مدرب منتخب البرتغال يدافع عن رونالدو: الطرد كان قاسياً    توخيل يشيد بعقلية لاعبي المنتخب الإنجليزي    اختتام دورة "فن احتراف الديكور الداخلي" ضمن "انطلاقة نماء" بجازان    شاهين شرورة ب 351 ألف ريال    حرم ولي العهد تتبرع لصندوق دعم الأطفال المصابين بداء السكري من النوع الأول ب10 ملايين ريال    اختتام فعالية التطوع الاحترافي بمشاركة 24 خبيراً و250 مستفيد في جدة    غيابات منتخب السعودية عن مواجهة كوت ديفوار    من النص إلى النشر".. نادي مداد وبيت الثقافة بجيزان يناقشان تجربة الكاتب وقارئه الأول    جمعية عين لطب العيون تنظم فعالية توعوية بمناسبة اليوم العالمي للسكري في جازان تحت شعار "فحصك اليوم    الأسهم العالمية تتراجع بشدة مع تبدد آمال خفض أسعار الفائدة    ديوان المظالم يفوز بجائزتين دوليّتَين في تجربة العميل 2025    «زاتكا» تضبط 33.5 ألف كبتاجون و21 كغم شبو في محاولتي تهريب    الدوسري: برّ الوالدين من أعظم القربات إلى الله    البعيجان: الإخلاص أصل القبول وميزان صلاح الأعمال    الأفواج الأمنية تضبط 6 كجم من القات المخدر في عسير    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعزز الوعي بداء السكري في سكرك بأمان    النفط يرتفع 1% وسط مخاوف نقص الإمدادات الروسية    152 توأماً من 28 دولة.. والمملكة تحتفل بالإنجاز الجراحي رقم 67    جامعة محمد بن فهد تستذكر مؤسسها في احتفالية تخريج أبنائها وبناتها    مصرع طيار تركي إثر تحطم طائرة إطفاء في كرواتيا بعد انقطاع الاتصال بها    "أوتشا": استمرار الضربات العسكرية الإسرائيلية بالقرب من أو شرق الخط الأصفر    موسم الدرعية 25/26 يستعد لإطلاق مهرجان الدرعية للرواية الأحد المقبل    تراجع أسعار الذهب من أعلى مستوى لها في أكثر من ثلاثة أسابيع    الفن يُعالج... معارض تشكيلية في المستشفيات تعيد للمرضى الأمل    %48 من القوى العاملة في المنشآت العائلية    أفضل خمس خدمات بث فيديو    «الأرصاد» في إنذار أحمر : أمطار غزيرة على جدة اليوم الجمعة    شبكة عنكبوتية عملاقة    غدٌ مُشرق    رحلة الحج عبر قرن    اللاعب السعودي خارج الصورة    عدسة نانوية لاكتشاف الأورام    انطلاق "موسم شتاء درب زبيدة 2025" في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    المدير الرياضي في الأهلي: غياب توني لأسباب فنية    وزير "البيئة" يلتقي قطاع الأعمال والمستثمرين بغرفة الشرقية    مفتي عام المملكة يستقبل وزير العدل    غرفة القصيم توقع تفاهمًا مع الحياة الفطرية    الدفاع المدني يهيب بأخذ الحيطة والالتزام بالتعليمات مع توقع هطول أمطار رعدية على معظم المناطق    منسوبو وطلاب مدارس تعليم جازان يؤدّون صلاة الاستسقاء    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    محافظ صبيا يؤدي صلاة الاستسقاء تأسياً بسنة النبي واستجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    مصرية حامل ب9 أجنة    الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    ذاكرة الحرمين    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    طهران تؤكد جديتها في المفاوضات النووية.. إيران بين أزمتي الجفاف والعقوبات    استعرض مع ولي عهد الكويت التعاون.. وزير الداخلية: مواجهة الجريمة والإرهاب بمنظومة أمنية خليجية متكاملة    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    تصفيات مونديال 2026.. فرنسا وإسبانيا والبرتغال لحسم التأهل.. ومهمة صعبة لإيطاليا    في أولى ودياته استعداداً لكأس العرب.. الأخضر السعودي يلتقي ساحل العاج في جدة    ترمب يواجه ردة فعل مشابهة لبايدن    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    آل الشيخ ورئيسا «النواب» و«الشورى» يبحثون التعاون.. ولي عهد البحرين يستقبل رئيس مجلس الشورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتيجية اللاتماثل وسياسة النفس الطويل . أعطوا الحرب فرصة ... بعد اعياء اسرائيل
نشر في الحياة يوم 18 - 03 - 2001

قالت الحرب: "أنا صانعة التاريخ، بيَ تقوم وتنهار الأمم. إنني أُحوّل الغصن الجميل الى سهم قاتل. أُثير الأخ ضد أخيه، والابن ضد والده، ولا أرتوي إلا بالدم".
يختلف المنظّرون والكتّاب السياسيون حول الوسيلة المعتمدة للتغيير في ميدان العلاقات الدولية. فيقول الواقعيون ان الحرب والقوة لا تزالان الوسيلة الوحيدة المتبعة للتغيير. والسلم هو حال اللاحرب، التي يفرضها توازن القوى أو الرعب. ويرفض المثاليون هذه المقولة، ليطرحوا مبدأ الاتكال المتبادل. وذلك بسبب العولمة التي ساهمت في نشر المبادئ الديموقراطية والليبرالية. وحلّ هذا المفهوم مكان الحرب كوسيلة للتغيير. فإذا ما كان التغيير يحصل عبر الاتكال المتبادل، والمصلحة المشتركة التي تعود بالنفع على الكلّ، إذاً لماذا الذهاب الى الحرب العبثية؟ لذلك يقال: إن الديموقراطيات لا تقاتل بعضها بعضاً.
يحُلّ العنف أولاً في تاريخ العلاقات العربية - الاسرائيلية، خاضت اسرائيل خمس حروب تقليدية كان فيها العرب الخاسر الأكبر، من دون ذكر العمليات النوعية التي قام بها الأفرقاء. لكن السؤال يبقى، هل أدّت الحرب كوسيلة للتغيير أهدافها؟ لا يبدو حتى الآن ان الأهداف، هي في طريقها الى التحقق. ويعود السبب الى عوامل كثيرة، منها الاجتماعية، العقائدية والدينية وما شابه. وقد يكون أحد أهم الأسباب، في الادراك الحسي الخاطئ للآخر. فالصور الذهنية المتكونة في عقول الاثنين مختلفة الى أقصى الدرجات. فمن جهة، هناك هاجس أمني يقض مضاجع الاسرائيليين نتيجة تجاربهم التاريخية المريرية. ومن جهة أخرى، هناك أرض وذكريات تُسلب بالقوة من الفلسطينيين، الذين لا يعتبرون انفسهم مسؤولين عن مآسي الآخرين. ويبدو ان هذا الوضع سيستمر، وذلك بسبب الأحداث التي لم تتوقف، وستزيد الكثير من الصور السلبية في أذهان الأجيال التي تربّت على العنف.
الحرب في الذهن الاسرائيلي
اعتمدت اسرائيل على الحرب وسيلة وحيدة لفرض نفسها جغرافيّاً على الأقل في المنطقة، وذلك بعد أن حضرت الأرضية السياسية الدولية. فمن حرب العصابات التي تمثلت بالمنظمات الارهابية هاغانا، شتيرن، الى الحروب التقليدية بعد تأسيس جيش الدفاع، ظل الدم العربي هو الثمن الوحيد المدفوع لاستمرار الكيان الصهيوني. وترافقت كل الحروب العدوانية على العرب مع تحضير اسرائيلي دقيق ومسبق على صعيدين: الأول، داخلي اعتمد في جوهره على التحضير المادي للقوة العسكرية، رافقه تحضير معنوي نفسي استند في مجمله على "مسخ" صورة العدو، الذي لا بد من ازالته، لأن العكس قد يعني زوال الكيان. والثاني: استند تاريخ السلوك السياسي الاسرائيلي، على نظرة القادة المؤسسين وتقويمهم للعرب بن غوريون، شاريت في الوقت الذي لعبت في الذاكرة الجماعية اليهودية الدور الأبرز، فهي قامت على مآسي المحرقة، والبوغروم، وعلى مبدأ القِلّة ضد الكثرة، انطلاقاً من ذهنية الانعزال. ويبدو في هذا الاطار ان قرار الذهاب الى الحرب من الجهة الاسرائيلية، اعتمد كثيراً على تحليلات القادة في اسرائيل. أو اذا صح التعبير، على ما تصوروه عن القادة العرب، وما يشكلونه من خطر على الكيان.
اعتبر بن غوريون ان عبدالناصر يشكل الخطر الأكبر على اسرائيل، فهو مثل أتاتورك، وهو أيضاً مثل النازي هتلر، الذي يسعى الى تحقيق المدى الحيوي لمصر، عبر ضم سورية، الأردن ولبنان، وهذا قد يؤدي الى الوحدة العربية التي تعني نهاية الحلم الصهيوني.
استند بن غوريون في تقويمه، على كتاب عبدالناصر "فلسفة الثورة"، وقد شبّهه بكتاب هتلر "كفاحي". وكان سلوك عبدالناصر في حينه ازعج بن غوريون، فهو أي ناصر رفض حلف بغداد، واعترف بالصين الشعبية، وتزعّم حركة عدم الانحياز. لكن الأخطر كان عندما عقد صفقة الأسلحة التشيكية، لذلك قرّر بن غوريون معاقبة الزعيم العربي حين قال: "يجب أن يُلقن درساً... فإما أن ينفذ ما يُفرض عليه، أو يرحل... على كل، من هو هذا الناصر شماصر؟". انطلاقاً من هذا التقويم، والتفسير من قبل بن غوريون، تأثر كل قادة الكيان الذين خلفه باستثناء موشي شاريت الذ يكان دائماً على خلاف معه. فكانت الحرب حاضرة في ذهنهم وسيلة لفرض الحل السياسي. لكنهم لم يدركوا ان النصر هو من صنع القوي، أما السلام فهو قرار المنهزم. فطالما لم يعترف العرب بهزيمتهم، فهذا يعني ان الترجمة السياسية للنصر العسكري لم تتحقق بعد. لذلك يظهر القلق الاسرائيلي الحالي من عدم اتخاذ السلطة الفلسطينية قرار انهاء الصراع.
الحرب في الذهن العربي
خاض العرب حروباً ضد اسرائيل، كما ذكرنا، كانوا البادئين بالهجوم مرتين 1948-1973. وما تبقى من الحروب كانت اسرائيل هي البادئة. ويذكر ان كل هذه الحروب كانت لمصلحة اسرائيل باستثناء حرب تشرين الأول اكتوبر، التي ابتدأت بنصف انتصار، وانتهت بهزيمة. لذلك لا بد من السؤال عن سبب خسارة العرب تقريباً لكل حروبهم ضد اسرائيل.
لماذا خسر العرب حروبهم؟
يعزو البعض اسباب الخسارة الى عوامل عدة أهمها: مركزية القرار، عدم تشجيع المبادرة، النقص في الليونة، عدم تشجيع القيادة على صعيد المستويات الدنيا. ويقول البعض الآخر ان العرب عاجزون عن التعامل مع التقنيات الحديثة، خصوصاً المعلومات، وأن جيوشهم تصنف من جيوش الموجة الصناعية، وذلك بعكس اسرائيل التي استطاعت الانتقال بجيشها الى مستوى الجيوش الحديثة. وهي زادت بُعداً رابعاً تمثل بالفضاء، اضافة الى الجو، البحر والبر، وهي لم تكتف بذلك بل دعمت قواتها التقليدية، بالسلاح النووي، معتمدة تجاه هذا الموضوع سياسة الغموض. لكنه لا يمكن الفصل بين البعدين السياسي والعسكري. وهنا يبرز دور الأنظمة السياسية العربية. فهي في معظمها عسكرية، إذ ينحصر القرار في أيدي قلة من القادة. حتى ان البُعد السياسي لا يُحضّر كفاية لمجاراة الشق العسكري، بهدف تحقيق الأهداف الاستراتيجية، لا بل يُسخّر العسكر في معظمه لحماية النظام.
ويذكر في اطار خسارات العرب لحروبهم، هو في كيفية وقدرة الانظمة السياسية على تحويل الهزيمة الى نصر، لتستمر هي. خرج عبدالناصر بطلاً سياسياً على رغم هزيمته ابان العدوان الثلاثي على مصر. كذلك طالبه المصريون والعرب بالعودة عن استقالته، بُعيد نكسة 5 حزيران عام 1967، وكان ياسر عرفات يرفع شارة النصر المعتادة، عند خروجه من بيروت عام 1982. وحديثاً استطاع النظام العراقي الاستمرار على رغم هزيمته في حرب الخليج. حتى انه يبدو الآن وكأنه الضحية.
بعد عرض الحرب في الذهنين الاسرائيلي والعربي، يبقى السؤال في كيفية استرداد الحقوق. وما هي الطريقة الناجعة لذلك؟
قبل البدء في خوض الموضوع، لا بد من وضع الاطار العام، وعرض التقييدات والمسلمات.
أولاً: لا يمكن تجاهل وجود اسرائيل، ولا بد من التعامل معها، ويجب استبدال الشعارات القديمة، بجديدة. اكتسبت الشرعية في المنطقة بعد توقيعها معاهدات سلمية مع مصر والأردن.
ثانياً: لا يمكن قهر اسرائيل في حرب تقليدية، على الأقل في المديين القريب والمتوسط.
ثالثاً: يفتقد العرب حالياً الى دولة "قائدة"، والى زعيم يستطيع لمّ الشمل الذي تشتت بفعل الخيارات الخاطئة.
رابعاً: بدأت الهوّة تتسع بين الأنظمة العربية وشعوبها، وبدأت الأفكار الليبرالية والديموقراطية تنتشر، الأمر الذي يحتم اصلاحات سياسية جذرية.
خامساً: يعاني المجتمع العربي ككل من صعوبة الانخراط في مسيرة العولمة، خصوصاً ان القاعدة الشعبية ليست مهيأة لذلك. ويُذكر، على سبيل المثال، انه لا يوجد لدى العرب منتوج واحد يستطيعون المنافسة فيه على الصعيد العالمي، باستثناء النفط.
في ظل هذا الوضع
كيف ستُعطى الحرب فرصة؟
لا يبدو حتى الآن، ان الوعي العربي استوعب ما حل بإسرائيل في جنوب لبنان. فهي للمرة الأولى تجبر على الانسحاب من أرض عربية من دون اتفاق، أو أي مكسب سياسي. وكان لهذا الأمر، التأثير السلبي على المؤسسة العسكرية، كذلك على المجتمع ككل. لذلك يُقدر المحللون الاستراتيجيون، ان القدرة الاسرائيلية العسكرية وهيبتها، وردعها وصلتا الى نقطة الذروة. ويتابع المحللون تقويمهم، ليقولوا ان الوقت يعمل لمصلحة العرب، إذا ما أحسنوا استغلال الامكانات المتوافرة لديهم. وذلك بالطبع بعد صوغ استراتيجية عربية شاملة تستند على الابعاد السياسية، الاقتصادية والعسكرية.
ما هي أسس الاستراتيجية العربية الفلسطينية؟
قبل البدء بالحديث عن أسس هذه الاستراتيجية، لا بد من اطلاق شعار هذه الاستراتيجية، الذي قد يكون: "الدفاع التكتيكي، في ظل الهجوم الاستراتيجي"، وذلك في الوقت الذي تستعمل اسرائيل الشعار المعاكس والمتمثل ب"الدفاع الاستراتيجي، والهجوم التكتيكي". فهي لن تستطيع مهاجمة العرب واحتلال ارضهم، لذلك تعمد الى الهجوم التكتيكي الاستباقي، لدرء الخطر الاستراتيجي عنها. إذاً هي تضرب بانتظار المستجدات. ويذكر ان فيتنام الشمالية استعملت مبدأ "الدفاع التكتيكي، بانتظار الهجوم الاستراتيجي" في حربها ضد قوات اميركا.
بعد ان اخترنا شعار الاستراتيجية المقترحة، لا بد لنا من تسميتها. وقد يكون الاسم "استراتيجية اللاتماثل" Asymmetric Warfare. ما هو تعريف هذه الحرب؟
ربما تكون التسمية جديدة على القاموس العسكري الحديث، لكن المبدأ موجود منذ أن أصبحت الحرب منظمة. يقول عنها كيسنجر: "إنها النصر الذي يعتمد على استراتيجية متقدمة، وليس على الوفرة في الموارد". ويحددها الجيش الأميركي: "هي عندما يحاول العدو تجنب نقاط القوة لدينا، والتركيز على نقاط الضعف، باستعمال طريقة جديدة في القتال، لم يألفها جنودنا". وتبدو في هذا الاطار، حرب الجنوب اللبناني مطابقة لهذا التعريف.
اختار المقاومون وقت المعركة، الأمر الذي أدى الى منع العدو من استعمال قدراته العسكرية العالية، وذلك بعد أن ركزوا الجهد على مراكز الثقل وأهمها العنصر البشري.
في أسس هذه الاستراتيجية
ذكرنا ان حروب اسرائيل قامت على ركنين اساسيين هما: تحضير الداخل، وتأمين الدعم الخارجي، إذاً، لا بد من العمل المركّز على هذين الركنين لإجهاض المخططات الصهيونية.
كيف يبدو الداخل الاسرائيلي؟
يستند الداخل الاسرائيلي على تركيبة اثنية معقدة، وهي محمية بجيش عصري متطور جداً مقارنة مع جيوش دول المنطقة. وبدلاً من أن تكون "أرض الميعاد" المكان الذي تنصهر فيه الفروقات في بوتقة واحدة، بدأنا نلاحظ ان التفكك هو سيد الموقف. ويبدو هذا الأمر جلياً، إذا ما راقبنا تركيبة الكنيست السياسية. ويقال في هذا المجال ان المهاجرين الروس، لا يزالون يحتفظون بتقاليدهم وعاداتهم، وأماكن عبادتهم، حتى ان لديهم اذاعتهم الخاصة بلغتهم الخاصة. ويقال أيضاً، ان معظمهم ليسوا من اليهود، وينطبق هذا الوضع على اليهود الفالاشا. ويبدو أيضاً ان الصهيونية لم تستطع الوفاء بوعدها، فبدلاً من أن تكون "أرض الميعاد" هي الملجأ، اصبحت كالجحيم الذي لا يطاق. وتعاني اسرائيل أيضاً من أزمة على صعيد القيادات، فهناك ثلاثة أجيال تعاقبت على قيادة الكيان منذ تأسيسه. الأول، وهو المؤسس، كبن غوريون، شاريت، وغولدا مائير. خاض هذا الجيل حروبه ضد العرب بهدف تأسيس الدولة. الجيل الثاني، وهو ولد في اسرائيل قبيل اعلان الكيان، وخاض الحروب العربية المهمة، شارون أهمهم. أما الجيل الثالث، فهو الذي ولد بُعيد إعلان الاستقلال، منهم باراك ونتانياهو. لم يعرف هذا الجيل الحروب المهمة، وجُلّ ما عايشه تمثّل بالعمليات المحدودة. الى ذلك تعاني اسرائيل من تعددية ايديولوجية، إذ يوجد الآن ثلاث ايديولوجيات متبعة: الأولى، وهي الاشتراكية التي قام الكيان عليها مع بن غوريون. الثانية، التي قادها بيغن، وجابوتنسكي. تقوم على الاحتفاظ بأرض وجغرافية اسرائيل التاريخية، شارون من هذه المدرسة. وتقوم الثالثة على التشدد الديني، إذ ترفض بناء الكيان على يد الانسان، فان الأمر متروك للمسيح المنتظر.
وعلى رغم هذه الفسيفساء، تعتبر اسرائيل من الدول الديموقراطية المتطورة على الصعيد التكنولوجي، وجعلها هذا الأمر أكثر معطوبية، وذلك بسبب الديموقراطية التي سرّعت التخبّط السياسي تجاه العملية السلمية. وفي ما خص التكنولوجيا، يبدو ان حرباً الكترونية Cyber Warfare دارت بعيد الانسحاب من لبنان، بين حزب الله والكثير من الشركات والمؤسسات الاسرائيلية، الخاصة منها والرسمية. وحدا هذا الأمر برئيس قسم البوليس المختص بجرائم الكومبيوتر مائير زوهار، الى تسريع عملية استخدام المبدعين في مجال المعلوماتية، والقادرين على قيادة حرب على صفحات الانترنت والانتصار فيها.
والسؤال الآن عن جيش الدفاع الاسرائيلي الذي يعتبر من النقاط الواجب التركيز عليها، نظراً لأهميته على صعيد استمرارية الكيان. لذلك لا بد من التعامل معه في شكل لا نسمح له باستعمال كامل قوته المطلقة؟
يختزن هذا الجيش ذاكرة مهمة على صعيد الانجازات العسكرية، ويعتبر من أحدث الجيوش في العالم على صعيدي التسليح، وقيادة العمليات العسكرية.
يرتكز هذا لاجيش على شركات اسرائيلية مهمة على صعيد التصنيع الحديث، يضاف اليها ما توافر من مخازن واشنطن. وتكمن قدرته في ليونته المميزة، والتي تسمح له بالاستفادة من الدروس المستقاة من تجاربه، الأمر الذي يؤدي الى التعديل السريع على صعيد العقيدة: التشكيل والتسليح. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وبعد التجربة التي عاشها هذا الجيش في لبنان، استنتج القادة انه لا بد من التعديل على صعيد التدريب، فما كان منهم إلا أن استحدثوا مدرسة للمشاة، كانوا الغوها في وقت سابق. هذا على صعيد لبنان، أما على صعيد الداخل، وبسبب الانتقادات التي وجهت الى اسرائيل لأنها استعملت القوة المفرطة ضد الانتفاضة، سعى المسؤولون الى استنباط طرق ووسائل جديدة غير مؤذية للتعامل Non-Lethal.
قال اسحق رابين في رسالة مفتوحة الى هذا الجيش عام 1992: "... ان مهمتكم هي في الاعداد للحرب. لا تدعوا محادثات السلام تحوّل انتباهكم عن ذلك". لكن الدراسات المعمقة عن هذا الجيش تظهر انه لم يعد كما كان. إذ غيّرت الهجرة نوعيته وتركيبته خصوصاً على صعيد الالتزام بالأهداف العليا للدولة. وظهر ان 64 في المئة فقط من المنضمين يصلحون للخدمة في الوحدات المقاتلة، مقابل 76 في المئة كانت منذ عقد. ثلث الرجال المنضمين، يظهرون مشكلات جسدية ونفسية تعيقهم من القيام بواجباتهم، خِمسهم يُسرّحون قبل انتهاء خدمتهم الإلزامية هي ثلاث سنوات. ووصف على سبيل المثال المعلّق العسكري زئيف شيف وضع الجيش الاسرائيلي ب"الصدأ العملاني"، وذلك بعد أسر الجنود الثلاثة في شبعا، بعد أن كانت هذه الصفة مرادفة للجيوش العربية.
عندما نتحدث عن الخارج نقصد الجالية في أميركا، وتأثيرها على عملية صنع القرار في الادارة الاميركية. لم يعد تأثير "الدياسبورا" كما كان في السابق. وهذا يعود الى تآكل التزام الأجيال الجديدة بما أوصت به الكتب المقدسة. ويعود هذا الأمر الى أن 53 في المئة منهم يتزوجون من غير اليهود. وأظهرت دراسة أعدها "معهد جافي" للدراسات الاستراتيجية في تل أبيب، انه ابتداء من 1980، بدت الجالية أكثر تفككاً من ذي قبل. وبدأت الهوة تكبر بينها وبين الوطن الأم، خصوصاً خلال حرب لبنان عام 1982. إن 49 في المئة من الجالية أيّد وقف الدعم المالي، حتى تنسحب من لبنان. 65 في المئة قالوا ان اسرائيل مسؤولة عن مجزرة صبرا وشاتيلا. والمهم في الأمر انه منذ 1982 بدأت الجالية تنظر الى الكيان الصهيوني كقوّة اقليمية، وليس ككيان مهدد محاط بالأعداء. وأظهرت الدراسة ان غالبية الشباب اليهودي يؤيد الانسحاب من الضفة والقطاع بالكامل، ونتيجة لذلك أصبحت الادارات الاميركية المتعاقبة اكثر تحرراً في قراراتها المتعلقة في الشرق الأوسط. فرأينا كيف تصرّف بيكر مع شامير، وكيف تطفل كلينتون عندما اقترح ورقة عمله في "كامب دافيد 2". وأخيراً وليس آخراً، كيف بدت الأصوات اليهودية غير مؤثرة في الانتخابات الاميركية الأخيرة، إذ اقترع اكثر من 87 في المئة منهم مع الخاسر. ويذكر انه لا يوجد في الادارة الجديدة أي وزير يهودي.
ما هي الخطوات العملية التي
ستقوم عليها هذه الاستراتيجية؟
1- في البدء، لا بد من حصر الصراع في الداخل الاسرائيلي من دون سواه، لأن العكس يجعل اسرائيل تهرب الى الخارج، فتوحّد الداخل المفكك، وتلتف لتقضي على الانتفاضة بطريقة غير مباشرة. وتبدو أهمية الداخل، في أنه لا يسمح لاسرائيل باستعمال كامل قوتها. كما ان الصراع في الداخل، يؤثر بشكل مباشر على الكيان ككل. وليس كالحادث البسيط الذي يحصل على حدود لبنان الجنوبية مثلاً. الحدث الداخلي التكتيكي، يؤثر مباشرة على المستوى الاستراتيجي، وعلى ديمومة الكيان.
ومن هنا تأتي أهمية حصر الصراع في الداخل. وفي هذا الاطار، لا تبدو التهديدات العراقية وكأنها تساعد الفلسطينيين، بل على العكس انها تعيد اسرائيل في ذاكرة المجتمع الدولي وكأنها الكيان المهدد، الأمر الذي يضع الضغط على العرب، ويطلق يد اسرائيل. وفي ما خص لبنان، لا بد للمقاومة من أن توقف عملياتها من دون الاعلان عن ذلك، لأن النتيجة المتوخاة من هذه العمليات أصبحت مكلفة أكثر من الأهداف. وهي وصلت الى نقطة ذروتها أي العمليات، لجهة المردود. وقد يتحوّل العمل المقاوم، الى دعم الانتفاضة في مجالات التدريب، والتسليح والاعلام وما شابه.
2 - لا بد من المحافظة على السلطة وزعامتها المتمثلة بياسر عرفات على رغم الكلام عن الفساد. ويبدو الدعم المادي حيوياً الآن، بعد أن أوقفت اسرائيل التمويل. والسلطة تحتاج شهرياً الى 50 مليون دولار لتستمر.
ماذا تعني الفوضى
في صفوف السلطة؟
يعتقد افراييم انبار جيروزالم بوست 5/3/2001 ان الفوضى تناسب اسرائيل لأنها تعني الأمور الآتية: سقوط أبو عمار رمز الثورة، تشتت القيادات وتناحرها. الأمر الذي يريح اسرائيل ويجعلها أكثر قدرة على تطبيق مبدأ "فرّق واحسم". كما يعني عدم قيام الدولة الموعودة، وإرجاء الأمر الى ما لا نهاية. وتعني الفوضى المزيد من الكفاح العسكري الفلسطيني، الأمر الذي يسهّل مهمة الجيش الاسرائيلي الذي سيتبع حتماً الشعار "دعوا الجيش ينتصر".
وتعني الفوضى أيضاً عودة الضفة الى الاردن، والقطاع الى مصر. لكن الجزء الكبير من الفوضى الحالية، مسؤولة عنه قيادة السلطة، التي عليها تنظيم صفوفها، وذلك بتشكيل البنى التحتية لقيادة العمليات في المجالات كافة، حتى الحياتية. وعلى السلطة أن تُشرك في القرار كل القوى الفلسطينية الفاعلة، وأخذراً وليس اخراً، علينا محاربة الفساد على أن تبدأ بنفسها. كما على السلطة أن تظهر نفسها دائماً بمظهر الضعيف، وتجنب القيام بأمور تسيء الى حقوق الانسان مثلاً. ومن منا لا يذكر كيف كان وقع قتل الطفل محمد الدرّة، على الرأي العالمي.
لكن هذا الوقع تبخّر بعد أن عمد بعض الفلسطينيين الى اعدام جنديين دخلا خطأ الى منطقة فلسطينية. ولا بد أيضاً من إعلام ذكي، منسّق بين الداخل الفلسطيني، والخارج العربي.
3 - بعد ترتيب الداخل الفلسطيني، لا بد للخارج العربي من ايجاد استراتيجية سياسية فاعلة مدعومة بالقوة العسكرية، من دون التهديد بها.
وليس على غرار ما قاله الرئيس مبارك عشية القمة العربية الماضية عندما أعلن استبعاد الحرب كخيار، الأمر الذي أراح اسرائيل. ولا بد من ايجاد دولة زعيمة يلتف حولها الباقون، وذلك بالطبع بعد الترفع عن الحساسيات الصغيرة. تكون مهمة هذه المجموعة، الضغط على دول القرار، والسعي الى خلق التوازنات في المنطقة، عبر اعادة روسيا حتى ولو انهارت، والسعي الى توريط الصين الصاعدة، الأمر الذي قد يشكّل إحراجاً للولايات المتحدة، ما يجعلها تساعد على ايجاد الحلول العادلة. وعلى هذه الاستراتيجية السياسية ان تكون مدعومة بالشق الاقتصادي، خصوصاً أن العرب يملكون ثلث احتياط العالم من الغاز والنفط، الذي لا بد من الاستفادة منه قبل نفاده، أو على صعيد انتاج الطاقة.
4 - ان المحافظة على السلطة وما تمثله، وحصر الصراع في الداخل يساعدنا على تحقيق أهدافنا. لكن إعلان الدولة الفلسطينية يستلزم سياسة "النفس الطويل". أو ما يسمى باستراتيجية "الإعياء"، التي تؤدي الى تآكل ارادة الآخر على الصمود، فتبدأ التنازلات الواحدة تلو الأخرى.
فالفلسطيني ليس لديه ما يخسره، بعد أن تشرّد وقهر أكثر من خمسين عاماً، وذلك بعكس الاسرائيلي الذي اعتقد انه أسس الدولة ولا يسعى إلا ان يرتاح. ويمكن وصف الوضع الحالي على الشكل الآتي: يسعى الاسرائيلي الى المحافظة على الاستقرار القائم لأنه يناسبه، بينما الفلسطيني يحاول تغيير الوضع القائم لأنه غير مناسب. وهنا سيبدأ صراع الارادات، علماً ان الاسرائيلي لن يتراجع، لذلك لا بد من إعياء الآخر.
في الختام، قد يكون الشر المطلق في الحرب، لكن فيها أيضاً بعض الفضائل. ومنها تنبع الحلول السياسية، التي تؤدي الى السلم في غالبية الأحيان. في هذا الاطار، لم تكن تجارب العرب الحربية التقليدية مع اسرائيل مشجعة حتى الآن، وهي لن تكون في المستقبل، خصوصاً مع موازنة القوى القائمة، فلماذا لا نعطي الحرب التي تحدثنا عنها فرصة؟ قد يقول البعض، لا بد من معجزة. لكننا، نستشهد بما قاله بن غوريون مرة: "اذا اردت ان تكون واقعياً في اسرائيل، فعليك أن تؤمن بالمعجزات". فلماذا لا نتعظ؟
* كاتب لبناني، وعميد ركن متقاعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.