يتوقع كثير من المحللين ان يبدأ الاقتصاد البريطاني في المعاناة على مدى السنة الجارية والسنة المقبلة، حتى نهاية الدورة الاقتصادية الحالية التي تنتهي آخر 2006، وذلك بعد ما يقرب من عقد من الزمان من النمو الاقتصادي الجيد وسلامة الحسابات العامة. وتشير مجموعة من الارقام الرسمية صدرت في الايام الاخيرة الى تراجع مؤشرات عدة بشكل غير مسبوق، ما جعل السوق تتجه الى توقع ان يبقي"بنك انكلترا"المركزي على معدلات الفائدة كما هي عند 4.75 لفترة، قبل ان يتخذ قراراً، اما برفعها ربع نقطة مئوية قبل ان يبدأ في خفضها أو يبدأ في خفضها باعتبارها وصلت بالفعل الى الحد الاقصى. ومن بين تلك المؤشرات تراجع الناتج الصناعي وانفاق المستهلكين. ويقدر الاقتصاديون ان نحو عشر سنوات من الاداء الاقتصادي الجيد توشك على النهاية والدخول في مرحلة"السنوات العجاف". أظهرت احدث ارقام الدين الحكومي البريطاني تناقضاً جعل كثيراً من المحللين يتوقعون انتهاك"القاعدة الذهبية"التي وضعها لنفسه وزير الخزانة غوردون براون. وحسب الارقام الحكومية الصادرة نهاية الاسبوع، تراجعت استدانة القطاع العام في كانون الاول ديسمبر الى 5.2 بليون جنيه استرليني، مقابل 7.5 بليون جنيه في الشهر نفسه العام السابق. إلا أن ارقام الدين، محسوبة بمقياس آخر غير المعيار الحكومي، تظهر زيادة الاستدانة النقدية بنحو 1.6 بليون جنيه الشهر الماضي لتصل الى 14.7 بليون. وقد وصل حجم الدين الحكومي في الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية الى 37.1 بليون، بزيادة 1.2 بليون على الفترة المقابلة عام 2003. وتقضي"القاعدة الذهبية"بألا تستدين الحكومة إلا للانفاق الاستثماري، وألا تستدين للانفاق على مصروفاتها الجارية، وان يكون الفائض مساوياً للدين بنهاية الدورة الاقتصادية. وتوقع براون في تقرير الموازنة التكميلي الشهر الماضي زيادة طفيفة في الاستدانة الحكومية للسنة الجارية والمقبلة، ليصل الدين الحكومي الى 34 بليون جنيه في 2005 و33 بليون في 2006، مقابل تقديرات سابقة بدين في حدود 33 بليون و31 بليون جنيه على التوالي. يقول كبير الاقتصاديين في"كابيتال ايكونوميكس"جوناثان لوينز:"تبدو الارقام افضل في كانون الاول، واقل قليلاً مما توقعناه، إلا أنها تظل ضعيفة، خصوصاً اذا نظرت الى الفارق بين الانفاق الاستثماري والجاري، لذا يظل هناك احتمال كبير ان تنتهك القاعدة الذهبية". انفاق المستهلكين وجاءت أرقام مبيعات فترة العطلات والاعياد ضعيفة بقدر غير مسبوق في نحو 23 عاماً، لتضيف الى المخاوف من تراجع انفاق المستهلكين الذي يشكل اكثر من نصف اجمالي الناتج المحلي. وحسب مكتب الاحصاء الوطني، تراجعت مبيعات التجزئة في بريطانيا لشهر كانون الاول بنسبة شهرية تصل الى 1 في المئة، مقابل ارتفاعها في تشرين الثاني نوفمبر بنسبة شهرية 0.6 في المئة، في أسوأ تراجع لها منذ عام 1981، وعدّل المكتب تقديراته للنمو في 2004 بالخفض من 5.9 في المئة الى 3.2 في المئة. وعلى رغم تحذيرات"بنك انكلترا"من ان دلالة ارقام مبيعات التجزئة تحتاج لفترة قبل التأكد منها، واشارة بعض المحللين الى ان الارقام ليست سيئة تماماً، تتحسب السوق لتراجع ثقة المستهلكين مع تأثير ارتفاع الفائدة وهبوط اسعار العقارات ما جعل حمى الاستدانة الشخصية تهدأ كثيراً، بعدما تجاوزت ديون الأسر البريطانية تريليون جنيه استرليني. كما ان الارقام التي صدرت في الايام الاخيرة من شركات مبيعات التجزئة الكبرى تدل على ضعف القطاع عموماً. مع ذلك لا يتوقع ان يكون لها تأثير فوري في قرار رفع أسعار الفائدة أو خفضها. يقول كبير الاقتصاديين في"انفستك"فيليب شو:"ارقام مبيعات التجزئة ضعيفة جداً، لكن كما اشار محافظ بنك انكلترا ميرفين كينغ لا يمكنك التوصل الى دلالة مبيعات الكريسماس إلا في عيد الفصح نيسان، وتقديرنا ان البنك سينتظر ويترقب ولن يتخذ قراراً الآن". من جهة اخرى، اشارت الارقام الرسمية الى ارتفاع مؤشر اسعار المستهلكين في كانون الاول بنسبة 1.6 في المئة، مقابل ارتفاعها بنسبة 1.5 في المئة في تشرين الثاني. وارجع مكتب الاحصاء الوطني الارتفاع الى الزيادة في كلفة الخدمات الاساسية بزيادة اسعار السكن والمياه والكهرباء والغاز للاستخدام المنزلي، التي وصلت نسبة الزيادة السنوية فيها الى 5.4 في المئة. وعلى رغم أن معدل التضخم يظل اقل مما يستهدفه المصرف المركزي عند 2 في المئة، إلا ان الزيادة الاخيرة تشكل ضغطاً باتجاه رفع سعر الفائدة، او على الاقل تأجيل البدء في خفضها. الناتج الصناعي على رغم أن أرقام البطالة في الاقتصاد البريطاني لا تزال جيدة، بعدما تمكن الاقتصاد من تشغيل 99 الف شخص في الربع الاخير من العام الماضي، إلا ان 13 الفا فقدوا وظائفهم في تلك الفترة ليصل عدد العاطلين عن العمل الى 1.4 مليون، مقابل نحو 28 مليون شخص يعملون الآن. وفي الربع الأخير من العام الماضي، تعرض القطاع الصناعي البريطاني، الذي تراجع ناتجه في تشرين الثاني، الى ضغط شديد. وفي تلك الفترة كان عدد العاملين بالقطاع 3.25 مليون شخص، بأقل 110 آلاف عن عدد العاملين فيه في الفترة نفسها من عام 2003، ويتحمل القطاع الصناعي الآن القدر الأكبر من نسبة البطالة السنوية البالغة 4.7 في المئة. وتقدر غرفة التجارة البريطانية ان يواجه القطاع الصناعي تحديات كبيرة في السنتين المقبلتين بسبب احتمالات تراجع الصادرات نتيجة قوة العملة الوطنية، الجنيه الاسترليني، مقابل العملات الرئيسية، اضافة الى ارتفاع كلفة الانتاج مع زيادة اسعار الفائدة عن ضعف مثيلتها الاوروبية والاميركية. وتوقعت الغرفة تباطؤ نمو اجمالي الناتج المحلي من اكثر من 3 في المئة في 2004 الى اقل من 2.5 في المئة لسنتي 2005 و2006. وهناك فارق كبير بين توقعات الغرفة وتوقعات وزير الخزانة، الذي قدّر النمو الاقتصادي بنسبة ما بين 3 و3.5 في المئة للسنة الجارية. وكانت مؤسسة"ديلويت اند توتش"توقعت تباطؤ النمو الى معدل 2 في المئة فقط السنة الجارية، مشيرة في تقرير لها عن آفاق الاقتصاد البريطاني الى ان هبوط اسعار العقارات سينعكس سلباً على انفاق المستهلكين وسيؤدي الى زيادة البطالة. وقدّرت المؤسسة في تقريرها ربع السنوي ان الخزانة البريطانية بحاجة لتحصيل 10 بلايين جنيه استرليني اضافية سنوياً للحفاظ على سلامة الحسابات الحكومية في المدى القصير. وتوقعت ان يزيد ذلك من احتمالات تباطؤ الاقتصاد، بعدما حقق نمواً بنسبة 3.25 العام الماضي.