حزمة كبيرة من المساعدات السعودية تصل غزة    تشكيل منتخب السعودية أمام العراق في الملحق الآسيوي    سعاد عسيري تسرد حكايات القرية بأسلوب درامي اجتماعي في روايتها الأولى "نبية وبيوت الموت"    53.4 % قفزة في فائض الميزان التجاري السعودي خلال يوليو    رئيس سوريا يزور روسيا يوم غدٍ الأربعاء    بلدية محافظة صبيا تواصل تنفيذ أعمال حجر الحماية بمدخل عبارة "طناطن"    انخفاض واردات الهند من نفط روسيا بنسبة 8.4%    القبض على مصريين وباكستانيين لاستغلالهم الرواسب في مكة    رئيس الاتحاد السعودي للرياضة المدرسية يشكر تعليم الطائف    محافظ تيماء يستقبل مدير المعهد الصناعي الثانوي وفرع الكلية التقنية بتيماء    بيئة العمل في المصانع السعودية نحو التحول الرقمي    إنفانتينو يهنئ منتخب كاب فيردي على تأهله للمرة الأولى لكأس العالم    ختام الآيات ومناسباتها وعلاقتها بما قبلها    أمير الشرقية يصدر قراراً بتعيين البقعاوي محافظاً للنعيرية    أمير حائل يطلع على برامج وخطط جمعية إعمار    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة    مجلس الشورى يعقد جلسته العادية السادسة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة    مجلس الوزراء: تعديل نظام مهنة المحاسبة والمراجعة    تجمع الأحساء الصحي يواصل حملة «التبكيرة خيرة» للكشف المبكر عن سرطان الثدي    الملك فهد الجامعي" يفعّل اليوم العالمي للصحة النفسية تحت شعار "لتصل لذاتك"    تجمع الرياض الصحي الثاني يستقبل أكثر من 470 متدربًا ومتدربة في برامج البورد السعودي    أمانة نجران : أكثر من 1700 جولة خلال أسبوع لمكافحة الحشرات    امير القصيم يزور محافظة رياض الخبراء    أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    عمادة الدراسات العليا والبحوث تعقد اللقاء الأول لمنسقي برامج الدراسات العليا للعام الأكاديمي 1447ه    تعليم جازان يتصدر ب 10.8% من المدارس الحكومية المتميزة على مستوى المملكة.    محمد بن سلمان رجل السلام    فرنسا: تشكيل حكومة جديدة من السياسيين والتكنوقراط    بدعم من القيادة الرشيدة ..مرحلة جديدة نحو المستقبل.. السعودية تتسلم رسميا راية «إكسبو 2030 الرياض»    أهمية الحوكمة    فيروسات الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي    تحذيرات روسية لواشنطن وأوروبا: «توماهوك» قد تشعل مواجهة نووية    أكد أن الظروف الحالية تشجع على التسويات السياسية.. عون يدعو للتفاوض مع إسرائيل لحل القضايا العالقة    ضبط 29,644 قرصاً محظوراً و192 كجم قات    «الأرصاد» : حالة مطرية خلال نوفمبر بمعظم المناطق    رئيس جامعة الملك سعود يدشن الدورة الخامسة.. بدء الترشيح لجائزة «جستن للتميز»    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    المملكة تتضامن مع أسر ضحايا حادث شرم الشيخ    الإمارات وقطر يتصارعان على بطاقة التأهل للمونديال    رينارد: مواجهة المنتخب العراقي الأهم في حياتي    تخريج أطباء سعوديين من برنامج «القيادة المتقدمة» بأوتاوا    برعاية وزير الداخلية وبمشاركة 40 دولة ومنظمة.. مؤتمر الإنتربول يناقش مستقبل العمل الشرطي    ماجد الكدواني بطل «سنة أولى طلاق»    الهلال يحتاج إلى وقفة تقويم    زمن الاستحواذ مختلف    الكلمة الطيبة.. محفّزة    الخريجي ونائب رئيس «الأزمات الدولية» يستعرضان التعاون    «التخصصي» يعزز ريادته في العلاجات الجينية    الإفراط في استخدام الشاشات يضعف التحصيل الدراسي للأطفال    التهاب المفاصل.. أهمية التشخيص المبكر والعلاج المناسب    المدينة تحتضن ملتقى علمياً لمآثر شيخ الحرم ابن صالح    الصقر رمز الأصالة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 67,869 شهيدًا    الوطن أمانة    النصر يخسر ودية الدرعية بهدفين    أمراض الراحة    رئيس جمعية حقوق الإنسان يستقبل وفد هيئة حقوق الإنسان    «الحياة الفطرية»: إجراءات شاملة لصون الطيور المهاجرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضفتا المتوسط اللتان تختلفان في كل شيء وتتفقان في ... البيئة
نشر في الحياة يوم 21 - 01 - 2001


Paul Balta.
Mediterranee: Defis et Enjeux.
المتوسط: التحديات والرهانات.
L'Harmattan, Paris.
2000.
214 Pages.
لا يدعي هذا الكتاب أنه يتقدم بأي أطروحة جديدة، لا من طبيعة سياسية، ولا حتى من طبيعة انثروبولوجية.
فرغم ايمان بول بلطه، المحرر السابق - المصري الأصل - في صحيفة "لوموند" الفرنسية، بأن البحر الأبيض المتوسط يشكل واقعاً جيوبوليتيكياً متمايزاً، فإنه لا يسعى الى اكثر من التعريف بذلك البحر الذي كان، في يوم من الأيام، مولّداً كبيراً للحضارات ومركزاً للعالم.
ولكن رغم ان محاولة بول بلطه لا تتعدى التعريف، فإن السياحة معه في العالم المتوسطي تنطوي على متعة كبيرة. ولعل أمتع ما فيها اللغة التي يعتمدها: الأرقام. فهو لا يدع شيئاً في البحر الأبيض المتوسط إلا ويقيسه كمياً: بدءاً بطول شطآنه ومروراً بعدد السفن التي تمخره يومياً وانتهاء بأطنان النفايات وملايين الزجاجات الفارغة التي تلقى فيه سنوياً.
ولسوف نلتزم بدورنا لغة الأرقام في قراءتنا هذا الكتاب عن "المتوسط" الذي لم يعرف اصلاً بهذا الاسم الا في القرون الوسطى اللاتينية المتأخرة التي نحتت هذا اللفظ Mediterran لتشير به الى توسطه بين الأرضين، أي بين عدوّتيه الأوروبية والافريقية.
وبالفعل، ان المتوسط من الناحية الجيولوجية حصيلة صدام بين اليابستين الافريقية والأوروبية في العصر الثالثي الذي دام قرابة 65 مليون سنة، فنشأ عنه انخساف مائي على مساحة 3 ملايين كم2 وبطول 3800 كم وبعرض 17 كم وبعمق 4632م في أطول وأعرض وأعمق نقاطه، علماً بأن هذه الابعاد تتقلص عرضاً في مضيق جبل طارق الفاصل بين اسبانيا والمغرب الى 15 كلم، وعمقاً في المضيق الفاصل بين تونس وجزيرة صقلية الى 135م. ولولا مضيق جبل طارق لما كان وجد البحر الأبيض المتوسط أصلاً: فالتبخر يخفض مستواه متراً واحداً في السنة، مما كان سيؤدي الى جفافه في أربعة آلاف سنة، لولا ان المحيط الاطلسي يمده عن طريق مضيق جبل طارق بنحو 38000 كيلومتر مكعب من الماء في السنة.
ورغم الوحدة الجيولوجية للمتوسط، فإنه من الناحية الديموغرافية والاقتصادية بحر المفارقات.
فالشعوب التي تسكن ضفافه هي من أغنى شعوب العالم وأفقرها معاً. ومن أكثرها شباباً واكثرها شيوخاً معاً. فحتى 1950 كان تعداد قاطنيه يبلغ 212 مليون نسمة، ثلثاهما في عدوته الشمالية وثلثهما في عدوته الجنوبية. وفي 1985 ارتفع تعدادهم الى 360 مليون نسمة، متوزعين بالمناصفة بين شماله وجنوبه. ولكنهم في العام 2000 تعدوا ال440 مليون نسمة، وهم مرشحون في 2025 الى ان يبلغوا 600 مليون نسمة. وعلى هذا النحو سيكون تعداد السكان المتوسطيين قد تضاعف في ثلاثة أرباع القرن 1950 - 2025 ثلاث مرات، مع انعكاس في نسبة الشماليين والجنوبيين منهم:
ففي ربع القرن القادم ستكون غالبية الثلثين من السكان المتوسطيين جنوبية وأقلية الثلث شمالية.
والحال ان هذا الانعكاس يخفي تفارقاً اقتصادياً كبيراً. فباستثناء البانيا والبوسنة - الهرسك اللتين ينخفض فيهما الدخل السنوي الفردي الى 850 دولاراً، فإن الدخل السنوي للشماليين يزيد بنحو 26 ضعفاً عن الدخل السنوي للجنوبيين. ففي فرنسا يرتفع الدخل السنوي للفرد الى 26000 ألف دولار، ولكنه ينخفض في المغرب ومصر وسورية الى 1000 دولار.
ويزدوج هذا الفارق الاقتصادي بفارق ثقافي. فانتاج القوس اللاتيني من البحر المتوسط من الكتب يصل الى اكثر من 100 ألف عنوان في السنة، بينما ينخفض انتاج القوس العربي من المتوسط الى نحو 5 آلاف عنوان في السنة. ومثل ذلك عن معدلات الأمية: فعلى حين انها تكاد تقترب من الصفر في القوس اللاتيني خلا ايطاليا التي لا يزال فيها ثلاثة ملايين من الاميين، فإنها ترتفع الى 24 في المئة في ليبيا و28 في المئة في سورية و47 في المئة في مصر والى اكثر من 50 في المئة في المغرب.
والخطير ان هذه الهوة بين عدوتي المتوسط ليست في سبيلها الى ان تردم، بل الى ان تتعمق. فصحيح ان هناك اليوم دولاً متوسطية أفلحت في ان تكف عن ان تكون "جنوبية" من دون ان تصير "شمالية"، ومثالها مالطا التي رفعت الدخل السنوي للفرد فيها الى 8630 دولاراً، وقبرص التي قاربت المستوى الاسباني بدخل سنوي فردي مقداره 14930 دولاراً. ولكن جميع الدول العربية المتوسطية بلا استثناء تحتل موقعها في العدوة "الجنوبية" حتى بما فيها الدول النفطية مثل الجزائر التي لا يفتأ الدخل السنوي للفرد فيها يسجل تراجعاً وصولاً الى ما دون ال1500 دولار، مقتربة بذلك من المستوى المغربي 1250 دولاراً والمصري 1180 دولاراً.
ولا يشذ عن هذه الصورة سوى لبنان الذي يتفوق قليلا دخله السنوي الفردي 3350 دولاراً على الدخل التركي 3130 دولاراً.
والأخطر من ذلك ان معدلات نمو الناتج القومي للبلدان العربية المتوسطية يتراوح اليوم بين 2 و2.4 في المئة سنوياً، وهو يبقى بذلك دون مستوى النمو السكاني الذي يتراوح بين 2.5 و2.7 في المئة. وهذا على عكس الحال مما في بلدان العدوة الشمالية اللاتينية حيث لا يزيد المعدل السنوي لنمو السكان عن 0.7 في المئة، بينما يتعدى المعدل السنوي لنمو الناتج القومي 2.5 في المئة.
وهذا معناه ان بلدان العدوة الشمالية ستضاعف مستوى المعيشة فيها مرة كل ثلاثين سنة، بينما ستظل بلدان العدوة الجنوبية تراوح في مكانها، هذا ان لم تسجل نمواً بالناقص كما في الحالتين الجزائرية والليبية.
بيد ان هذه الهوية الاقتصادية، على عمقها، لا تلغي كون المتوسط يمثل من المنظور البيئوي، قدراً مشتركاً لجميع قاطنيه من شماليين وجنوبيين بلا استثناء. والواقع ان تلوث البيئة هو التحدي الأكبر الذي يواجهه البحر شبه المغلق الذي هو المتوسط. فهذا البحر ما كانت تنهض على ضفافه حتى العام 1500 سوى ثلاث مدن يتعدى تعداد سكانها المئة ألف نسمة. ولكن في 1800 كان عدد هذه المدن قد ارتفع الى 14، وفي 1900 الى 100.
اما في بداية الألفية الثالثة هذه، فإن عدد المدن المتوسطية التي يتجاوز تعداد سكانها المئة ألف نسمة هو اليوم مائتا مدينة لا يقل اجمالي تعداد سكانها عن 300 مليون نسمة.
وهذا العمران المدني سيثقل بوطأته في القرن القادم على العدوة الجنوبية والشرقية اكثر بكثير مما على العدوة الشمالية، مع ما سيستتبعه ذلك من تضخم سرطاني في معدلات التلوث البيئوي.
ويكفي ان نسوق هنا رقماً واحداً يتعلق بالمصدر الأول للتلوث بأوكسيد الآزوت: السيارات. فحتى 1965 كان عدد السيارات التي تتحرك في النطاق المتوسطي لا يتعدى 16 مليون سيارة، 94 في المئة منها في القوس اللاتيني فرنسا واسبانيا وايطاليا. وفي 1978 كان عدد السيارات قد تضاعف ثلاث مرات ليصل الى 46 مليون سيارة، 89 في المئة منها في تلك البلدان الثلاثة عينها.
لكن عدد السيارات التي تجول في النطاق المتوسطي اليوم يصل الى 85 مليون سيارة، ومن المقدر ان يتضاعف خلال ربع القرن المقبل ليصل عام 2025 الى اكثر من 170 مليون سيارة، نصفها في العدوتين الجنوبية والشرقية. وسيتضاعف إفرازها من اوكسيد الآزوت الشديد السمية من مليوني طن في اليوم الى خمسة ملايين طن اذا لم يوضع له ضوابط.
بالإضافة الى هذا التلوث البري، فإن المتوسط يعاني من تلوث بحري لا يقل خطورة. فثمة 70 ألف سفينة شحن وركاب تمخره اليوم، بالإضافة الى 650 ألف يخت وزورق بخاري فردي.
وعدا ما تستتبعه هذه الحركة الملاحية المسعورة من تلوث بالزيوت والشحوم، فإن المتوسط يعاني من كونه قد تحول الى "بالوعة" و"مزبلة" بكل ما في هاتين الكلمتين من معنى. فأكثر من 70 في المئة من المياه المستعملة ومن مياه المجارير تصب فيه على امتداد شواطئه البالغ طولها 50 ألف كلم. تضاف الىها المياه الصناعية غير المعاد تدويرها والمواد الكيماوية والمعدنية الثقيلة رصاص، زئبق وترسّبات الأسمدة الآزوتية ومبيدات الحشرات. وهذا بالإضافة الى نحو 300 مليون زجاجة وعلبة صفيح وعبوة بلاستيكية تطفو على سطحه. وكل ذلك من شأنه ان يرفع من درجة ملوحته 3.9 في المئة بدلاً من المعدل العالمي للبحار 3.5 في المئة ويمنع تجدد الاوكسجين فيه مما يتسبب في موت أسماكه وقشرياته.
والى جميع هذه العناصر يضاف اليوم التلوث السياحي. فالسياحة باتت تسد العجز في الميزان التجاري لمصر بمعدل 20 في المئة، ولتركيا بمعدل 35 في المئة، ولاسرائيل وتونس بمعدل 45 في المئة، ولقبرص بمعدل 75 في المئة. وقد ارتفع عدد السياح الدوليين في حوض المتوسط من 72 مليون سائح عام 1990، الى نحو 100 مليون سائح عام 2000، وهو مرشح لأن يرتفع خلال ربع القرن المقبل الى 140 مليون سائح، وحتى الى 200 مليون سائح تبعاً لتقديرات اكثر "تفاؤلاً".
والحال ان السياحة مستهلكة كبيرة للماء. والحال ايضاً ان استهلاك المياه سيزداد خلال ربع القرن المقبل بمعدل 50 في المئة في العدوة الشمالية و400 في المئة في العدوتين الجنوبية والشرقية، علماً بأن هاتين العدوتين هما اللتان تعانيان من الآن من نقص في موارد المياه يهدد بأن يكون كارثياً في القرن المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.