ما أن يبدأ الخريف بسمائه الرمادية وسحبه الكثيفة وامطاره ورياحه، حتى تختفي الابتسامات من على وجوه الشباب، سواء كانوا في طريقهم صباحاً إلى الجامعة أو العمل، أو عائدين في المساء. الشمس غائبة في جميع الأحوال. وكما يعرف العلماء"البيات الشتوي"عند الحيوان، يطلقون في سويسرا مصطلح"الإكتئاب الخريفي"على ما يصيب الشباب من الخريف وحتى نهاية الشتاء. الأطباء النفسيون لا يرون في هذا الإكتئاب الخريفي حالة مرضية مخيفة مثل الإكتئاب في بقية فصول السنة، ولكنهم يعرفون أن له انعكاسات كبيرة على مظاهر الحياة في شكل عام، فترتفع الرغبة في النوم، ويقل النشاط، ويزداد الشعور بالخوف والقلق والوحدة. ولمواجهة تلك الظاهرة، التي تؤثر بالطبع في الدراسة والتحصيل والعمل، تحرص الجامعات والمدارس على تقديم حلول ترفع من معنويات الطلاب. وتقترح مثلاً بعض المعاهد زيارة قاعات الرياضة في الصباح الباكر، قبل بدء الدراسة، وممارسة بعض الألعاب أو التمارين التي تساعد على طرد روح الكسل من الجسم، ليكون الطالب بعدها نشيط الذهن ويبدأ يومه الدراسي متحفزاً. وتسمح بعض المدارس الثانوية لتلامذتها بالدخول إلى قاعة الموسيقى قبل بدء اليوم الدراسي للعزف كنوع من التنشيط والخروج من الأجواء المظلمة. ومن المفترض أن تكون التوصية المهمة للجميع هي البقاء في أجواء دافئة أطول وقت ممكن، إلا أن التجربة أثبتت أن المشي في الهواء الطلق سواء كانت تمطر أو تثلج، أمر حيوي ويعمل على تفاعل الجسم مع الطقس في شكل ايجابي. فالإختباء طيلة الوقت في الغرف المغلقة، لا يساعد على تجديد الحيوية، وبالتالي فلا مفر من الهواء الطلق، طالما لا توجد عواصف. وهو ما يفعله الكثير من الشباب اثناء النهار، سواء أثناء استراحة الغداء للموظفين أو بين المحاضرات والدروس للطلاب. وإذا كانت المعاهد والمدارس تقدم حلولاً تتناسب معها، فغالبية الشركات ودوائر العمل توفر أيضاً امكانات للخروج بموظفيها من دائرة الإكتئاب اليومي. وأعدّت بعض الشركات صالات كبيرة بإضاءة قوية جداً، توحي للجالس فيها وكأنه تحت الشمس، وتنصح الجميع بالتوجه إليها لمدة ربع ساعة على الأقل مرتين أو ثلاث اثناء العمل. ولإضفاء بعض الواقعية على مثل تلك القاعات، يجد الجالس فيها صورا لمناظر طبيعية يكون للشمس فيها حضور واضح، مع لمسات الشتاء، فغالبية اللقطات للمناطق الجبلية المغطاة بالثلوج، والتي تغمرها الشمس الساطعة. باولو 28 عاماً يعمل في احد المعامل الصغيرة، قال:"بعد كل ساعتين من العمل، افتح النافذة لتجديد الهواء، وأحرص على شرب عصير البرتقال في شكل منتظم، وأشعر بتجديد الحيوية في بدني طيلة النهار". وينصح الخبراء دائماً باستغلال عطلة نهاية الأسبوع الابتعاد من البيت وأجواء المذاكرة، فتكثر الرحلات إلى المناطق الجبلية، التي تسطع فيها الشمس على عكس السفوح والوديان، حيث لا تشرق الشمس إلا نادراً. وتحرص المدارس الثانوية والمعاهد على ترتيب مخيمات أو معسكرات في المناطق الجبلية لممارسة الرياضات الشتوية وتوفير الأجواء الجماعية التي تساعد في التغلب على الشعور بالوحدة والانعزالية. وتمنح الثانويات وبعض المعاهد الطلبة ثلاثة اسابيع كعطلة للخريف، قبل عطلة إجازة عيد الميلاد واحتفالات رأس السنة، وهي الفترة التي تشهد فيها مخيمات ومعسكرات الرياضات الجبلية الشتوية نشاطاً كبيراً. ومن لا يتمكن من الاشتراك في تلك الفعاليات، فما عليه سوى أن يرتب بنفسه اساليب الفرار من الإكتئاب الخريفي. فهناك نصائح باستخدام ضوء الشموع الذي يضفي شعوراً بالدفء، حتى ان بعض الشباب من الموظفين يوقدون الشموع حتى في وضح النهار لقناعتهم بأن ضوءها يتغلب على الشعور بالكآبة، في حين يفضل آخرون تناول مشروبات ساخنة من أعشاب مختلفة، يعتقدون أنها ترفع المعنويات وتقوي الرغبة في الخروج من دائرة الخوف والإكتئاب. "أعتبر أن القضاء على الإكتئاب الخريفي مرحلة تحد فعلية بالنسبة الي"، قالت مارغريت 25 سنة، وهي تستعد لركوب دراجتها متجهة إلى الجامعة على رغم قسوة البرد والضباب الذي يلف شوارع المدينة. وأضافت:"أريد أن اثبت لنفسي أولاً أنني اقوى من هذا الإكتئاب، واحرص على استعمال الدراجة، حتى في أقصى درجات البرودة ، طالما أن الملابس ثقيلة بدرجة كافية". وتشرح مارغريت أن بعض اصدقائها يحرص يومياً على ممارسة رياضة العدو الخفيف في الشوارع، وآخرون يضعون برنامجاً لترتيب مقابلات وسهرات جماعية مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، لمجرد التغلب على الشعور بالوحدة الذي يزداد بقوة في الخريف والشتاء لا سيما بين الطلاب الذين يبتعدون عن منازلهم. وعلى عكس الاكتئاب العادي الذي يقلل من الشهية، لوحظ اقبال الشباب على استهلاك الشوكولا والمأكولات الإيطالية الغنية بالبروتينات اثناء فترات الشتاء الطويلة. ويقول العلماء إن السبب في ذلك يرجع إلى شعور داخلي بالحاجة إلى الطاقة المفتقدة بغياب الشمس، كما تتولد لدى الكثير من المراهقين والشباب رغبة لا إرادية، بأن كثرة الطعام تعوضهم عن طاقة غائبة. خطر اكتئاب الخريف يكمن في إقبال البعض على أدوية يدعي صانعوها أنها تساعد على الخروج من تلك الأزمات، ترفع الروح المعنوية. لكن اقبال الشباب على تلك النوعية من العقاقير قليل، فغالبيتهم يفضل الأعشاب الطبيعية والعصير والموسيقى. ومن لم يستطع ان يجد بين كل تلك الوسائل ما يخرجه من اكتئاب الخريف، فعليه أن يتذكر أن الربيع آتٍ لا محالة.