لم تنطلِ الحيل الأميركية على الأفارقة هذه المرة، ولم ينجح الرئيس بوش في اقناع الأفارقة بما جاء يبشر به، على رغم الأصباغ والأقنعة التي غطت وجهه وهو يتجول في خمس دول أفريقية، مبدياً اهتمامه المفاجئ بالقارة، مدعياً مساعدته لتجاوز آفات الحروب والصراعات والإيدز والفقر لتتحول القارة من قارة للبائسين الفقراء الى واحة للسلام الأميركي، بعد فشل خرائط بوش وخططه في آسيا والشرق الأوسط. لم تلق الزيارة كبير اهتمام، كما كان متوقعاً، غير أنها رمت بكثير الأسئلة والاستفهامات أمام الأفارقة والمهتمين بالقضايا الأفريقية. كشفت الجولة عن الشكوك المتأصلة لدى الرأي العام الأميركي والأفريقي، والعالمي، في نيات بوش فنعتها رئيس مجموعة الضغط الأفريقية "أفريقيا أكشن" بأنها مضللة للشعب الأميركي، ولشعوب القارة الأفريقية معاً، من حيث دوافعها وأهدافها وتوقيتها. وهذا تزامن مع عقد المؤتمر الأول للاتحاد الأفريقي في موبوتو، العاصمة الموزمبيقية. ولا يخفى على المراقبين ما لهذا المؤتمر من أهمية على صعيد بناء مؤسسات الاتحاد الأفريقي الذي يعول عليه الأفارقة، شعوباً وقيادات، في تأكيد حضورهم الدولي والقضاء على مشكلاتهم. واختار السيد الرئيس جزيرة غوري، قبالة "دار العبيد"، المحطة التي كان يشحن منها الأفارقة من وسط القارة وجنوبها عبيداً مسلّعين الى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، اختار هذا المكان ليلقي أولى خطبه في القارة، موجهاً كلامه الى الناخبين الأميركيين من أصل أفريقي، عله يكسب أصواتهم التي فقدها في الانتخابات السابقة، فتحدث بخبث عن معاناة سكان أفريقيا القدامى الرق والاستعباد، ولم يقدم اعتذاراً على تلك الحقبة المأسوية الاستعبادية البغيضة التي عانى فيها الأفارقة عذابات القهر والتعذيب والاستغلال في أبشع صورها. وأثبت الرئيس الأميركي بهذه الجولة أنه يجهل كثيراً عن الإنسان الأفريقي الذي جاءه، فجأة، فاتحاً ومبشراً. ولعلّ سيول الأجساد السوداء التي خرجت متظاهرة رافضةً، زيارته في عواصمنيجيريا وجنوب أفريقيا والسنغال وأوغندا، ما يجبر السيد الرئيس على التفكير كثيراً قبل أن يعيد الكرة زائراً أو متودداً للقارة المارد مرة أخرى. وستصعب عليه المقارنة كثيراً، وهو يضع الهنود والفيتناميين والعرب الشرق الأوسطيين والأفغان في مقابل المارد الأفريقي الواعد. د. غسان الصافي