لم يستحق بنيامين نتانياهو اسم الدلع، "بيبي"، بمقدار ما استحقه في الأيام الأخيرة. تصرف كرجل يريد صوغ الوضع السياسي على ذوقه، فلما فشل "عاقب" حزبه والإسرائيليين مرة ثانية فامتنع عن ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة. فعل ذلك عندما هزم أمام ايهود باراك قبل نحو سنة ونصف سنة. ترك مقعده في الكنيست وزعامة ليكود وأمضى جل وقته في الولاياتالمتحدة يحاضر ويجمع الأموال ولم يتردد الى إسرائيل الا ليمثل أمام محاكم وجهت اليه، مع زوجته ساره، تهم الفساد واستغلال السلطة. قطع اجازته المديدة وعاد يحوم مثل شبح فوق الحياة السياسية الإسرائيلية، ولمّا لم يحصل التجاوب الكامل معه كرر "الحرد" والابتعاد. لكن في الأمر مفارقات أخرى. كان قرار الكنيست حل نفسها قوة الدفع التي اطلقت التطورات الأخيرة. واختتم هذا الفصل الأول بمشهد باراك يصرخ: "أنا لست خائفاً، هلموا الى انتخابات عامة". افتتح الفصل الثاني بتطور دراماتيكي رفع الحظر القضائي عن نتانياهو ما يسمح له بتبوؤ مناصب رسمية. ورافق ذلك اعلانه عودته السريعة الى الحلبة. وتعزز ذلك بكمية لا تحصى من استقصاءات الرأي التي تؤكد فوزه الكاسح في حال ترشح. وهكذا اختتم الفصل الثاني بمشهد باراك المرتبك والخائف. الفصل الثالث كناية عن المفاجأة التي فجرها رئيس الحكومة بتقديمه استقالته، ويعني ذلك قطع الطريق على حل الكنيست وحصر المعركة بموقع واحد. ولمّا كان القانون الأساسي يمنع على غير النائب ان يترشح لرئاسة الوزارة، بدا الأمر كأنه محاولة لاستبعاد نتانياهو. وكان على باراك ان يختار بين تهمتين: إما انه مرعوب من المنافسة وإما متواطئ مع ارييل شارون. عادت اللعبة في الفصل الرابع الى الكنيست. فهي إما تمضي في اجراءات حل نفسها رافضة الخضوع لمناورة باراك، وإما تعدل القانون بما يسمح لنتانياهو ان يترشح. وبطل هذا الفصل هو، بلا منازع، الحاخام عوفاديا يوسف "المرشد الروحي" لحزب "شاس". فالحزب يفضل رئيساً للوزراء يمينياً على رئيس يساري يهدد ب"ثورة علمانية". والحزب يفضل، ضمن اليمين، نتانياهو على شارون، لكنه يفضل، قبل أي شيء آخر، نفسه. لذلك فهو متحمس لتعديل القانون الأساسي حيث يفتح المنافسة على رئاسة الحكومة، لكنه لم يعد متحمساً لحل الكنيست مخافة ان يخسر مقاعد. انقلبت الأدوار كلها في الفصل الخامس، في ضوء التوجه الجديد ل"شاس". أصبح نتانياهو ضد تعديل القانون لمصلحته، وباراك متحمساً لذلك مخافة ان يبدو متهرباً. وجماعة نتانياهو ضمن "ليكود" توافقوا مع "شينوي". واعتبر ايلي يشاي ان عوفاديا يوسف قام بما عليه حيال "بيبي"، ولم يعد مطالباً بالمزيد. وهكذا فإن العملية التي اطلقتها الكنيست بالتصويت، بقراءة أولى، على حل نفسها انتهت بأن اقترعت ضد الحل، وبرّأت ذمتها حيال "المواطن المعني" نتانياهو بفتح الطريق أمامه إذا أراد. وتداخل هذا الفصل مع السادس الذي يليه. إذ حاول نتانياهو استباق الأمور والضغط على "شاس" فلم يفلح. وهكذا أعلن انسحابه من المعركة وقت التصويت على السماح له بخوضها. يعني ذلك انحصار المواجهة بين باراك وشارون أي، بمعنى آخر، نجاح مناورة الأول من دون ان يدفع ثمن ذلك اتهاماً له بقطع الطريق على مرشح قوي ينافسه. ومع نهاية هذا الفصل حاول شمعون بيريز ان يطل برأسه مصرحاً، لأول مرة، بأنه قد يتدخل باسم خط ثالث. لكن هذا الفصل قد لا يستمر لأن خلفية المسرح، مصير الانتفاضة والمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، عادت الى التقدم. وتعني عودتها ان إسرائيل أمام خيارين: اما حكومة اتحاد وطني تتشكل بعد الانتخابات برئاسة الفائز طالما ان التركيبة العامة للكنيست باقية على حالها، وإما اتفاق على تسوية يبدو ان بيريز يريد الضغط من اجل التوصل اليها. وفي الحالين يكون نتانياهو ظهر مثل نيزك في الفصل الأول، ودمّر فرصته في الفصل السادس من مسرحية تتوالى فصولاً.