تلقيت عبر البريد الالكتروني رسالة بالعربية من القارئ محمد عثمان الذي يقول انه كاتب وصحافي عراقي لا أقول عنها سوى انها عجيبة، فصاحبها يقول لست كاتباً كبيراً فقط، بل عظيماً، ثم يهاجمني بقوله:"لم أتوقع موقفكم هذا المعادي للحرب على العراق. أي شيء دفعكم للوقوف ضد اسقاط الطاغية؟ هل الخازن وأمثاله لا يزالون يعتبرون صداماً رمز عروبتهم وكرامتهم...". أولاً، أنا لست كاتباً كبيراً أو عظيماً، واذا كنت لا أرى هذا في نفسي فلا يمكن أن يراه قارئ. ثانياً، احتج بشدة على قول القارئ انني كنت ضد اسقاط صدام حسين أو أنني أرى فيه رمزاً لشيء. ثالثاً، اتحدى القارئ أن يأتي بعبارة أو سطر لي أدافع فيه عن صدام حسين. شكرت الأميركيين ألف مرة على اسقاط صدام حسين، وقلت انه كان انجازاً لا يقدر عليه غيرهم، الا انني حتماً أعارض أن يقتل عشرات العراقيين كل يوم في ارهاب متفاقم، وأحمّل الأميركيين المسؤولية، فهم قوة الاحتلال. وربما زدت أنني لم أعارض صدام حسين بعد احتلال الكويت، فقد عارضته قبل ذلك وخلال الاحتلال وبعده، والأمير خالد بن سلطان، ناشر"الحياة"، كان قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب التحرير، ولا أقبل أن يزايد أحد على"الحياة"في الموقف ضد صدام، وهو موقف منعني من زيارة بغداد، فأنا لم أزرها طوال حياتي العملية، ومعرفتي بالعراق تقتصر على الشمال في ضيافة الأخوة الأكراد. ويبدو ان حظي من القراء في بريد اليوم سوء الفهم. فالقارئ أحمد معروف يقول انني ضيعته في مقالاتي، فتارة أدعو الى الديموقراطية وتارة انتقدها، وهو يزيد:"ان علينا قبول الديموقراطية بإيجابياتها وسلبياتها...". لا أدري لماذا ضاع القارئ، فقد كتبت دائماً مع الديموقراطية، وقلت في هذه السطور ان ديكتاتوراً أو مجنوناً يرفض الديموقراطية، وأنا لست هذا أو ذاك. كل ما فعلت هو انني رفضت الديموقراطية على الطريقة الأميركية، مع ما أرى من قتل يومي في العراق، ومن فساد هائل، ومن تعامل الادارة الأميركية مع نصابين يزعمون انهم معارضون في هذا البلد أو ذاك. أما الديموقراطية على طريقة أثينا فأنا"أموت في دباديبها". والمنطق يقول ان يحاسب الكاتب على رأيه كاملاً، لا نصفه أو ربعه. وأكمل بعشر رسائل، الكترونية وبالانكليزية، من قارئ واحد هو سركيس سركيس، ومع أنني اعترض على كثير مما ورد في رسائله، الا انني أقدر جهده، وأحاول افساح بعض المجال له. هو يقول في رسالة مفتوحة للأخ أبو مازن انه حتى لو رفضت اسرائيل في النهاية المضي في عملية السلام، فإنه ينصح بالمقاومة من دون عنف، ولا اعتراض لي على ذلك. وأختار من رسائل أخينا سركيس الأخرى الآتي: - شارون وعصابته أعداء، ولكنه انتخب بحرية، الا اننا نعيش في دول غير ديموقراطية يستخدم قادتها لغة تحريضية تنشر الخلافات المذهبية. - يؤيد ما ذهبت اليه في مقال عن الفرص الضائعة، ويقول اننا نهدر الوقت في الاهتمام بإسرائيل وأميركا بدل أن نتابع المشكلات في بلادنا ونحارب الفساد. - التاريخ سيثبت ان الانتخابات في العراق فتحت الأبواب أمام الديموقراطية في المنطقة. وأقول للقارئ انه لا توجد ديموقراطية وقودها عشرات الضحايا كل يوم. وقد عرف لبنانوالكويت وغيرهما انتخابات ديموقراطية. وكانت هناك ديموقراطية معقولة في العراق أيام الملكية. - من الأفضل لي أن أكتب عن فساد الحكومات العربية وعدم وجود ديموقراطية وحرية، بدل أن اتهم اسرائيل بالمسؤولية عن المشكلات العربية. وأسأل القارئ لماذا لا أكتب عن الاثنين؟ وضاق المجال فأختصر، والقارئ يقترح أن أغير اسمي، ولن أفعل، ثم يسأل لماذا لا أكتب عن جرائم صدام، وقد فعلت، ويدافع عن الاحتلال، وأقول ان جرائم صدام لا تعفي القوة المحتلة من جرائمها، كما ان جرائم الارهابيين الذين يزعمون انهم مقاومة لا تبررها جرائم صدام أو الاحتلال. القارئ تشنسو موماكوا بعث اليّ برسالة تظهر ان بعض الأمور اختلطت عليه، فهو يعتقد بأن الجولان لبناني، ولعله يقصد مزارع شبعا، ويسأل لماذا يحتاج لبنان"حزب الله"لردع اسرائيل؟ ثم يقول ان العداء لاسرائيل يوحد العرب، وهم لذلك يزعمون ان اسرائيل وراء كل مشكلة تنفجر في هذا البلد أو ذاك. وأتفق مع القارئ على النقطة الأخيرة من رسالته. وأختتم برسالتين عن ايران: واحدة قصيرة، وبالانكليزية، من ناد موسانيس الذي يدافع عن"مجاهدين خلق"والسيدة مريم رجوي، ويعارض مقارنتي مع أحمد الجلبي الذي يعتبره عميل استخبارات، والأخرى طويلة وبالعربية من السيد حسين عابديني، من مكتب ممثلية المجلس الوطني للمقاومة الايرانية في لندن. الرسالة هذه تزيد حجماً على ضعفي هذه الزاوية كلها، ومع ذلك أحاول أن أنشر ما أستطيع، فالكاتب يعترض على مقارنتي"مجاهدين خلق"بالمؤتمر الوطني العراقي، أو تحالف الشمال الأفغاني، ويقول ان كلامي هذا"يصب في خدمة نظام الملالي الحاكم في بلادنا". كذلك فهو يعترض على نقاط أخرى ويقول:"يبرئ جهاد الخازن في مقالاته ساحة نظام الملالي الحاكم في ايران من الارهاب ويؤكد أحقية النظام في امتلاك اسلحة نووية". وأنا أفعل، ولا أعتبر بعد سقوط صدام حسين أنه يوجد نظام ارهابي في الشرق الأوسط غير حكومة آرييل شارون، وأصر على ان من حق ايران، وكل دولة في الشرق الأوسط، أن تمتلك أسلحة نووية طالما ان اسرائيل تمتلكها، مع ان الأفضل في رأيي، وهو مسجل مرات عدة، أن تكون منطقتنا كلها خالية من الأسلحة النووية. ويقول السيد حسين عابديني في جزء آخر من رسالته ان المقاومة الايرانية تنطلق من"رصيدها المتمثل في دعم أكثر من 70 مليوناً من الشعب الايراني الذين يستاؤون من النظام الحاكم بنسبة 95 في المئة...". طبعاً هذا مستحيل، والمبالغة فيه تلغي صدقية الرسالة، مع أن كاتبها حر في ابداء أي موقف يريد. كل ما أقول ان رأيي مسجل، وأنا أصر عليه لا عناداً، وانما لاقتناعي به.