تعاني الرياضة العربية، ونعاني نحن معها عموماً، ظاهرة غير طبيعية تتمثل في عدم اعترافنا بأن أخطاءنا هي التي تتسبب في خسائرنا... ويسعى الجميع دوماً إلى ايجاد "شماعة" غالباً ما تكون واهية من أجل تعليق الاخفاق عليها وإنقاذ سمعتهم واحتفاظهم بمقاعدهم أطول فترة ممكنة. ومن اجل تحقيق هذا الهدف الأسمى، يخلطون الأمور ويسوقون مبررات أقل ما يمكن أن يقال عنها انها تتسم ب"التزوير باسم التنوير"... وغالباً ما يكون هذا التزوير بدافع "الخوف" من المصير المجهول اذا ما قيلت الحقيقة وفقدوا على أثرها مقاعدهم الوثيرة... لكن المصيبة أن الخائفين لا يبدعون، ولذا بات من الصعب علينا أن نرفع رؤوسنا في المحافل الدولية والعالمية المقبلة! "من خاف سلم"... مثال شعبي عربي واسع الشهرة، إزداد نطاق استخدامه كثيراً في هذا الزمان الأغبر بعدما صار كبار القوم في حال خوف دائم من فقد مقاعدهم ومناصبهم. وفي الرياضة لا يختلف الأمر عن أي مجال آخر، بل ربما يزيد... لأن مظاهر الخوف الاداري كثيرة ومتنوعة وتطل علينا يومياً من دون كسوف أو حرج، وهي تصب في البداية والنهاية في آن في نبع واحد اسمه حماية مصالح أصحاب المقاعد الوثيرة بهدف التربع عليها أطول فترة ممكنة. ومظاهر الخوف في أنديتنا العربية تتجلى بوضوح عندما تتعلق المسألة بقضايا تمس النجوم في أي لعبة كانت، وما يحدث الآن في نادي الزمالك المصري دليل دامغ على صحة ما نقول. ففي وقت انقسمت الآراء حول مشكلة التوأمين ابراهيم وحسام حسن مع المدرب البرازيلي كابرال، ووقف البعض الى جانب التوأمين والبعض الآخر إلى جانب كابرال... دفع الخوف ادارة النادي إلى إمساك العصا من النصف، فسمحت للاعبين بالعودة الى التدريبات من دون أي عقاب لتمتص غضب الجماهير، ووافقت على قرار كابرال منعهما المران مع التشكيلة الاساسية وعدم الاستعانة بهما في المباريات الرسمية والودية لئلا ينفجر المدرب غضباً ويثير مشكلات أكبر، الإدارة في غنى عنها بالتأكيد. موقف نادي الزمالك محير ومخيف في آن، لأنه فتح الباب فعلاً أمام الجميع كي يرتكبوا أخطاء غير مقبولة في عرف السلوك الرياضي القويم من دون أي "خوف" لأنهم متأكدون من أن الإدارة "السمحة" ستعفو عنهم، ما يشكل في حد ذاته مصيبة... وحتى اذا ارادت الإدارة في وقت ما أن تثبت أن لها مواقف حازمة مع "المتهورين" وانها تكيل العقوبات للمخطئين، فإن هذه العقوبات لا تطاول سوى اللاعبين "الغلابة" الذين لا تسأل عنهم الجماهير حتى لو غابوا الدهر بأكمله... وهنا تصبح المصيبة أكبر. وما حدث مع الحكم الدولي المصري عصام عبدالفتاح الذي ادار اللقاء الودي الذي جمع بين منتخب مصر والدنمارك في القاهرة، هو ايضاً مظهر من مظاهر الخوف الذي نتحدث عنه، لأنه لم يخطئ حين طرد طارق السيد ولم يكن يستحق سيل الانتقادات التي "ذبحته" من كل صوب وحدب بعد المباراة. تابعنا المباراة بكل تفاصيلها، ولم أرَ في قرارات الحكم ما يستحق عنه "الذبح". وكل ما في الأمر أنه لم يجامل أبناء جلدته كما اعتادوا في كل المباريات الودية التي خاضوها من قبل على أرضهم... وكان "جريئاً" بدرجة لم تعجب الخائفين على "عروشهم" فنحروه، والأكيد أنه صار هو الآن خائفاً على مستقبله التحكيمي وشارته الدولية! أعجبني كلام المدرب المصري محسن صالح جداً حين قال ان منتخبه يمكن أن يتعرض لمثل هذه الهزائم عندما يواجه منتخبات من العيار الثقيل أمثال الدنمارك لأن هذا هو عرف كرة القدم أو رياضة أخرى، ومعه كل الحق في ذلك لأن التطوير لا يمكن أن يتم من خلال مواجهات ضعيفة نفوز فيها فنسعد الجميع من دون أن نتعلم درساً مفيداً... والحق كان معه ايضاً حين انتقد تصرفات قلة من الجماهير "الخايبة" غير الحريصة على مظهر بلادها الحضاري العظيم، في وقت تنشد مصر استضافة نهائيات كأس العالم في عام 2010! لكننا نختلف معه في انتقاده القاسي جداً للحكم، لأنه إذا كان أخطأ بالفعل فكان على المدرب أن يستفيد من هذا الخطأ... وأن يعرف كيف ينظم صفوف منتخبه وهو يلعب بعشرة لاعبين، وهو موقف يمكن أن يتعرض له في أي مباراة رسمية، وهل كان للحكم أي دور في الأخطاء الكثيرة التي وقع فيها اللاعبون، خصوصاً لجهة التمرير وعدم تماسك أو تجانس خط الدفاع الذي تلاعب به الدنماركيون وقتما وكيفما شاؤوا! الجميع يقف وراء محسن صالح ويحترمه جداً لأنه الوحيد الذي قال ل"عواجيز الفرح" لا، ولأنه مدرب يسعى فعلاً الى توفير منتخب مصري جدير بالاحترام... لكن تحميله مسؤولية الخسارة كلها على الحكم هو نوع من الخوف الاداري. أمثلة الخوف الإداري في المجال الرياضي كثيرة ومتعددة ومنتشرة في كل الدول العربية، ولا يتسع المجال هنا لذكرها كلها طبعاً... لكن أقل ما يمكن أن يقال عنها انها تأتي في اطار "التزوير باسم التنوير". عندما يعجز المرء عن النجاح يحلم به، وعندما نحلم نحن العرب نعود غالباً الى الماضي ونتذكر امجادنا وانتصاراتنا ونطيل الكلام عنها... وأحياناً نتخذها مبرراً لفشلنا في عدم تكرارها على اعتبار أن الزمن صار غير الزمن وأن المعطيات والمتطلبات الحياتية اختلفت إلى آخر هذه الأقنعة التي نخفي وجوهنا خلفها... وقد ينفع هذا النوع من الاحلام في مداواة الجراح في شكل موقت، لكن لا يمكن الآخرين أن يتحملوا الكلام فقط لفترة طويلة لأنهم في حاجة أيضاً الى افعال تثبت صحة هذه الاقوال... ويبدو أن هذا "الحلم الحقيقي" الأخير سيظل صعب المنال لأن... الخائفين لا يبدعون!