماس سوى نتيجة مباشرة لهذا الإخفاق.
والحاصل أنه لا يمكن الوصول إلى شيء في الشرق الأوسط إذا لم تراع المصالح المشروعة لإيران وسورية وحزب الله وحماس. ويبدو أن بلير بحاجة إلى درس من المستوى الابتدائي في سياسة الشرق الأوسط ولكن المستشارين الذين اختارهم لن يعطوه هذا الدرس.
* كاتب بريطاني مختص في الشرق الأوسط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.