تبحث الحكومة الالبانية بقلق عن السبل الكفيلة بجمع 800 مليون دولار تشكل حجم المساعدات الطارئة التي تحتاجها البلاد لمواجهة متطلبات قرابة 400 الف لاجئ نزحوا من اقليم كوسوفو خلال الاسابيع الخمسة الماضية. وأدى تدفق النازحين الكوسوفيين الى تأثير سالب كبير في اقتصادات البلدان المجاورة، الا ان ألبانيا تعتبر البلد الاكثر عرضة للآثار السالبة التي يحتمها تدفق اعداد هائلة من النازحين، ممن تقطعت بهم السبل، وممن يولدون ضغطاً كبيراً على المرافق الاساسية والبنى التحتية المحدودة التي كانت تعاني من هشاشة وضعها منذ فترة طويلة. ويؤدي المناخ الاقليمي العام الى زعزعة ثقة المستثمرين المحليين والدوليين بأسواق المنطقة، مما قد يضاعف حجم المأساة التي تعاني منها ألبانيا التي تفتقد الى الاستثمارات الخارجية والى تعزيز دور القطاع الخاص فيها. وقال المدير المقيم للبنك الدولي في البانيا كارلوس البرت ل"الحياة" ان الازمة الاخيرة للنازحين لن تتوقف بين ليلة وضحاها بل "ستستمر لفترة طويلة تلي انتهاء الاعمال الحربية". واضاف: "الوضع الاقتصادي مرشح لمواجهة صعوبات في اطار ثلاثي: الاول ان عجز الموازنة سيتفاقم حتى لو كانت هناك منظمات دولية تمد يد العون. والثاني ان الوضع الهش للبنى التحتية والمرافق الاساسية سيزداد تدهوراً. والثالث ان هناك احتمال حدوث توتر اجتماعي بسبب الزيادة المفاجئة لعدد السكان بمقدار يناهز عشرة في المئة في مدى ثلاثة اسابيع فقط". ويقارب عدد السكان في البانيا 3.5 مليون نسمة، ووصف البرت الوضع بأنه يشابه "الكارثة" وقال: "لنتخيّل ان مصر التي يقارب عدد سكانها 50 مليون نسمة استقبلت دفعة واحدة خمسة ملايين لاجئ. انها ظاهرة مرهقة اقتصادياً واجتماعياً". واضاف: "ألبانيا تعيش في مرحلة انتقالية وهي لم تبتعد بعد عن الرأسمالية المتوحشة بل لا تزال تخوض في الازمات، ومن ازمة الى ازمة ومن مرحلة انتقالية الى اخرى. ومما لا شك فيه ان المشكلة الحالية التي يشكلها استيعاب هذا القدر الكبير من النازحين ستترك بصماتها على الوضع الاقتصادي". وتعاني الجمهورية البلقانية، التي تنفتح بصعوبة على العالم الخارجي، من عدم قدرتها على امتصاص رؤوس الاموال الخارجية بسرعة وسهولة نظراً الى غياب المؤسسات الاقتصادية والدستورية الملائمة، وذلك على رغم الاصلاحات الكثيرة التي قامت بها الحكومة اخيراً. وتقول المنظمات الدولية العاملة في ألبانيا، والتي تمتد لائحتها لتشمل اغلب المنظمات الدولية المالية وتلك المهتمة بتأمين وادارة المساعدات المالية، ان الازمة الحالية التي فاقمها قدوم النازحين وقلق المستثمرين ستؤدي الى تأجيل محتمل للاصلاحات الهيكلية والى تحويل الاموال المخصصة لدعم الاقتصاد وافتتاح مشاريع جديدة وخطى التخصيص الى الجهد الانساني. ويجري وزير المال الألباني أناستاس فانجيل محادثات حالياً في واشنطن طلباً للمساعدات المالية والدعم الاقتصادي. وتسود قناعة لدى الرأي العام الألباني من رسميين وعامة الشعب ان الولاياتالمتحدة هي التي تحمل عصا الانقاذ السحرية للبلاد من ازمتها. وتعهدت فرنسا، التي زار رئيس وزرائها ليونيل جوسبان امس تيرانا، تقديم مساعدات مالية. كما قرر الاتحاد الاوروبي منح 100 مليون يورو لبلدان المنطقة سيذهب نحو 70 في المئة منها الى البانيا وحدها، على اعتبار انها تتحمل الجزء الاكبر من استقبال النازحين. وقال البرت ان "البنك الدولي وافق اول من امس على تقديم 35 مليون دولار مساعدة للحكومة الالبانية لتمويل العجز الاضافي في الموازنة، الذي ينتظر حدوثه السنة الجارية نتيجة ازمة النازحين بمقدار يراوح بين 150 و200 مليون دولار". واضاف ان الحكومة الالبانية مهتمة بجمع 600 مليون دولار اخرى على الاقل، من خارج الموازنة، لتمويل اعمال المساعدات الانسانية التي ستجري حتى آخر السنة الجارية. وتوقع في الوقت نفسه ان يستمر بقاء النازحين لفترة تتجاوز السنة او السنتين. كما توقع ان يلتئم اجتماع دولي لمساعدة البانيا "قد يُعقد في بروكسيل" قريباً للبحث في تقديم منح وقروض جماعية لألبانيا، للسماح لها بالخروج من الضائقة الاقتصادية التي قد تغرق فيها ولدعم مشاريع الاصلاح الهيكلي التي تنوي تنفيذها.