طرح أحد الكتّاب العرب، مبتهجاً، اكتشافه ان العراقيين أخذوا دروس المقاومة من أبناء فلسطين، دروس أطفال الحجارة، أو الاستشهاديين. بلى! ان لأولئك الأطفال الذين فاجأوا العالم بشجاعتهم وإقدامهم، دروساً للعالم، وهم يتحدون دبابات اسرائيل ومدافعها بأيديهم الصغيرة البريئة، وهي لا تحمل سوى حجارة الشارع ليعلنوا انتفاضتهم، مؤجلين أحلامهم ولهوهم، مؤجلين نموهم وطفولتهم ومستقبلهم، لعل صرختهم تلك توقظ الرجال والقادة ليصحوا ويهبّوا لحمايتهم، وإرجاع منازلهم وأرضهم وأحلامهم. لكننا رأينا ان الكبار ظلوا على ما هم عليه، يسبحون في المقاهي، أو يدبجون المقالات تمجيداً للحجارة وأطفالها، وكأن تلك الانتفاضة جاءت لتمنحهم موضوعاً يملأون به صفحات جرائدهم، والمجلات التي لم يعد فيها شيء سوى شعارات لا تغني ولا تشبع. وبعضهم طالب، حرفياً، أن تبقى "الانتفاضة الى الأبد". وكأني به يتمنى مثل الآخرين، أن يواصل الأطفال انتفاضتهم، وان يلغوا طفولتهم، وأحلامهم ولهوهم ومدارسهم، ليواصل أولئك الكتّاب تدبيج مقالاتهم الخطابية والقصائد الحماسية التي أمطروا بها الصحف والمجلات، ولنواصل نحن الحلم والتأمل والانتظار. نحلم ان القادة العرب والمسلمين استوعبوا الدرس. فجهزوا الجيوش كلها، وقد إتحدت، وتحدّت اسرائيل، ومزقوا صحائف التنديد والاستنكار، بل هددوا وتوعدوا. وحين لم يُستجب وعيدهم دخلوا بجيوشهم وأسلحتهم، فحرروا الأرض، وواصلوا الزحف، وأعادوا الأميركيين الى أميركا، والروس الى روسيا، وكلاً الى بلاده التي نزح منها، داعين كل فلسطينيي الشتات للعودة الى قراهم ليبنوا فلسطين التي حلموا بها طويلاً. ولكن شمس الحقيقة توقظنا من ذلك الحلم على كوابيس. فنفيق مذهولين بصدام العراق وهو يحيد عن أطفال فلسطين وحجارتهم المباركة، ويزحف بجيش العراق على ايران ليفجعنا، لا بجهله السياسي والعسكري فقط، بل الجغرافي أيضاً، حين يرفع شعاره إياه الطريق لتحرير القدس عبر عربستان. وبعد سنين من القتل والتدمير، يعود مرة أخرى، بلا اعتذار، ليرفع شعاراً أكثر حمقاً وجهلاً وخراباً: الطريق الى فلسطين عبر الكويت. لندن - ابتسام يوسف الطاهر