الاتحاد يحسم موقفه النهائي من جاياردو    الفلبين تحظر واردات الطيور والدواجن من أستراليا بسبب أنفلونزا الطيور    غزة تستغيث لتوفير مولدات كهربائية للمستشفيات    قرار الأمم المتحدة بوضع إسرائيل على القائمة السوداء خطوة في الاتجاه الصحيح    انخفاض الروبل أمام العملات الرئيسية حتى 10 يونيو    تركيا: رسوم إضافية 40 % على جميع واردات السيارات من الصين    بعد الهزيمة ساوثجيت يحذر لاعبي إنجلترا قبل بطولة أوروبا    الطقس: حار إلى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    نائب أمير مكة يتفقد العمل بصالات الحج    مقتل صاحب أول صورة ملونة لكوكب الأرض من الفضاء    "قاع الحاج" بالعُلا.. استراحة الحجيج قديماً    "آبل" تخرج بعض إصلاحات "آيفون" من الضمان    بن نافل وناظر والمهيدب يقتربون    الهلال يعلن برنامج تحضيراته للموسم الجديد    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأردن    "أبل" تدعم تطبيق البريد ب "الذكاء"    سوء التغذية يسبب اكتئاب ما بعد الولادة    الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    بيئة نجران تدشن اليوم العالمي للبيئة تحت شعار "أرضنا مستقبلنا"    تأهّل الحزم والنور والابتسام والصفا إلى نصف نهائي بطولة المملكة لكرة اليد الشاطئية للكبار        الجبير يرأس وفد المملكة المشارك في الحدث رفيع المستوى بشأن العمل من أجل المحيطات    المملكة عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC) للفترة 2025-2027م    بعثة المنتخب السعودي تزور صالة مبادرة "طريق مكة" بباكستان    100 ألف زائر في كرنفال القادسية الأسطوري    انطلاق الدورة العلمية الكبرى تحت عنوان "التوحيد في الحج"    الدفاع المدني ينفذ فرضية حريق بالعاصمة المقدسة    «هيئة النقل» تنفذ أكثر من 98 ألف عملية فحص حتى بداية شهر ذي الحجة    منصور ابو شهران في ذمة الله    ضيوف المليك: استضافتنا للحج امتداداً لأعمال المملكة الإنسانية    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    «الأرصاد» ينبه من شبورة مائية على محافظة ينيع ومركز الرايس    ضبط (3) مواطنين بالشرقية لترويجهم (5.5) كجم من مادة الحشيش المخدر    نائب رئيس جمهورية جامبيا يغادر المدينة المنورة    بتوجيه ومتابعة الأمير خالد بن سلمان.. «الدفاع» تنهي استعداداتها لدعم خطط الأجهزة الأمنية في الحج    جامعة الملك خالد تتقدم 160 مركزًا في تصنيف QS العالمي للجامعات 2025م وتحقق المركز 601    «ميدل إيست آي»: مقترح «الهدنة» الإسرائيلي لا يتضمن إنهاء الحرب    400 مشروع فني وتصميمي لطالبات كلية التصاميم بجامعة الإمام    فيصل بن مشعل يقدر لامين وأمانة القصيم جهودها في مدينة حجاج البر    حظر دخول أسطوانات الغاز للمشاعر المقدسة    اليحيى يُراجع خدمات الحجاج بمطار المؤسس    البسامي يدشن مركز المراقبة على الطرق    المفتي: الحجّ دون تصريح "يأثم فاعله"    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    زيادة مقاعد برنامج "طب الأطفال" بتجمع القصيم الصحي إلى 100 متدرب    أغنيات الأسى    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنوان محمود نسيم كاتباً وعبدالستار خضري مخرجاً . "غرفة" السبعينات ... لم ينقذها الشعر من برودة المسرح
نشر في الحياة يوم 12 - 06 - 2000

لعل طبيعة التجربة المسرحية التي أحدثتها مسرحية "الغرفة"، هي أشد حضوراً من المسرحية نفسها وكذلك ما أثارته من أسئلة حول "اللغة" و"النص" وحول وضعية الشاعر على المسرح أو في المسرح، وما افتعلته من مظاهرة "سبعينية" من خلال تناولها جيل السبعينات في حركته السياسية الطلابية تحديداً وحركته الشعرية إذ حرص مؤلف المسرحية الشاعر محمود نسيم على تضمين نصه، نصوص خمسة من شعراء السبعينات المصريين.
يقدم العرض الشاعر محمود نسيم، مؤلفاً مسرحياً للمرة الأولى في المسرح المحترفي وكانت سبقته محاولة مبكرة لفريق من الهواة عام 1989 في مسرح الجامعة بعنوان "مرعى الغزلان".
يطرح العرض - بداية - اختلافه عن سياق النصوص المسرحية المقدمة على المسارح المصرية، مستعيداً مركزية النص في التجربة المسرحية التي استبدت بها تماماً سلطة المخرج كمؤلف وحيد للعرض المسرحي، وربما استبدت بها سلطات أخرى كسلطة "الكوريغراف" و"السينوغراف". ويستعيد العرض أيضاً سؤال المسرح الشعري الغائب لسنوات عن المسرح المصري ربما كانت مسرحية الوزير العاشق للشاعر فاروق جويدة هي آخر مسرحية شعرية قدمت على المسرح منذ أكثر من عشر سنوات.
استقلالية اللغة
يعلن محمود نسيم في "الغرفة" ولاءه المطلق للشعر، فهو يقدم نفسه فوق المسرح كشاعر أكثر منه مسرحياً، حيث "اللغة" كصورة، وكطاقة تشكيلية هي محور اهتمامه الأول، وهي العنصر المركزي في بناء المشهد. على أن "شعرية الحوار" التي أسست نصوص المسرح الشعري العربي يناهضها محمود نسيم في العرض محاولاً تقديم "شعرية المشهد" أو "شعرية السرد". هكذا تعبر الشخصيات داخل العرض عن نفسها بالصورة، وتقيم حوارها من خلال تشكيل اللغة، وهي تمتلك قيمتها الجمالية المستقلة بعيداً عن أية قيمة وظيفية أو نفعية في إيصال المعنى أو تحريكه.
إن استقلالية "اللغة" تشمل المشهد الشعري الذي يطمح إليه المؤلف، لتحقيق جمالياتها المنفصلة، وعزلتها عن الشخصيات والمشهد والبناء المسرحي. هكذا تطل الفكرة مشبعة بالثقافة الأدبية، وتطل الصورة الشعرية مشبعة بالتساؤل والأفكار الفلسفية، ويلتهم السرد الحوار المسرحي عبر لغة تجريدية غير ملائمة لشروط الخشبة.
لغة تجريدية حقاً، فالصدام بين الآراء المطروحة صدام عام لا يمكننا ملامسة أفراده والإمساك بملامحهم تماماً. إنهم محكومون غالباً بأفكار عامة من دون أن تكون لهم حياتهم الفعلية الحية. وهكذا يقدم النص "تكنيك" استرجاع الشخصية من دون استرجاع الحدث، ليواصل حصار النص داخل الفكرة، وداخل خطوط تقريبية للأشخاص والموضوع. تبدأ الحكاية داخل غرفة مغلقة لا تتبدل ملامحها ولا تتغير ديكوراتها. في منتصف الغرفة يجلس ماجد أحمد سلامة أمام لعبة الشطرنج ليبدأ في استعادة الذاكرة، مستدعياً صديقه اسماعيل احمد مختار الذي انتهز فرصة اعتقال ماجد ليستولى على كل شيء يملكه حتى زوجته بثينة. ويستدعي المحقق صفوت خليل مرسي بصورته البوليسية المخيفة، وكان أجبره يوماً على الاعتراف والوشاية بزملائه لقاء الافراج عنه. ويسترجع ماجد أيضاً زوجته بثينة سلوى محمد علي، وصديقته الرسامة نورا صفاء الطوخي التي ترسم لوحة لتلك المجموعة التي تحطمت احلامها وتشوهت ملامحها.
وعلى رغم محاولة العرض مناقشة جيل الهزيمة وانكسارات المثقف السبعيني عبر إشارات متعددة، إلا أننا طوال العرض لا نعرف ما الذي يحدث تماماً، من هم هؤلاء؟ ماذا يعملون؟ ما طبيعة تلك الأحلام؟ وتلك الثورة التي انتهت بهم الى السجون والمعتقلات؟
ولا نعرف أيضاً - داخل العرض - مبررات الانكسار والهزيمة؟ ما هي المقدمات التي افضت الى تلك النتائج المنهارة والنماذج الشائعة والعاجزة فوق المسرح؟ إن الأجواء الكابوسية الخانقة في "الغرفة" تتشكل في النص عبر سلوك فردي محوره الخيانة الشخصية، وليس سلوكاً اجتماعياً أو سياسياً. ولعلّ السلوك الفردي أو الحدث الوحيد في العرض حادث الخيانة والوشاية لا ينتهي بأصحابه إلى أية أزمة درامية يمكن أن تجر المشهد أو تدفعه للتنامي. ف"اسماعيل" الذي خان صديقه ماجد في فراشه ومع زوجته، لا يعاني صراعاً أو أزمة، بل هو يجد دائماً تبريراً لأفعاله كونه متماسكاً ومزهواً وواضحاً.
أما "ماجد" الواشي والمطعون في شرفه أيضاً فلا يعاني أية أزمة وربما عانى بعض المعاناة النفسية والإحباط بعد خسارة كل شيء وخيانة زوجته إياه.
وكذلك "صفوت" المحقق هو أشدّ الشخصيات المسرحية في النص تماسكاً وثراء بتركيبتها وتعدد مستوياتها. وقد تم إفسادها تماماً على خشبة المسرح، إذ لم يقدم المخرج عبد الستار الخضري ولا الممثل خليل مرسي أزمة الشخصية ووجوهها المتعددة وصراعاتها الحادة مع ذاتها وما بين قدرتها على الرؤية والوعي بما حولها وبين سطوة الوظيفة البوليسية الكريهة.
تمّ تسطيح الشخصية لحساب صورة نمطية تقليدية للمحقق، القوة نفسها وكذلك والوضوح والثقة، والبقعة الضوئية الحمراء نفسها التي تسقط على وجه المحقق لتزيد وجهه نفوراً وعنفاً. إن تسطيح الأزمة الداخلية، وتنميط الشخصية أفقداها خصوصيتها وفرادتها المركبة، بل سطّحا كثافتها الإنسانية والنفسية التي لامسها النص بعمق.
حضور الجسد الأنثوي
لم يفعل المخرج شيئاً إلا المحافظة على النص، من دون قدرة على ملاحقة صوره وخيالاته، ومن غير قدرة على التعامل مع المساحات المقترحة في النص لتبديل المشهد والتحرك بخيال أكثر حرية في البنية الزمنية المتداخلة في النص.
حاصر المخرج شخصياته المسرحية داخل صورهم الذهنية وداخل مساحات مكانية أشد ضيقاً وتقليدية. هكذا أطل صفوت من مكان مرتفع مؤكداً سلطته، وحوصرت نورا طوال العرض داخل مساحة مكانية محدودة لا تتجاوز المتر المربع مرتفعة قليلاً عن مستوى الغرفة، لتقدّم خطابها المتعالي وتتحول الى محض فكرة ومثال. وكذلك الفعل الذي تقدم به نورا طوال العرض إنجاز اللوحة التشكيلية وهو حدث أقرب إلى "الفرجة"، إذ تم تهميشه بصرياً وتم التعامل مع اللوحة في "اللغة" وبرؤية ذهنية. الأمر نفسه حصل مع "الأقنعة" و"الدمى" المستخدمة في العرض، بينما من المفترض أن يتيح استخدام الدمى امكانية بصرية لخرق الممنوعات وكسر التابو على المسرح، وتجربة أكبر لتحرير الخيال. لكن المخرج لم يقم بتوظيف تلك الاشكال والحيل الفنية لتتحول الى محض دمي خرساء، لا مبرر لها لا وظيفة. ولعلّه نقص التقنيات في تصميم "الدمى" إذ لم يفتقد المخرج شجاعة توظيف الجسد الأنثوي على المسرح بعيداً عن الاستخدامات التقليدية كطاقة صوتية أو كتعبير حركي. هذه المرة يقدمه كرغبة وحضور حسي نلامسه على المسرح، هكذا تعلن نورا بجرأة: "جسدي ليس عورة". وتقدم سلوى محمد علي بثينة مشهداً جريئاً وشجاعاً في العلاقة الحسية مع ماجد وهو مشهد تكاملي نصاً وأداءً وإخراجاً وإضاءة.
ولعل الإضاءة التي صمّمها المخرج أحد العناصر المهمة في العرض وخاصة في تحديد الزمن وايقاعه وانتقالاته، كما لعبت الدور التعبيري لإبراز دلالة الموقف مساهمة في تعددية الإدراك البصري.
تبقى تجربة العرض الأساسية وهي تجربة أدائية ولا سيما في العلاقة بين الممثل واللغة وقد نجحت مجموعة الممثلين بخبرتهم العميقة وثقافتهم في تأكيدها، محافظين بدرجة كبيرة على شاعرية الأداء بعدما انكسرت شاعرية الحالة.
ولا يكتفي المؤلف بنصه الشعري ولكن يحرص على تضمينه أيضاً نصوصاً شعرية لآخرين من جيله حسن طلب، حلمي سالم، عبدالمنعم رمضان، ماجد يوسف، جمال القصاص وهي تضمينات لا ضرورة لها داخل النص ولا مبرر درامياً وراءها. الأمر الذي دفع المؤلف والمخرج الى تهميشها خارج العرض المسرحي في مشهد صوتي مسجل قبل رفع الستارة، تتداخل فيه قصائد الشعراء في صورة مشوشة. وهو ما يتكرر ايضا في نهاية المسرحية، باستثناء قصيدة عبدالمنعم رمضان الذي يموت وقد احتلت مساحة في قلب المشهد المسرحي، ومن دون مبرر أيضاً.
وأظن أن استعانة المؤلف بشعراء جيله ليس فقط احتفاء بالشعر قبل المسرح ولكنها أيضاً منهجية جيل السبعينات في تشكيل جماعات "الحماية" أو جماعات "الضغط الشعري".
* قدّمت المسرحية على خشبة مسرح "الهناجر" - القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.