سيقرأ العرب لمدة طويلة كتابي هشام شرابي"الجمر والرماد"و"صور الماضي"، فهما يتعديان سيرة المثقف الفلسطيني القومي الى جيل النهضة العربية المتكسرة بعد انشاء اسرائيل 1948. ولا يمكن نسيان المقاطع النهائية الآسرة من"الجمر والرماد"حين تقلع الطائرة بهشام شرابي الى الولاياتالمتحدة تاركاً خلفه مأساتين متلازمتين: ضياع فلسطين واعدام انطون سعادة الذي صادقه شرابي وانتمى الى حزبه القومي. صحيح ان كتبه"المثقفون العرب والغرب"و"النظام الأبوي"و"الديبلوماسية والاستراتيجية في الصراع - العربي الاسرائيلي"، علامات في الكتابة النهضوية، لكن شأن النهضة والتحديث في عالمنا العربي متغير متحول متأرجح، كحال مجتمعاتنا التي كانت معبراً للقوى الكبرى ولا تزال لا تقوى على تقديم نفسها لنفسها وللعالم كقوة تحمي، على الأقل، صورة هويتها ومسار تطورها، لذلك أتوقع بقاء طويلاً لكتابي شرابي"الجمر والرماد"و"صور الماضي". ويبدو ان السيرة الأولى في الوطن طبعت باستمرار مسار هشام شرابي، أكاديمياً وكاتباً، في شيكاغو وواشنطن، واخيراً في بيروت، فلم يتخل الرجل عن حلم جيله بالحداثة والتحرير والانفتاح على العالم وبناء انسان متجدد، وإن بدا في إصراره احياناً شيء من النفرة، خصوصاً في الوسط الأكاديمي الأميركي. سيفتقده العرب كما افتقدوا ادوارد سعيد، بل أكثر لأن الراحل كان ملتزماً بمسار الثقافة الوطنية في الوطن والمهجر ثم اخيراً في الوطن.