أسبوع الرياض للصناعة 2025 يؤكد الحراك السعودي لتشكيل مستقبل القطاع    "هيئة الأمن الغذائي" تطرح المناقصة الثالثة لهذا العام لاستيراد 655 ألف طن قمحٍ    ترسية مشروع استثماري لإنشاء وتطوير مركز للرعاية والعناية الفائقة لأطفال التوحد بالدمام    الإحصاء: معدل التضخم في السعودية يبلغ 2.3% خلال أبريل 2025    الماجستير لعبير أبو ربعية    العمري ل"الرياض" : زلزال 14 مايو ناتج عن انزلاق صفيحة أفريقيا تحت بحر إيجة    الصحفية السعودية التي وقفت بثقة بين ولي العهد والرئيس الأمريكي    البث الموسيقي الرقمي (Streaming 2.0): عودة الفنان إلى مركز صناعة الموسيقى    نجاح عملية فصل التوأم الملتصق الإريتري أسماء وسمية بعد عملية جراحية دقيقة استغرقت 15 ساعة ونصفًا    استشهاد 43 فلسطينيًا    مركز التنمية الاجتماعية في جازان ينفذ ورشة عمل بعنوان "تجهيز العروس الجيزانية"    أمير تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    الجمعية العمومية لجمعية الإعاقة السمعية بمنطقة جازان تعقد اجتماعها العادي الأول    برشلونة في مهمة حسم اللقب أمام الجار    ولي العهد وولي عهد أبوظبي يستعرضان العلاقات الثنائية    "منصة "قوى" تعزز توظيف القوى العاملة في السعودية    انطلاق "هاكاثون الابتكار الصحي الرقمي الأول"    أكد أن كثيرين يتابعون الفرص بالمنطقة… ترامب لقادة الخليج: دول التعاون مزدهرة.. ومحل إعجاب العالم    بصمة على علبة سجائر تحل لغز جريمة قتل    أسرتا إسماعيل وكتوعة تستقبلان المعزين في يوسف    أفراح الزواوي والتونسي بعقد قران عبدالرحمن    كفيف.. فني تصليح أجهزة كهربائية    تأمين ضد سرقة الشطائر في اسكتلندا    ولي العهد يهنئ ألبانيزي بتنصيبه رئيسًا لوزراء أستراليا    جناح سعودي يستعرض تطور قطاع الأفلام في" كان"    "بينالي الفنون" يدعم صناعة الأفلام التناظرية    الملا يكرم العنود وحصة والصحفي في "رواية وفيلم"    أسرار رونالدو!!    الأغذية المعالجة بوابة للإصابة بالشلل الرعاش    «الغذاء والدواء»: ضبط 1621 منشأة مخالفة خلال شهر    السعودية وأميركا.. خارج إطار النفط    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم الحج    10 مسارات إثرائية دعوية في المسجد النبوي    عظيم الشرق الذي لا ينام    في الشباك    كوستا الاتفاق يخضع للجراحة    تدخل نادر ينقذ مريضة من استئصال الكبد    «الرئاسي الليبي» يدعو للتحلي بالوعي والصبر    واشنطن تعاقب شركات تنقل نفطاً إيرانياً إلى الصين    لا حج إلا بتصريح    لجنة الاستئناف قبل"استئناف"نادي الوحدة وتعيد قضية احتجاجه ضد النصر إلى لجنة الانضباط    «فهارس المخطوطات الأصلية في مدينة حائل»    أدبي المنطقة الشرقية يُكرّم الأمير عبدالعزيز بن سلمان والسفير المعلمي بجائزة «الموقف الأدبي»    فعالية «تراثنا» تبرز الهوية الثقافية للمدينة المنورة    تعليق الحياة ليوم واحد    77% نموا بمطالبات التأمين    القبض على (4) مقيمين لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بإيهام ضحاياهم بذبح الهدي عنهم مقابل مبلغ مالي    صحف وقنوات عالمية تبرز مخرجات القمة السعودية الأمريكية    الوساطة السعودية تنتصر لسوريا برفع العقوبات    عماد التقدم    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    ختام ناجح للبطولة العربية للجولف للناشئين والسيدات في القاهرة    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في خدمة ضيوف الرحمن    وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستاذة التي تحاضر رئيس الوزراء البريطاني تحدثت ل "الحياة" عن أحدث الاكتشافات العلمية . الدماغ فرقة سيمفونية عزفها مختلف بين الجنسين
نشر في الحياة يوم 28 - 07 - 1999

يبدو دماغ المرأة مشابها لدماغ الرجل عند وضعهما جنباً الى جنب، لكنهما يختلفان في طريقة تركيبهما، وفي أدائهما للوظائف المختلفة. ذكرت ذلك الدكتوره سوزان غرينفيلد مديرة "المؤسسة الملكية" البريطانية، واستاذة الصيدلة في جامعة اوكسفورد. وتحدثت العالمة البريطانية ل"الحياة" عن أحدث الاتجاهات العلمية في دراسة الدماغ البشري، وذكرت أن الدماغ لا ينقسم الى مناطق ومراكز محددة للنطق والكلام والتفكير، بل تعمل أجزاؤه المختلفة كالفرقة السيمفونية، حيث تشارك مختلف الآلات الموسيقية في تكوين النغم.
ويسود نوع من "قوانين الغاب" الدماغ، الذي يعمل وفق قاعدة "إنْ لم تستخدمه تفقده". وثمنت غرينفيلد تراث عالم النفس سيغموند فرويد، وقالت إنه رائد في محاولة تركيب نظرية عن الدماغ تربط بين العقل والعواطف. ورداً عن سؤال الصحيفة ما إذا كانت تثق بالدماغ البشري قالت: "الدماغ البشري هو كل ما نحن وكل ما عندنا. وإذا لم نكن نستطيع أن نثق بذلك فبمن؟".
وتعتبر سوزان غرينفيلد من أبرز الشخصيات العلمية في بريطانيا، وقدمت أخيراً ندوة استشارية عن مستقبل العلم لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير في مقره في 10 داوننغ ستريت، واشتهرت بمؤلفاتها حول الدماغ، وتُعد حالياً مسلسلاً من 6 حلقات عن الدماغ البشري للقناة الثانية في التلفزيون البريطاني "بي بي سي".
الدماغ الغازي
يختلف دماغ المرأة عن الرجل في ثخانة كتلة الألياف العصبية التي تربط بين النصفين الكرويين للدماغ. ويلاحظ في المعدل أن هذه الكتلة في دماغ المرأة أكثر ثخانة مما في الرجل. ومع أنه من غير الممكن التمييز بين دماغ كل من المرأة والرجل عند وضعهما الى جانب بعضهما، إلا أن البحوث كشفت عن اختلاف بين دماغي الجنسين في طرق التفكير وأداء المهام المختلفة. وظهر أن الرجل أفضل من المرأة في المهارات البصرية الحركية والمرأة أحسن منه في المهارات الكلامية.
وتسود عمل الدماغ "قوانين الغاب"، حيث البقاء للأقوى. تشير الى ذلك تجارب اجريت على صبي صغير غُطيت إحدى عينيه بسبب اصابته بمرض، فيما تركت العين الاخرى مفتوحة. وأدت عدم قدرة الصبي على الرؤية بعين واحدة في اللحظات الحاسمة الى قيام العين المفتوحة بغزو موقع العين المغطاة في الدماغ. وظهر عند إزالة الضماد أن العين المفتوحة تغذت وقويت على حساب العين غير المستخدمة. هنا يسود عمل الدماغ مبدأ "إن لم تستخدمه تفقده". هذه واحدة من اكتشافات عدة تمهد الطريق للمغامرة العلمية العظمى المقبلة في اختراق الدماغ الذي تعتبره البروفيسورة غرينفيلد "أكثر الأشياء إثارة في الكون".
"وحش" الدماغ
وتقول العالمة البريطانية أن الدماغ ما يزال سراً عصياً، وتظل الحاجة الى معرفته كبيرة بالنسبة لأولئك الذين قضوا حياتهم في دراسته، "إنه مثل هايدرا وحش الاسطورة الأغريقية الذي تنبت له سبع رؤوس مكان كل رأس يقتطع منه". فالاكتشافات الجديدة قضت على اليقين الذي كان سائداً في السبعينات حول وجود مراكز متخصصة داخل الدماغ وأدمغة عدة تعمل داخله. والمعتقد حالياً أن مناطق الدماغ المختلفة تساهم في وظائف مختلفة على غرار المعالجة المتوازية في الكومبيوتر parallel processing. لكن لا أحد يعرف بعد كيف تتدبر مناطق موزعة في الدماغ العمل كوحدة كلية عند القيام بوظائف كالحركة والرؤية.
وما تزال تثير الدهشة طريقة عمل الخلايا العصبية "العصبونات" neurons، التي يتكون منها الدماغ. معروف الآن أن الاشارة الكهربائية التي تصدرها الخلية العصبية تستغرق جزءا واحداً من ألف جزء من الثانية، وتبلغ سرعة الاشارة في طرف الخلية نفسها 321 كيلومتراً في الساعة. وفي أعوام السبعينات تمت اكتشافات مهمة للمحفزات والمثبطات الكيماوية التي تتحكم بجميع وظائف الدماغ. لكن في الآونة الأخيرة فقط بدأ إدراك تعقيد هذه العمليات. واكتشف تدفق هذه المواد الكيماوية على شكل نافورات. ومع أن الأدوية المؤثرة على المزاج تستهدف هذه النافورات، إلاّ أنه غير معروف لحد الآن علاقة هذه النافورات بعمل الدماغ ككل.
سيمفونية الدماغ
ويشبه عمل الدماغ الفرقة السيمفونية، حيث تشارك مختلف الآلات الموسيقية في النغمات الصادرة، أو كما في الطبخ حيث تستخدم مواد مختلفة لكن الناتج الكلي يكون أكبر من مجموع أجزائه. وكشفت تجارب عدة على أشخاص فقدوا القدرة على النطق أو اصيبوا بعاهات كلامية نتيجة اصابات في الدماغ خطل النظريات التي سادت في السبعينات حول وجود مراكز متخصصة باللغة تعمل كدماغ داخل الدماغ. وبينت تقنيات تصوير الدماغ التي تستخدم في الطب حالياً على نطاق واسع أن مناطق مختلفة تساهم في الكلام، وليس هناك مركز واحد للغة أو لأي نشاط آخر. وتساهم كوكبة من مختلف مناطق الدماغ في الجوانب المختلفة لكل وظيفة من الوظائف. وتعيد هذه الاكتشافات الاعتبار لبعض تصورات العلماء عن الدماغ في القرن الماضي. ويتجدد الاهتمام بأفكار عالم النفس سيغموند فرويد. وتعتقد البروفيسورة سوزان غرينفيلد أن النقد الذي يوجه الى فرويد سببه عدم انطلاق نظرياته من الدراسة الفسيولوجية للدماغ، وتبرر هذا النقص حدود التطور العلمي آنذاك. لكن يظل الانجاز الأكبر لفرويد في نظرته الكلية wholistic لعمل الدماغ وفي تأكيده على دور اللاوعي، أو ما دون الوعي subconscious. وتحاول العالمة البريطانية إعادة تفسير نظريات فرويد في هذا الصدد على ضوء علم فسيولوجيا الأعصاب الحالي Neuro-physiology، فهو يقدم الفرصة لدرس الروابط العصبية التي تنشأ عن علاقات مختلفة تتكون عبر الحياة وتساهم بطريقة خفية في تشكيل وعي الانسان.
الدماغ والذاكرة
وتعتبر العالمة البريطانية فرويد رائداً في محاولة تكوين نظرية عن الدماغ تربط بين العقل والعواطف. والسؤال الهام في تقديرها هو كيف تتحول أحداث مادية داخل الدماغ الى مشاعر ذاتية؟ كيف يمكن على سبيل المثال أن تؤدي تغيرات في مادة "سيروتونين" الكيماوية في خلايا الدماغ الى شعور نفسي بالرضى؟ ومن أكبر الألغاز المحيرة لحد الآن معرفة من أين تأتي الذات الى الدماغ؟ وكيف تنبثق عن الدارات العصبية ليس ملامح الدماغ فحسب، بل أيضاً الادراك الفردي؟ وهل يدرك الجنين البشري في الرحم؟
ويزداد تعقيد موضوع الأساس الفسيولوجي للادراك عند بحث موضوع ذاكرة الانسان. سبب هذا التعقيد أن الذاكرة كما يبدو هي حصيلة عمل مناطق عدة في الدماغ تعمل بشكل متواز. تجارب مثيرة جرت على مرضى اصيبوا بفقدان الذاكرة إثر إصابتهم في الدماغ بينت أن بعضهم احتفظ بالقدرة على تذكر كل ما حدث له قبل الحادث، لكنه لا يتذكر أي شيء يحدث له بعدها، فيما فقد مصابون آخرون القدرة على تذكر الماضي كله وأصبحوا سجناء اليوم الذي يعيشون فيه.
الدماغ والعقل
وتكشف التجارب عن وجود أنواع عدة من الذاكرة. فهناك ذاكرة لفظية semantic memory لا تتذكر الأحداث بل الكلام وذاكرة حدثية episodic memory لا تتذكر سوى الأحداث المتصلة بزمان ومكان. وفي حال تلف المنطقة التي تشخص الوقائع كأحداث في الزمان والمكان فإن التلف لا يصيب الذاكرة نفسها، بل يفك ارتباط الوقائع بمحتواها الذي حدثت فيه.
وتعتقد العالمة البريطانية أن أكبر التحديات في هذا الصدد هي ايجاد الصلة بين الدماغ والعقل. الذاكرة بالذات هي نتاج فسيولوجية الدماغ، لكن مقارنتها بالحس والوظائف الحركية الاخرى تكشف عن أنها مظهر للعقل. وتعتقد البروفيسورة غرينفيلد أن المخزون المتراكم من الذكريات والأفكار المسبقة والتجارب تعمل كمقابل مواز لطوفان التجارب الشعورية اليومية. وقد تضعف هذه القابلية في أنواع العقل الأبسط لدى مرضى الشيزوفرينيا والأحلام. وهكذا قد يكون الدماغ تجسيداً لفسيولوجيا العقل خلال تطوره وتكيفه عبر الحياة. والأدمغة الأكثر تعقيداً تملك عقولاً أكثر فردية وأقل تسطحاً.
الدماغ والجينات
ولا تشارك سوزان غرينفيلد في الحماس العام للجينات، وتعارض الاتجاه العلمي نحو تحديد جينات مسؤولة عن الخجل مثلاً، أو الذكاء، أو الامومة. وتتوقع أن يخيب مشروع مسح الجينات الآمال الكبيرة المعلقة عليه. وتقول "حتى في حال معرفة ما هو الجين بالضبط لا يمكنك معرفة علاقة ذلك بوظائف الدماغ كله. فعدد الجينات مليون مقابل ترابطات الدماغ التي تبلغ بليون بليون". وترجح غرينفيلد أن هناك مغالاة في توقع ما يمكن أن يحققه علم الأحياء الجزيئية. و"من المستبعد العثور على الجين الذي يجعل الناس يقعون في الحب".
وتستبعد العالمة البريطانية أيضاً النجاح في بناء عقل اصطناعي وصنع بشر آليين عقلاء "روبوتات". وتقول "هذه فكرة غبية. فالادراك يستلزم تفاعل الدماغ والجسم وتبادل كمّ هائل من المواد الكيماوية بين الاثنين. ومن أجل اعادة انتاج ذلك ينبغي بناء جسم يملك مجموع المواد الكمياوية وعضو ثلاثي الأبعاد كالدماغ. وإذا لم يكن لدى العلماء الجواب فلا ينتظر أن يقدمه الفلاسفة، الذين كانوا أول من حدد مشكلة الادراك. وتستبعد غرينفيلد أن يعثر الفلاسفة لوحدهم على تفسير لكيفية تحول الدماغ المادي الى مشاعر ذاتية. وترجح أن يقتصر دور الفلاسفة على مراجعة وتقويم أي نظريات قد يتوصل اليها العلماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.