عندما سأقسم بأسى للاطباء، اني لم أدخن سيجارة واحدة طول حياتي، فيهزون اكتافهم بهدوء ويقولون ان عوادم السيارات تكفي، سأتماسك طوال السلالم التي اهبطها، ثم سأستسلم لأول مقعد في الطريق، وربما ابكي - دون صوت - مستشعراً قبضتي على الماء. سيكون عليّ أن الهث خلف اصدقاء يلهثون خلف اصدقاء مفيدين لهذه الحالات السخيفة، أو أن أجلس وسط الاشياء التي كدستها الايام حولي مخفياً الامر عن زوجتي التي تشكو من الاولاد، ساعتها لن يكون هناك وقت للندم، على طوابير الانتظار التي سرقت لحظات العمر، وسأطرد بسرعة خاطر الانتحار. سيكون العزاء الوحيد الباقي هو اختلاسي النظر الى مذكرات ابنتي الصغيرة وعشرات الصور القديمة كل ما بعد الثلاثين باطل. ستتشبث العين بفتاة باهتة الملامح، نظارتها الطبية مضحكة. وأتذكر تاريخ الصورة على وجه التقريب: بعد ذلك الزلزال الذي فضح شروخ المدارس وقبل احدى مذابح اسرائيل المشهورة، أوه، كلا طبعاً، فبعد عشرين عاماً سأنسى الزلزال والمذبحة والارهابيين، واقول: بعد خروجي من الجيش وقبل عملية البواسير الاولى. لقاؤنا ليلتها كان مصادفة ندية كالمعتاد، ندية رغم اني قبلها بشهر قد خطبت فتاة جميلة الملامح، لا ترتدي نظارة طبية، ورغم انها عائدة للتو بالفشل من بيت استاذها. لم تعرف مصير لوحاته المتروكة عند صانع براويز مجهول ولم تجد رسالة بأسباب الانتحار. ياه: لقد كانت ليلة حنوناً التي تمنح القلب مصادفة كهذي. فتاة باهتة الملامح، نظارتها الطبية مضحكة تقف متوترة في الكاميرا بغضب ويأس وتحدٍ من الذي كان يمسك الكاميرا تريد ان تنشر اعلانا في الصحف عن صانع البراويز وسوف تكتب مقالاً مؤلماً عن المكائد اليومية التي طعنه بها زملاؤه، "جعلوه نصف مجنون يا عبدالمنعم، لكنه حتى في توهانه كان يدخل المرسم يوزع علينا ألوانه وفرشاته ويخرج دون كلام". فتاة باهتة الملامح، نظارتها الطبية مضحكة، لم تثر صورتها غيرة زوجتي طيلة السنوات القادمة. لكني - فور انتهاء الحساب - سأسأل الملائكة عن عنوانها في الجنة. الطيبون يموتون اولاً. سأجد أي وسيلة لإرسال كلمة صغيرة إليها: "الولد العجوز الذي استنشق معك الهواء الفاسد بطول شارع رمسيس" ولم يجد داعياً لإمساك يدك امام الله، واقف ينتظرك .. خارج ابواب الجنة". * كاتب مصري.