لم يخالف المنتخب الاسباني توقعات تحقيق نتائج جيدة في بطولة كأس العالم الحالية لكرة القدم، وشق طريقه بثقة الى الدور الثاني بعدما حقق ثلاثة انتصارات جعلته يحتل المركز الاول في منافسات المجموعة الثانية، ووجه رسالة انذار الى اخصامه جميعهم حول قدرته على قيادة مسيرته الى أبعاد غير مسبوقة في تارخ مشاركته في هذا الاستحقاق، الذي اقتصرت نتيجته الافضل فيه على احتلال المركز الرابع عام 1950. الا ان النتيجة المذهلة التي اعادت المنتخب الاسباني الى موقعه المميز في عالم اللعبة الشعبية الاولى في العالم، والذي يتناسب مع التألق غير المحدود للاندية المحلية التي تتنافس في احدى اكثر البطولات احتداماً في العالم، لم تلغِ ظاهرة عدم الاهتمام بنتائجه عموماً، والذي كان سبق حتى مشاركته في النهائيات من خلال شكوى قليلين من امتلاك شركة "فيا ديجيتال" حق بث المباريات من خلال نظام رقمي خاص للمشتركين الذين بلغ عددهم نحو نصف مليون فقط. وفي اطار المتابعة الميدانية لمباريات المنتخب في كوريا الجنوبية، غابت صورة المواكبة المحلية الحاشدة لمبارياته من خلال مجموعة خاصة تشكل نادي المشجعين، على غرار تلك الموجودة في انكلترا على سبيل المثال لا الحصر، او حتى اعتراضات عدم توافر البطاقات، علماً ان الصحافيين الاسبان الذين تابعوا مباراة منتخبهم الاولى امام سلوفينيا في الدور الاول اشاروا الى ان عدد المتفرجين الاسبان بلغ50 شخصاً. ولعل شعور اللامبالاة تجاه المنتخب فرض دائماً ظاهرة نتائجه المتواضعة في النهائيات. فاللاعبون الذين يدافعون عن ألوانه لا يشعرون بأنهم يحملون طموحات شعب كامل على اكتافهم، او انهم يحظون بدعمه. وهم بالتالي لم يظهروا اي نزعة حماسية مفرطة او فرحة او خيبة ترتبط بالنتائج وتشبه تصرفات الارجنتيني دييغو مارادونا او الانكليزي بول غاسكوين. واخيراً، ارتفعت اصوات اللاعبين المطالبين بتغيير نظرة مشجعيهم اليهم ومن بينهم لاعب خط الوسط في فريق فالنسيا دايفيد ألبيلدا، "كون الالتفاف الكبير حول المنتخب سيجعله منافساً جدياً على احراز اللقب، واعتقد ان ذلك امر يسهل تحقيقه استناداً الى ان امكانات المنتخب تشكل وسيلة جذب مضمونة لاهتمام المتابعين". لكن الوقائع الميدانية تثبت عكس مقولة البيلدا، اذ ان احداً لم يهتم على سبيل المثال لا الحصر باعلان المدرب خوسيه انطونيو كاماتشو تشكيلته في الايام القليلة التي سبقت لقاء ريال مدريد مع باير ليفركوزن في نهائي دوري ابطال اوروبا، او حتى بالسقوط المدوي امام انكلترا صفر-3 العام الماضي في مباراة ودية شهدت المحطة الاولى لتولي المدرب السويدي زفن غوران اريكسون مسؤولية الاشراف على المنتخب الانكليزي، والتي لم تترافق مع اي رد فعل سلبي او ايجابي على السواء. ولعل السبب الاول في هذه الظاهرة يفرضه واقع ان اسبانيا منقسمة في المواطنية بين جماعات الباسكية والكاتالونية والغاليسيانية التي تتحدث حتى لغات مختلفة خاصة بها، علماً ان عدداً كبيراً من الكاتالونيين يشجعون اخصام الاسبان في المباريات ومن بينهم جمهورية ايرلندا بالتأكيد التي تواجه اسبانيا اليوم، في حين لا يأبه الا قلة من الباسكيين بعروض المنتخب ونتائجه. وإذ يسود شعور عدم الاهتمام لدى سكان بيلباو وبرشلونة، فإن الوضع يختلف في مدينتي فالنسيا وإشبيلية حيث تبلغ درجة التعلق بالمنتخب اوجها، الا ان ذلك لا يوجد التغيير المنشود في التشجيع، كون جمهور الفرق الاخيرة الذي يشكل ركيزة مواكبة المنتخب الاسباني اعتاد على ربط ولائه الاكبر باللاعبين الاجانب الذين قادوا فرقهم الى انجازاتها الكبيرة من امثال الارجنتيني ألفريدو دي ستيفانو والمجري فرانك بوشكاش في ريال مدريد والهولندي يوهان كرويف والارجنتيني دييغو مارادونا والبرازيليين روماريو ورونالدو وريفالدو والبرتغالي لويس فيغو في برشلونة. اما اللاعبون المحليون الذين خاضوا تجربة الاحتراف في الخارج، فهم اشتكوا غالباً التقدير السيئ لمواطنيهم ومن بينهم لاعب خط وسط فريق لاتسيو الايطالي غايزكا مندييتا، الذي اشتكى اخيراً من تجاهل الجمهور الاسباني اياه. اما تأثير المونديال الحالي في تغيير هذه الظاهرة فلا يمكن تأكيده حالياً في انتظار انتهاء المنافسات وتحديد حجم الانجاز الذي سيحققه المنتخب، علماً انه بات يحتل المركز الثالث في لائحة ترشيحات احراز اللقب، في حين يترقب الجميع بلوغه الدور نصف النهائي على الاقل. وكان استفتاء لاحدى الصحف المحلية اشار الى ان 46 في المئة من الاسبان يؤكدون قدرة منتخبهم على احراز اللقب، ما يعكس اشارة اولى الى حدوث تغيير في النظرة الى حظوظه مقارنة بالمونديالات السابقة، علماً ان البيلدا يرى ان الحضور القوي الدائم للاندية المحلية في المسابقات الاوروبية في الاعوام الاخيرة عزز موقع رموز الكرة المحليين من امثال راوول غونزاليس في ريال مدريد وندييتا في فالنسيا ودييغو تريستان وفاليرون في ديبورتيفو لاكورونيا. ولعل المدرب كاماتشو ساهم في هذا التغيير المفيد كونه مثل وسيلة "اشعال" الحماسة الخامدة للاعبين والجمهور بخلاف مدرب المنتخب الانكليزي السويدي اريكسون الذي استقدم ل"اطفاء" حرارة الحماسة تمهيداً لايجاد تنظيم مثالي يتناسب مع التطلعات والاهداف المنشودة. وحوّل كاماتشو راوول تحديداً الى رمز التغيير الذي تجسد على ارض الواقع في خلو الشوارع من المارة لحظة خوض المنتخب مبارياته الثلاث حتى الآن، كما اوضح احد الصحافيين لراوول ذاته لدى استفسار الاخير عن اجواء التشجيع في بلاده، علماً انه لم يكن ليطرح هذا السؤال لو كان برازيلياً او ارجنتينياً.