أقر المجلس الأوروبي، المنعقد بلشبونة في عام 2000، استراتيجية عشرية دعت الى تقديم ثلاثة محاور واضحة على السياسة الاقتصادية الأوروبية: تعزيز الاستثمار في البحث والتطوير سعياً في بناء"اقتصاد المعرفة"، وتحرير الاقتصاد في مضماري الخدمات والطاقة من القيود والحواجز، وانتهاج سياسة عمالة نشطة ترمي الى بلوغ نسبة عمالة عامة لا تقل عن 70 في المئة. وتولت المملكة المتحدة، في ضوء خبرتها، اقتراح الاستراتيجية هذه. واستقوت بضربها حالها مثلاً على جدوى الخطة. فمن بلد ينهشه التضخم والمنازعات الاجتماعية، حولت الاصلاحات الليبرالية في أثناء الثمانينات، بريطانيا علماً على النمو، يتمتع بسوق عمل مرنة واقتصاد من غير قيود. وفي نهاية التسعينات، صار شعار حزب العمال الجديد البليري نسبة الى توني بلير،"الطريق الثالث"، نموذجاً تتطلع دول أوروبا الاصلاحية اليه، والى جمعه بين حاجات العدالة الاجتماعية الملحة والسعي الضروري في دينامية اقتصادية عامة. واقتبست استراتيجية لشبونة من حزب العمال الجديد"منهج التنسيق المهني". وقوامها إثبات المبادرات المجزية، المتبقية من المنافسة بين الاقران، وبثها في النسيج الانتاجي. وهو النهج الذي سارت عليه بريطانيا، وتدين له بازدهار متصل. فمنذ عشرة أعوام والناتج الاجمالي المحلي ينمو 2.8 في المئة في السنة. ويزعم وزير الخزانة، غوردون براون، أن العقد هذا هو أطول مدة نمو خبرتها المملكة المتحدة منذ 1701. ومنذ 2003، تقدم الاقتصاد البريطاني نظيره الفرنسي وحل رابعاً، بعد الولاياتالمتحدة واليابان وألمانيا. ويتقدم متوسط دخل الفرد البريطاني، وهو يبلغ 27948 يورو، المتوسط الفرنسي ب 730 وحدة نقدية أوروبية، وكان المتوسط الفرنسي يتقدم نظيره البريطاني، قبل عقد ونصف العقد، ب 1357 يورو أو ما يعادلها. والجنيه استرليني عملة متينة، منذ اضطرارها الى الخروج من"الثعبان"الأوروبي في 1992، ومنذ تسعة أعوام نمت قيمة أسهم البورصة 35 في المئة. ولا شك في أن النمو البريطاني يدين باتصاله وثمراته الى الاصلاحات البنيوية التي أقرتها حكومة مارغريت ثاتشر في ثمانينات القرن المنصرم، فالغاء التأميمات ورفع القيود الادارية والمالية عن عوامل الانتاج، بثا المنافسة في السوق البريطانية. فتركت الصناعة تذوي وتضمحل من غير دعم مفتعل يحفظ على قيد الحياة بعض رموزها وصروحها الوطنية. فالكهرباء تتولى شركة فرنسية انتاجها وتوزيعها، ولا يستثنى مبنى رئاسة الوزارة، 10 داونينغ ستريت، من التوزيع الفرنسي. وتنزل منظمة التعاون والنمو الأوروبية بريطانيا المنزلة الليبرالية الأولى بين دول مجموعة السبع. وتبلغ حصة الخدمات من محفظة الأسهم 75 في المئة، وتتبع 70 في المئة من الناتج الاجمالي. وهي محرك النمو، وتتصدرها الخدمات المالية. وهذه هي مصدر ربع عائد الضرائب على الشركات. وربع عائد الضريبة على الدخل يقتطع من مداخيل الشريحة العليا، ومعظم أفرادها من موظفي القطاع المالي. وقصر مصرف انكلترا المركزي، بعد الاقرار باستقلاله في 1997، التضخم على 2 في المئة. ولا ريب في أن النزعات الانكماشية التي نجمت عن تعاظم الصادرات الصينية اضطلعت بدور في لجم التضخم. فلم تتعد زيادة الاسعار في السنة، بين 1997 و 2005، عن 1.4 في المئة. ولعل إصلاح سوق العمل هو قلب الاصلاحات الأخرى. وتصدى لورد تبيت، وزير العمل في حكومة ثاتشر، في 1982، الى القيد النقابي، وهو كان يوجب على طالب العمل الانتساب الى النقابة ويشترط بطاقة النقابة على العقود، فأبطله وعمد الى تخفيض تعويضات الصرف من العمل: فلقاء 20 عاماً من"الخدمة"العمل قصر القانون الجديد التعويض بمرتب أو معاش 8 شهور نظير 16 - 18 شهراً في فرنسا. وقضى ببت دعوى الصرف في 4 أسابيع نظير 52 أسبوعاً بفرنسا. ومنذ 1993،"ولد"الاقتصاد البريطاني 3.5 مليون فرصة عمل جديدة. فبلغت نسبة البطالة 5 في المئة وكانت 10 في المئة. وحمل هذا الحكومة على سن قانون حرية انتقال العاملين، في 2004، فلا يتعدى ما يوجبه القانون على العامل المهاجر تسجيل اسمه. ويغذي الاستهلاك الداخلي +3.5 في المئة وفي السنة منذ 10 سنوات توسع الانتاج. وهو السبب في نزول الادخار الى 4.4 في المئة، في 2004 كذلك، بعد أن بلغ 10 في المئة. وزادت أسعار العقارات، منذ 1997، 18 في المئة. وبلغ الاستثمار العام في التربية 5.5 في المئة في السنة، وفي النقل 5.2 في المئة. ويشهد نمو الاقتصاد البريطاني بعض التباطؤ منذ 2005، فهو لم يتعد 1.8 في المئة السنة الفائتة، غداة 3.2 في 2004. ويعود التباطؤ، في معظمه، الى ارتفاع سعر النفط. ويذهب صندوق النقد الدولي الى أن زيادة سعر النفط ضعفين، في 2003 و 2004، أنقص نسبة النمو، في 2005، نقطة مئوية ولكن تباطؤ الاستهلاك المنزلي وتعاظم دين المستهلكين، من وجه، واعتدال أسعار السوق العقارية، وزيادة الاقتطاعات العامة، من وجه آخر، أسهمت في كبح الاطمئنان البريطاني الى دوام النمو. فتجدد ارتفاع مستوى الادخار الى 5.5 في المئة نظير تواضع زيادة نسبة الاستهلاك المنزلي 2 في المئة. وبلغت نسبة عجز المالية العامة فوق 3 في المئة، على خلاف المعيار الاتحادي الأوروبي. فحمل التنبيه الاتحادي الحكومة البريطانية على تقييد زيادة انفاقها العام ب 1.9 في المئة، وبناء عليه، فقد لا يتخطى الاستثمار نسبة 1 في المئة الى 1.5. ويشكو الاقتصاد البريطاني عوامل سلبية أبرزها ضعف تأهيل اليد العاملة، وضعف انتاجها، وندرة براءات الاختراع، وقلة فاعلية قطاع الصحة، ونقص الاشتراكات في صناديق التقاعد. وهذه مهمات تنتظر غوردون براون"اليساري"التي تميل الى المثال السكندنافي. عن غيوم لاغان، "كومونتير" الفرنسية، صيف 2006