"أرامكو" تتم عملية الطرح الثانوي لأسهمها العادية    هانتر بايدن يدان في قضيته الجنائية    ختامها خسارة    الهلال بطل لن يتوقف    مبابي ورونالدو وكاين وبيلينغهام تحت المجهر    100 % من مدارس المملكة تنهي "التقويم الذاتي"    المملكة تستضيف ذوي التوائم السيامية المفصولة للحج    النوم يقلل الشعور بالوحدة    وزير الإعلام يزور جناح «الداخلية» في معرض ملتقى إعلام الحج في مكة    «الجوازات» تعلن قدوم 1,547,295 حاجاً عبر المنافذ الدولية حتى نهاية أمس    إزالة 18 ألف م2 مبان مهجورة بالشرقية    ولي عهد الكويت: نعتز بالعلاقة المتميزة مع المملكة    «الخارجية القطرية»: تسلمنا رد الفصائل الفلسطينية على مقترحات إسرائيل    تعليق التعاون الروسي - الإيراني    مقتل نائب رئيس مالاوي ومرافقيه في حادث طائرة    وزير الخارجية يشارك في جلسة التواصل الوزارية لمجموعة «بريكس»    الموافقة على افتتاح جمعية خيرية للكبد بجازان    القبض على مصري في القصيم لترويجه مادتي الحشيش والإمفيتامين المخدرتين    البرق ينضم لإدارة النمور    الآسيوي يشيد بتنظيم بطولة العالم    السعودية للكهرباء تعلن عن تفاصيل استثماراتها ومشاريعها لحج 1445 ه    سفير المملكة في الأردن يودع 1000 حاج وحاجة فلسطيني    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة منيرة بنت محمد بن تركي    المعارضة البريطانية تتقدم.. وسوناك يربك المحافظين    تعزيز الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة بالمدينة المنورة    توفير البيئة الآمنة للكشافة في معسكرات الخدمة العامة    فضائل العشر من ذي الحجة    المظالم ومدن يوقعان اتفاقية للربط الرقمي    العاهل الأردني: شبح المجاعة يهدد غزة.. السيسي يدعو لدعم «الأونروا»    زيادة في عدد الإصابات بحمى الضنك والأمراض المرتبطة بالبعوض في أوروبا    أكثر من 15 ألف مستفيد من حملة "سلمان للإغاثة" لتحصين الأطفال ضد مرض الحصبة في اليمن    وفدٌ مجلس الشورى يقوم بزيارة إلى الهيئة الملكية بالجبيل    صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يستعد لاستقبال الحجاج    اليوم.. التفويج "الأكبر" للحجاج من المدينة لمكة    الذهب يفقد بريقه والنفط فوق 80 دولاراً    «أبل» تستعد لإبهار العالم بتحديثات كبيرة في مؤتمر المطورين    وزير الداخلية يتفقد المشاريع التطويرية في المشاعر    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    تعزيز بناء الجدارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية    «الدفاع المدني»: تجنبوا الزحام وراعوا كبار السن في المسجد الحرام    اللامي ل«عكاظ»: ناظر سيعيد العميد لطريق البطولات    الرئيس التنفيذي للمساحة الجيولوجية يناقش التعاون الجيولوجي في كازاخسان    أمن الحج.. خط أحمر    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    للمعلومية    64.2 مليار أصول شركات التمويل    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    عرض عسكري يعزز أمن الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قاسم مشترك بين بوش وكيري ... كلاهما لا يشكل رئيساً عظيماً لأميركا
نشر في الحياة يوم 15 - 10 - 2004

يخوض جورج دبليو بوش الشوط الأخير من حملته الانتخابية باستراتيجية البناء على القاعدة الشعبية المتقبلة لفكره وتوجهاته الدينية والأخلاقية. لذلك فإنه ينطلق من رفضه القاطع الاعتراف بارتكاب أي خطأ ومن اصراره على صحة قراراته المحلية ومغامراته العالمية للسنوات الأربع الماضية. انه رجل الاستمرارية. وهذا تماماً ما يقدمه للناخب الأميركي: أربع سنوات اضافية. بالمقابل فإن ما يعرضه جون كيري هو التغيير بمعنى قطع الطريق على سياسات بوش لوضع حد نهائي لمسيرته التي أخذت أميركا الى ما هي فيه الآن. هذه الدعوة في حد ذاتها تكسب الدعم مع ان تفاصيل البديل الذي يقدمه كيري عائمة ومشتتة وتكاد تكون متطابقة مع سياسات بوش التي ينتقدها خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمستقبل التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط والخليج وشمال افريقيا، من ايران الى فلسطين الى سورية والسودان. في هذه المنطقة بالذات تختبر شخصية الرجلين من جهة الحزم والحكمة كما من جهة تقاليد السياسة بقيودها وطموحاتها. الناخب الأميركي الذي يصنّف بأنه غير حازم في صوته بعد وقابل للاقناع منقسم الى جزء بالغ الخوف من خيار بوش وجزء آخر بالغ القلق من كيري بسبب مواقفه التحريضية والاعتذارية.
هذا الناخب لن يسهل التنبؤ بمن هو وماذا يرضيه وما هي أولوياته. فهو جديد على الساحة الانتخابية لأنه لم يسبق أن اهتم بأن يكون جزءاً منها. انه الشاب والتلميذ والمهاجر من الطبقة الفقيرة والمتوسطة. انه جديد من نوعه غير قابل للافتراض أو للحسابات التقليدية. نسبته حوالي 15 في المئة من الأصوات، ولذلك لا يستهان به بل انه محط استقطاب حملتي بوش وكيري، باستراتيجيات مختلفة وعلى أسس متباينة.
بوش يسعى الى المحافظين من هذه النسبة. يريد العائلة التي تذهب الى الكنيسة كل يوم أحد. يريد الناخب المعارض كلياً للاجهاض والذي لن يقبل بأي بحوث لها علاقة بالخلايا السلالية لأنه غير مستعد لاستيعاب فوائد هذه البحوث لاعتبارات دينية و"أخلاقية". هؤلاء الذين ينطلقون من اعتبارات"أخلاقية"هم الذين يعتبرهم بوش قاعدته، ولذلك سيركز عليهم. ففكرة القائمين على حملة اعادة انتخاب بوش ترتكز الى ان الأكثرية الاميركية دينية مهتمة بالقضايا الاجتماعية الأخلاقية ابتي تنادي بها الكنيسة.
كيري من جهته سيخطب ود ما يسمى بالمترددين أو بالمستقلين بقدر المستطاع على أسس غير الدين والأخلاق مع انه سيبرز تدينه وخلفيته الدينية كما لم يفعل من قبل. فالدين فاعل رئيسي الآن في الانتخابات الرئاسية الأميركية بصورة لم يسبق وان سيطرته الى هذه الدرجة على مسيرة الانتخابات. أربعين في المئة من الأميركيين يذهبون الى الكنيسة كل يوم أحد. الحديث في أميركا حول القضايا الاجتماعية من زواج الجنس الواحد الى الاجهاض ليس حديثاً عابراً. ثم ان الكنيسة البروتستانية التبشيرية وجدت في جورج دبليو بوش مؤمناً لا يستغنى عنه، لذلك نوت توظيف كل قدراتها وراءه.
في هذه الانتخابات تنافس القضايا الاجتماعية، كما تعرّف دينياً وأخلاقياً، الحرب على الارهاب وحرب العراقي في قائمة أولويات نصف الاميركيين على الأقل. الاقتصاد مهم بالتأكيد، الضمان الصحي أيضاً مركزي في الاعتبارات، انما لا يمكن تجاهل طبيعة المعركة في جزئها الممتد من الخوف نتيجة الارهاب الى الايمان كسلاح في وجه الخوف. فالدين في حد ذاته محرك رئيسي وراء القضايا الاجتماعية إلا انه ازداد أهمية في زمن القلق وزمن الحرب على الارهاب أينما وقعت في الولايات المتحدة أو في العراق.
جورج بوش يخاطب قاعدته الشعبية أحياناً بلغة دينية لتبرير ما استدعاه الى اتخاذ قرارات أو لشرح لماذا ينوي المضي بالمسيرة التي بدأها. انه في"مهمة"بتكليف من قوة أعظم هكذا ينظر الى نفسه وهكذا يريد للناخب الأميركي ان ينظر اليه وهو يخوض الحرب بين"الخير والشر". لذلك لن تستهلك حملته الانتخابية ما تبقى من أيام قليلة حتى موعد الاقتراع لتغيير جذري اما في طبيعة بوش أو في مسيرته كي يستقه الخائفين من هذه الناحية بالذات في شخصيته وفي سياساته.
ستوظف، بدلاً، ما تبقى من أيام لتشبّع الناخب في ولايات مثل اوهايو وفلوريدا وبنسلفانيا. ان ادارة بوش حققت"انجازات"ضخمة في حرب الارهاب بحيث حمت المدن الاميركية منها وخاضتها في مدن بعيدة في بلاد غريبة كضربة استباقية مدروسة. لذلك سيكون وعد بوش لأميركا وعد"الاستمرارية"في النهج الذي اعتادته، من حروب استباقية حتى الانتصار على شر الارهاب الى حروب"خير"تأتي على الشعوب بالديموقراطية كما حدث في افغانستان والعراق.
فلا جديد في فكرة ونهج ووعود بوش. الجديد الذي يتمناه بعض الذين يدعمون بوش لولاية ثانية يتعلق بالأفراد الذين سيخدمون في ادارة الولاية الثانية. هذا البعض الذي يضم أفراداً فاعلين في دعم الحملة الانتخابية يتوقع أو يتمنى ان تتخلص الادارة الثانية من معظم طاقم وزارة الدفاع ومن فيها من محافظين جدد. رأيه ان أية ولاية ثانية لأي رئيس تحرره من القيود والديون والاعتبارات الانتخابية، وان بوش بالذات سيكون رئيساً أفضل في الولاية الثانية وسيتجرأ على مواقف لأنه جريء ومصمم وحازم وقوي ومتمسك بصحة رأيه.
هذه الصفات، من وجهة نظر المعارضين لبوش، هي صفات العناد والتشبث بالرأي والاندفاع بلا توقف للمراجعة والتدقيق في الأخطاء. انه رجل غير قادر على الاعتراف بالخطأ أو بالضياع، لذلك هو خطير ومسيّر عبر المحافظين الجدد في البنتاغون وأمثال نائبه ديك تشيني، حسب رأي هؤلاء المعادل نصف اميركا تقريباً لا تشق بجورج بوش رئيساً لولاية ثانية لأن ما يقارب نصف من يصوتون ضده سيصوتون ضد"الاستمرارية".
نسبة اهتمام الاميركيين بالعملية الانتخابية هذه السنة تفوق ما سبقها لدرجة تجعل هذه الانتخابات أهم ميزان ومؤشر على انقسام الأميركيين الجذري. احد أهم أسباب الانقسام والاستقطاب الذي لم يسبق له مثيل في السنوات الاخيرة الماضية هو أولا الرجل بوش ثم عقيدة المحافظين الجدد واليمين الكنسي المحافظ.
السبب السياسي للانقسام هو حرب العراق خصوصاً بعدما تبين ان لا أسلحة دمار شامل في العراق، وبعدما تم فك الربط بين العراق وارهاب 11 أيلول سبتمبر في اعقاب محاولات أقطاب الادارة الجمهورية للايحاء بهذا الربط كمبرر للحرب. اضافة الى ان الانقسام حيال حرب العراق سياسةً وقراراً ليس فقط بسبب صحة القرار أو خطأه وانما لما وراءه من اتهامات لبوش وادارته تدور في فلك التضليل المتعمد واختراع الذرائع والمبررات.
كل هذا لا يعني ان المعترضين على بوش واثقون بكيري ومتحمسون له. في الفترة الأخيرة، وبسبب المناظرات التي أظهرت كيري"رئيساً"أكثر وكشف بعضها نقصاً في شخصية بوش، بدأ جزء من الناخبين التفكير في شخصية الرئيس بغير ما اشتهته حملة بوش. لا أحد بين الأميركيين المثقفين أو بين رؤساء كبار الشركات الفاعلة يعتقد بأن الخيار هو بين رئيسين عظيمين. الأكثرية الساحقة تختلف على أسس اما حزبية أو عقائدية أو اجتماعية أو سياسية أو شخصية، لكن القاسم المشترك بين المختلفين يكاد يكون شبه التوافق على ان لا بوش ولا كيري خامة لرئيس عظيم للولايات المتحدة الاميركية.
عند البعض يعتمد الاختيار بينهما على قدر"الارتياح"لاحدهما. كيري يبدو مترفعاً من صعب الوصول اليه فيما بوش يبدو وكأنه الجار العادي الذي تحييه صباحا وتتبادل الحديث السريع معه. وعند البعض الآخر يعتمد الاختيار على الحس الداخلي بالثقة او بانعدامها بالرجل وبفكره أو بالرجل وحسه الداخلي.
هناك من ينتظر حتى اللحظة الأخيرة لأنه محرج ولم يقرر بعد ان كان كيري يستحق الصوت الذي حجبه عن بوش. وهناك من يخشى ان يكون كيري اسوأ من بوش عندما يتعلق الأمر بالمنطقة ذاتها التي باتت ساحة الحروب الاميركية على الارهاب ولعى امتلاك الأسلحة المحظورة وعلى الطغيان باسم نشر الديموقراطية.
مواقف جون كيري ونائبه جون ادواردز نحو ايران ملفتة للنظر اذ تكاد تزايد على مواقف بوش تشيني بنبرة تشبه نبرة المحافظين الجدد الذين يريدون حرباً استباقية على ايران. مواقفهما نحو سورية تتطابق كثيراً مع مواقف المحافظين الجدد. كيري وادواردز شاركا في تقديم قانون محاسبة سورية وفي شهر أيار مايو الماضي انتقد كيري ادارة بوش على"التأخير"في فرض العقوبات على سورية.
اما في ما يخص اسرائيل فإن مواقف كيري ادواردز تكاد تفوق مواقف بوش تشيني تملقاً وتعهداً وتنافساً على احتضان اسرائيل مهما فعلت بل الوقوع في احضانها لتفعل ما تشاء. الملفت في مواقفهما التي وضعت تحت عنوان"خطة جريئة: دعم اسرائيل، واستعادة القيادة الاميركية"ان الخطة تتضمن"انهاء برنامج ايران النووي"باعتباره خطراً مرفوضاً على الولايات المتحدة واسرائيل واستهدادف المملكة العربية السعودية في فقرتين تسهبان في رفض الاعتماد على نفط الشرق الأوسط والادعاء بدعم السعودية للارهاب، والدعوة الى"محاربة مواقف الحكومة السعودية المعادية للسامية".
معظم الصوت اليهودي سيذهب الى كيري ادواردز لأنه يذهب تقليدياً الديموقراطيين. لا يهم ما قدمه بوش الى اسرائيل خلال السنوات الأربع الماضية. فالثقة بتقديم رئيس ديموقراطي ما يضاهي ما قدمه الرئيس الجمهوري وافرة. وأهم حلقة هي عدم فك التوأمة بين اسرائيل والولايات المتحدة في حرب الارهاب حيث يتم تقليص كامل القضية الفلسطينية الى قضية ارهابية. لكن الصوت الحاسم ليس اليهودي ولا العربي. انه صوت المجهول في هذه الجولة الانتخابية في مرحلة الانقسام والاستقطاب.
جورج دبليو بوش يجب أن يقلق ويقلق جداً. فهو الرئيس في المكتب البيضاوي الذي يرمي اليه حوالي نصف الاميركيين رسالة الامتعاض منه ومن سياساته.
جون كيري يجب ان يبقى في منتهى الحذر والتأهب لأن وصوله الى البيت الأبيض سيتطلب جهداً مضاعفاً منه ولو كان كيري وادوارز أقل تحريضاً وأكثر عمقاً في مواقفهما من امثال ايران واسرائيل لكسب ثقة أكبر بهما. لكنهما يظهران أحياناً مجرد ناقدين ناقمين في مرافعة ناجحة ضد بوش واستمرار ادارته من دون ان يقدمها المسار الى التغيير.
من سيكسب الانتخابات؟ يمكن القول الآن ان بوش"قد"يخسر، وكيري"قد"يربح. وهذا بحد ذاته تطور لم يكن وارداً قبل مجرد أيام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.