اجتماع دوري لتراحم القصيم    رسمياً .. المملكة تستضيف بطولة كأس آسيا تحت 17 عاماً 2025    جامعة الملك خالد تحقق المركز 111 بين الجامعات الشابة في تصنيف التايمز العالمي 2024    إدارة التحريات والبحث الجنائي بشرطة الرياض تقبض على شخص لسرقته مركبتين    «الخارجية»: المملكة ترحب بقرار محكمة العدل الدولية بشأن مطالبة إسرائيل بوقف هجومها على رفح    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    «هيئة الطرق»: 10 طرق تربط الدول المجاورة بالمشاعر المقدسة    غوارديولا: لا نحتاج لحوافز إضافية قبل نهائي كأس الاتحاد    مدير عام هيئة الأمر بالمعروف بنجران يزور محافظ شرورة    حلقة نقاش عن استعدادات الرئاسة لموسم حج 1445ه    145 عيادة افتراضية سخرتها شبكة القطيف الصحية لخدمة المستفيدين    أزمة بين إسرائيل وإسبانيا    أمطار رعدية على أجزاء من 4 مناطق    خطيب الحرم: أمن الحرمين خط أحمر ولا شعارات بالحج    «الأحوال المدنية»: منح الجنسية السعودية ل14 شخصاً    «الموارد»: إنشاء مركز لنظر الاعتراضات على عقوبات مخالفات العمل المقدمة من المخالفين    رسميًا.. القادسية يتعاقد مع ناهيتان نانديز لاعب كالياري    استشهاد 15239 طفلاً في غزة    المعرض السعودي يستقبل زواره بالرقصات الشعبية والعروض الفلكلورية    المملكة توقع 16 اتفاقية ومذكرات تفاهم مؤتمر مستقبل الطيران 2024    رئيس مجلس الشورى يرأس وفد المملكة ال 36 للاتحاد البرلماني العربي في الجزائر    كوادر سعودية ترسم السعادة على ضيوف الرحمن الأندونيسيين    إسبانيا: تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    تقرير الطريس يُهدد لابورت بالغياب عن لقاء الهلال    موقف مالكوم من مواجهة الهلال والنصر    البليهي: تفكيرنا الآن في مباراة الوحدة.. وننتظر الجماهير غدًا    لاعبو النصر: الرياض عاقبنا على إهدار الفرص    بيريرا: سأجتمع مع إدارة الشباب لمناقشة مستقبلي    "العلا" تكشف عن برنامجها الصيفي    المخرجة السعودية شهد أمين تنتهي من فيلم "هجرة"    اتفاقية ب25 مليون دولار لتصدير المنتجات لمصر    واتساب يختبر ميزة لإنشاء صور ب"AI"    توجيهات عليا بمحاسبة كل مسؤول عن حادثة التسمم    إدانة 5 مستثمرين وإلزامهم بدفع 4.8 مليون ريال    دار طنطورة.. التراث والحداثة بفندق واحد في العلا    تحذيرات علمية من مكملات زيت السمك    آسيا والمحيط الهادئ على الخط الأمامي لأزمة المناخ    معالي أمين منطقة عسير يزور معرض صنع في عسير    ارتفعت 31.5 % في الربع الأول    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    متى القلق من آلام البطن عند الطفل ؟    قد لا تصدق.. هذا ما تفعله 6 دقائق من التمارين يومياً لعقلك !    5 أطعمة تعيق خسارة الوزن    «رحلة الحج» قصص وحكايات.. «عكاظ» ترصد: كيف حقق هؤلاء «حلم العمر»؟    السلاحف البحرية معرضة للانقراض    القمر يقترن ب «قلب العقرب» العملاق في سماء رفحاء    «الثقافة» و«التعليم» تحتفيان بالإدارات التعليمية بمختلف المناطق    سفارة المملكة في إيرلندا تحتفي بتخرج الطلبة المبتعثين لعام 2024    الاستثمار الثقافي والأندية الأدبية    نمو الجولات السياحية ودعم الاقتصاد الوطني    «الحونشي»    الدكتوراه لفيصل آل مثاعي    تنوع أحيائي    ثانوية السروات تحتفي بتخريج الدفعة الأولى من نظام المسارات    فيصل بن خالد يرأس اجتماع الجهات الأمنية والخدمية المشاركة في منفذ جديدة عرعر    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    برعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. تخريج مجندات بمعهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصل لم يقرأ جيداً في المشهد العراقي : هل المستبد يقاوم ؟
نشر في الحياة يوم 17 - 12 - 2002

في ظل تصاعد الأحداث في العراق وحولها، واقتراب الضربة الأميركية الأخيرة للنظام، كثرت الاسئلة، والاحتمالات، وتبارت الأقلام والتحليلات، وبات من الصعب المتابعة والرصد أو الخروج باستشراف صحيح لمستقبل واحدة من أعقد قضايا المنطقة في تاريخها الحديث" والكل يحلل، والكل يفترض، والواقع يتحرك ناحية الصدام الذي لم يترك فيه هذا الكل ثغرة إلا ونفذوا بتحليلاتهم وافتراضاتهم اليها.
بيد أن ثمة "أصلاً" أو "ثغرة أصلية" في هذا المشهد المأسوي لم يقرأها أحد، أو قرئت، ولكن في شكل مُبتسر، وهو أصل نحسب أنه لو كان تم الالتفات إليه، جيداً، ومكبراً لأغنانا عن هذه "الزحمة" في التحليلات والاختراقات والاستشرافات المستقبلية أو على الاقل لأضاء جانباً منها.
إنه أصل "الاستبداد السياسي" حين تفرض عليه معركة أو يقدر له أن يدخلها عنوة، فهل يقاوم؟ هل أخبرنا التاريخ الإنساني - وليس العربي أو الإسلامي فحسب - عن مستبد "واحد" قاتل أو يقاتل، أو عن عبيد خاضعين له يقاومون؟ وهل في كتاب التاريخ، فصول أو حتى صفحات قليلة، عن مستبدين انحازوا الى خيار شعبهم في التصدي لغزاة يريدون تجريده من حق الحياة او شرف البقاء؟ وأين هؤلاء؟
إن حالة النظام العراقي، ومريديه من صغار الصحافيين والسياسيين العرب، تقول لنا وباختصار، إن المستبد وعبيده عادة، لا يحرصون إلا على مقاعد حكمهم وامتيازاتهم. انهم أحرص الناس على الحياة، وما دون ذلك لا معنى له لديهم، فالوطن والدين والكرامة لا معنى لها، وإلا بماذا نفسر هذا القبول المُذل لفرق التفتيش، الذين وصلوا حتى غرفة نوم المهيب، وهذا الاعتذار المهين له عن فعلته تجاه الكويت، وتلك التبريرات الساذجة من داخل العراق وخارجه عن تراجعاته واستسلامه المجاني المستمر باسم الحكمة والذكاء. هل في هذا الفعل أية كرامة أو صمود أو رغبة في المقاومة؟
إن المستبد لا يقاوم، المستبد يتراجع، ودائماً يجد في قاموسه السياسي ما يبرر به تراجعه، ويفلسف به تخاذله ويجد في بعض المستفيدين منه ما يبرر له خنوعه. وفي الحالة العراقية، لم يكن هناك خيار أمام أي نظام يحترم ذاته، إلا أن يرفع راية المقاومة في وجه هجمة عدوانية مؤكدة، ومهينة في آن واحد، هجمة لن تتركه يفلت، هي فقط مسألة وقت، الا أن هذا الخيار لم يحدث، والخطير في الأمر أن هذا التخاذل المخزي امام العدوان القادم، يجد من يبرره، تحت دعوى طريفة ومحيرة تقول: "انه نظام حكيم، كيّس، فطن، يريد تفويت الفرصة على الأميركيين حتى لا يضربوا وحتى يكشفهم أمام العالم"، ولم يسأل هؤلاء أنفسهم، هل الأميركيون في حاجة الى أن لا يراهم هذا "العالم" عرايا، منذ متى يرتدي سادة البيت الابيض ملابس الخجل امام العالم؟ انهم كذلك في تعاملهم مع هذه المنطقة، بل ومع العالم كله، ومنذ سنين طوال، ولا داعي لإلباس الهزيمة ثوب الانتصار، فتلك اسوأ أنواع الهزائم.
لقد كان عبد الرحمن الكواكبي بليغاً قبل قرن مضى 1902م، في توصيفه للاستبداد، في رائعته "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، حين رأى صدام وحكمه ومثقفيه و"عبيده" رؤيا العين قبل مئة عام، رآهم حين وصفهم، بهذه العبارات البديعة التي لو تأملناها جيداً، لكفتنا في استشراف مستقبل المواجهة المقبلة بين المستبدين: أميركا والنظام العراقي، ولعلمنا أنهما معاً الى زوال، لأنهما وبالأساس قائمان تحديداً بشأن العراق على أصل قيمي فاسد، أصل لا يوصل بأي حال الا إلى هزيمة.
لقد وصف الكواكبي الاستبداد بأنه: "هو نار غضب الله في الدنيا، والجحيم نار غضبه في الآخرة، وقد خلق الله النار أقوى المطهرات فيطهر بها في الدنيا دنس من خلقهم أحراراً وبسط لهم الأرض واسعة وبذل فيها رزقهم" فكفروا بنعمه ورضخوا للاستعباد والتظالم. الاستبداد أعظم بلاء، يتعجل الله به الانتقام من عباده الخاملين ولا يرفعه عنهم حتى يتوبوا توبة الانفة. نعم، الاستبداد أعظم بلاء لأنه وباء دائم بالفتن وجدب مستمر بتعطيل الأعمال، وحريق متواصل بالسلب والغصب، وسيل جارف للعمران، وخوف يقطع القلوب، وظلام يعمي الأبصار، وألم لا يفتر، وصائل لا يرحم، وقصة سوء لا تنتهي ... فالمستبدون يتولاهم مستبد والأحرار يتولاهم الأحرار، وهذا صريح معنى: كما تكونون يولى عليكم".
من هنا وانطلاقاً من نظرة الكواكبي الثاقبة، ومن الأصل الذي لم نفتش عنه جيداً أو لم نقرأه بعمق في هذا المشهد العراقي شديد البؤس، نخلص الى أن هزيمة هذا النظام مؤكدة، ولن يصلح معها الترقيع، وبالمقابل ستكون هزيمة المستبد الجديد أميركا، القادم سعياً خلف رائحة النفط، هادفاً الى إعادة هندسة العالم.
انطلاقاً من هنا، وبعيون إسرائيلية خالصة، ايضاً هزيمة حتمية، ولكنها قد تطول، لأن شروط تحققها، لم تتضح بعد، وفي مقدمها استرداد هذا الشعب العراقي النبيل، لحريته، وكرامته، وإرادته التي سلبت منه، تارة باسم البعثية / العروبية الزائفة، وتارة اخرى باسم الحرية الأميركية الخادعة.
إن العراق الجديد، على رغم كل المآسي الراهنة والقادمة وعلى رغم الاستبدادين "الصدامي" و"الأميركي" نراه ينهض من بين الرماد، فمن يفسح له الطريق، من يأخذ بيده من دون أن يمر على هذا الأصل الفاسد الذي طال أسر العراق الحديث فيه، أصل الاستبداد السياسي؟
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.